إنسى ياعمرو : 100 رسالة تجعلك لا تنتخب عمرو موسى رئيسا للجمهورية

Tuesday, March 4, 2014

أموال التأمينات وإصلاح المعاشات أحمد السيد النجار

تدخل قضية أموال التأمينات منعطفا فارقا هذا الشهر، حيث يبدأ التفاوض حول معدل العائد على أموال التأمينات الموجودة فى حوزة الدولة منذ ضمها إلى ولاية وزارة المالية عام 2006 وحتى الآن وتلى ذلك دراسة الحد الأدنى للمعاش بناء على ما سيصبح لدى الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى من حصيلة نهائية، وبناء على معدلات العائد الآنى والمستقبلى على هذه الحصيلة. وتتعلق بهذه التطورات، آمال تسعة ملايين من أرباب المعاشات، وأكثر من 17 مليونا من العاملين المؤمن عليهم الذين سيخرجون عاجلا أو آجلا للمعاش، وهم ممن يعملون أو كانوا يعملون بأجر ولديهم تأمينات اجتماعية. ولو تأملنا هذا الرقم لأرباب المعاشات والعاملين المؤمن عليهم ومن ورائهم أسرهم، فسندرك أن قضية أموال التأمينات ومستويات المعاشات تهم الشعب المصرى كله تقريبا.
ومن يقترب من هذه القضية عليه أن يقر بداية بالفضل الكبير للدكتور أحمد البرعى وهو أحد الرموز الحقيقية للثورة ووزير التضامن الذى استبعد من التشكيل الوزارى الحالي. فهذا الرجل هو الذى استجاب لمطالب أرباب المعاشات بإسقاط القانون 135 لعام 2010، الذى وضعه وزير المالية الأسبق الدكتور يوسف بطرس غالى الذى كان يطيح بجانب مهم من مكتسبات أرباب المعاشات، كما أنه خاض مع كتيبة القياديين فى الهيئة القومية للتأمين، معركة من أجل إثبات حجم حقوق أرباب المعاشات فى مفاوضات مع وزارة المالية التى تضع يدها على الجانب الأكبر منها منذ ثمانية أعوام.

وقد تم الاتفاق بين وزارتى التضامن والمالية على أن أموال التأمينات الموجودة تحت ولاية الحكومة ممثلة فى وزارة المالية تبلغ 397.5 مليار جنيه، منها 235.7 مليار جنيه عبارة عن صكوك مديونية على الحكومة ويتم دفع فائدة عنها تدور حول مستوى 8.5% فى الوقت الراهن، ونحو 161.8 مليار جنيه مديونية حكومية لا يتم دفع أى عوائد عليها. ويضاف إلى هذه المديونية نحو 68٫7 مليار جنيه ديونا مستحقة لهيئة التأمين الاجتماعى على بنك الاستثمار القومي.

أما الجزء الموجود فعليا بحوزة الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى فيبلغ 73.4 مليار جنيه فقط وتستثمره الهيئة بصورة مباشرة سواء فى مساهمات فى شركات أو فى صناديق استثمار أو سندات وأذون خزانة عامة. وبذلك يصبح مجموع أصول أموال التأمينات الاجتماعية الموجودة بحوزة الحكومة وبنك الاستثمار والهيئة القومية للتأمين الاجتماعى نحو 539.5 مليار جنيه، قبل حساب العائد على جزء منها موجود لدى الحكومة ولا يحتسب عليه اى عائد، أو فروق أسعار الفائدة على الأصول المالية الموجودة لدى الحكومة وبنك الاستثمار القومي.
وبداية فإن أى معالجة لقضية أموال التأمينات لابد أن تنطلق مما نص عليه الدستور المصرى الحالى الذى نص فى المادة 17 على أن «أموال التأمينات والمعاشات، أموال خاصة تتمتع بجميع أوجه وأشكال الحماية العامة المقررة للأموال العامة، وهى وعوائدها حق للمستفيدين منها، وتستثمر استثمارا آمنا، وتديرها هيئة مستقلة، وفقا للقانون».

وتشير الدراسة التى أعدتها الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى إلى أنه لو تم احتساب فوائد على أموال التأمينات الموجودة بحوزة الحكومة، بسعر الفائدة المصرفية السائدة فى البنوك، فإن القيمة الحالية للـ 161.7 مليار جنيه التى لا تحتسب عليها أى فائدة ستصبح نحو 330.6 مليار جنيه. أما الـ 235.7 التى تحتسب عليها فائدة أقل من سعر السوق، فإنه لو احتسبت عليها فائدة وفقا لسعر الفائدة على الودائع فى السوق فإنها ستصبح 280.1 مليار جنيه، لتصبح قيمة مجموع ما فى حوزة الحكومة من أموال التأمينات نحو 610.7 مليار جنيه. أما الأموال الموجودة بحوزة بنك الاستثمار القومى والبالغة نحو 68.7 مليار جنيه التى تحتسب عليها فائدة بأسعار أدنى من السوق، فإنه لو احتسبت عليها فائدة بسعر فائدة الودائع فى السوق فإنها ستصبح نحو 91.9 مليار جنيه، لتصبح مستحقات التأمينات لدى الحكومة وبنك الاستثمار القومى معا نحو 702.6 مليار جنيه، فضلا عن الـ 73.4 مليار جنيه التى تستثمرها الهيئة القومية للتأمين بنفسها، ويصبح مجموع أموال التأمينات لدى كل الجهات نحو 776 مليار جنيه.

أما لو تم حساب العائد على أموال التأمينات طبقا لسعر فائدة الإقراض وهو الأكثر عدالة وواقعية، فإن الديون الحكومية ستصل إلى أكثر من 750 مليار جنيه، إضافة إلى نحو 100 مليار جنيه ديون بنك الاستثمار القومي، لتصبح مديونية الحكومة وبنك الاستثمار القومى معا نحو 850 مليار جنيه. وبإضافة الأموال المستثمرة من الهيئة مباشرة (73.4 مليار جنيه)، فإن مجموع أموال التأمينات يبلغ نحو 923.4 مليار جنيه.

أما لو تمت إضافة فروق أسعار الفائدة منذ بداية ثمانينيات القرن العشرين وحتى الآن، فإن حقوق أرباب المعاشات والمؤمن عليهم سترتفع بصورة هائلة بصورة تمكن الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى من ضمان تقديم معاشات كافية لحياة كريمة ولا يقل حدها الأدنى عن الحد الأدنى للأجر.

والحقيقة أن الصعوبة لا تكمن فى حساب حقوق أرباب المعاشات والمؤمن عليهم والموجودة فى حوزة الدولة وبنك الاستثمار القومي، بل تكمن أساساً فى الكيفية التى سيتم رد هذه الحقوق من خلالها. فالحكومة وهى المدين الرئيسى عليها ديون هائلة أصلا، وسيكون عليها أن تغير سياساتها المالية وتتخذ إجراءات حاسمة من أجل إصلاح الموازنة العامة للدولة، حتى تتمكن من رد أى جزء من حقوق أرباب المعاشات، وهو ما لم تقم به الحكومة ولا تلوح فى الأفق بشائر لقيامها بهذا الإصلاح حتى الآن.

 وقد بلغ الدين العام المحلى نحو 1593 مليار جنيه فى نهاية سبتمبر الماضي، منها نحو 1328 مليار جنيه ديونا حكومية مباشرة. ومن المرجح طبقا لحجم العجز فى الموازنة العامة للدولة، ومعدلات زيادة الدين العام المحلي، أن يكون قد تجاوز 1700 مليار جنيه فى الوقت الحالي، وأن تكون قيمة الديون الحكومية المباشرة قد بلغت نحو 1440 مليار جنيه. وإذا أضفنا إليها الديون الخارجية التى بلغت 47 مليار دولار فى نهاية سبتمبر الماضي، والتى زادت كثيرا عن هذا المستوى بعد ذلك، فى ظل التوسع فى الاقتراض من الدول العربية فى الخليج، فإن حجم الديون العامة الداخلية والخارجية يصبح هائلا، ويبلغ نصيب كل فرد فى مصر من تلك الديون قرابة 23 ألف جنيه. ولابد أن تكون المهمة الأولى لأى حكومة هى إصلاح الموازنة العامة للدولة وتقليل عجزها الهائل الذى يتحول فى النهاية إلى مديونيات عملاقة تكبل الحكومات والأجيال القادمة بقيود مالية معوقة للانطلاق الاقتصادى والنمو. وهذا الإصلاح لابد أن ينصرف إلى تطوير الإيرادات وإيقاف نزيف دعم الطاقة للأثرياء وللرأسمالية الكبيرة الأجنبية والمحلية التى تبيع إنتاجها بأعلى من الأسعار العالمية ولا تستحق أى دعم فعليا. ولن يكون بمقدور الحكومة أن تسدد أموال التأمينات التى استحوذت عليها دون إجراء هذا الإصلاح بصورة قوية وفعالة.

وفى ظل المديونية العامة والحكومية الضخمة الراهنة، يصبح سداد أموال التأمينات المستحقة للمؤمن عليهم ولأرباب المعاشات معضلة حقيقية تحتاج إلى فتح كل المسارات التى يمكن أن تساعد على سداد هذا الدين العملاق.

وبداية لابد أن تقوم الحكومة بتحويل أموال التأمينات الجديدة سنويا وبشكل منتظم إلى الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي، حتى تتم إضافة المبالغ التأمينية الجديدة إلى ما فى حوزة الهيئة من أموال تستثمرها بصورة مباشرة. وهذا الانتظام سيؤدى إلى إيقاف تزايد أصول الدين الحكومى العملاق للتأمينات الاجتماعية.

وتبلغ قيمة التأمينات الاجتماعية على العاملين لدى الدولة نحو 17.5 مليار جنيه فى الموازنة العامة للدولة للعام المالى الجاري. لكن الحكومة والمؤسسات العامة المختلفة لا تقوم بتحويل مستحقات التأمينات الاجتماعية بصورة منتظمة، وهو وضع لابد من إنهائه إذا كانت هناك خطة جديدة فى معالجة أزمة أموال التأمينات بصورة حاسمة.

ومن ناحية أخرى، لابد من تطوير آليات إلزام المؤسسات الخاصة بسداد التأمينات الاجتماعية للعاملين لديها والمؤمن عليهم فعليا، ومد مظلة التأمينات الاجتماعية على كل العاملين فعليا لدى جهات العمل الخاصة والعامة أيضا، حيث يتم التهرب من التأمين على أعداد ضخمة من العاملين لدى القطاع الخاص، وهو ما يكشفه وجود تأمينات على 17 مليون شخص فقط، بينما بلغ عدد العاملين فعليا 23.6 مليون شخص عام 2012، وارتفع العدد إلى أكثر من 24 مليونا بعد موجة التعيينات التى شهدها عام حكم الإخوان (2012/2013) وشملت 453 ألفا لدى الدولة وحدها. أى أن هناك 7 ملايين على الأقل من العاملين غير المؤمن عليهم. ولو امتدت إليهم مظلة التأمينات وتم دفع اشتراكاتهم بانتظام، فإن تيار التدفقات الجديدة لأموال التأمينات سيساعد على تطور أصول التأمينات وعوائدها، وسيسهم بالتالى فى تمكين الهيئة من تقديم معاشات محترمة لأرباب المعاشات الحاليين والمستقبلين.

وعودة إلى أموال التأمينات الاجتماعية الموجودة بحوزة الحكومة والعوائد المستحقة عليها وكيفية سدادها، فإنه إذا كانت الحكومة قد خصصت نحو 182 مليار جنيه لسداد فوائد الديون العامة، فى الموازنة العامة للدولة للعام المالى الحالى 2013/2014، فإن أبسط حقوق المؤمن عليهم وأرباب المعاشات، هى أن تعاملهم الحكومة مثلما تعامل الدائنين الآخرين، وتخصص مبالغ مناظرة لسداد فوائد مديونياتها للتأمينات، على أساس سعر الفائدة المتوسط على أذون وسندات الخزانة العامة. وإذا كانت الحكومة تقوم بصورة منتظمة بسداد حقوق البنوك العامة والخاصة التى اقترضت منها، وتسدد لهم فوائد أذون وسندات الخزانة التى اشتروها بعائد يتراوح بين 13%، و 17%، فالأولى بها أن تفعل الأمر نفسه بالنسبة لأموال التأمينات المستحقة لأرباب المعاشات والمؤمن عليهم.

وبما أن الحكومة هى فى النهاية مدين ثقيل المديونية، ودائنها الأكبر هو التأمينات الاجتماعية، فإنه لابد من حصر أملاك الدولة من أراض للاستثمار الزراعى والعقاري، وشركات وموارد، لعرضها على الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى لتختار ما تراه ملائما ليتم نقل ملكيته إليها وفاء للديون الحكومية المستحقة لأرباب المعاشات والمؤمن عليهم. وهذا الأمر يستلزم تطويرا كبيرا فى إدارة الاستثمار بالهيئة القومية للتأمين الاجتماعي، حتى يمكنها إدارة واستثمار تلك الكتلة العملاقة من أموال التأمينات بصورة آمنة وعالية الربحية كما ينبغي. لكن أحد الأمور المهمة التى ستساعد الهيئة على استثمار أموال التأمينات على هذا النحو، هو الاستفادة من التجارب العالمية فى هذا الشأن.

وتعتبر أموال التأمينات عنصرا رئيسيا فى شراء سندات وأذون الخزانة فى كل الدول المتقدمة والنامية، حيث إن الدولة تقدم عائدا مرتفعا على هذا الاستثمار المالي. كما أن المقترض فى هذه الحالة وهو الدولة، يتمتع بأعلى درجات الضمان والأمان. وهذا يعنى توفير ميزتى العائد المرتفع وضمان الاستثمار فى آن.

كما أن الاستثمارات الحقيقية فى قطاع العقارات لتوفير الشقق للمؤمن عليهم ولعائلاتهم، يمكن أن يجعل أموال التأمينات آلية رئيسية لحل معضلة توفير السكن فى مصر بأسعار معتدلة، مع استثمار آمن وعالى الربحية لأموال التأمينات، حيث إن الأرباح الحقيقية فى هذا القطاع بالغة الارتفاع. وإن كان من الضرورى الإشارة إلى أن دخول أموال التأمينات لهذا القطاع بكثافة لابد أن يسبقه إصلاح قانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار، حتى لا تستغل شركات الحديد والأسمنت والسيراميك ومواد البناء عموما، هذا الدخول الكبير لأموال التأمينات إلى هذا القطاع وتقوم برفع أسعارها بصورة استغلالية لا علاقة لها بالتكلفة كما يحدث فى الوقت الراهن وسط صمت حكومى يصل لحد التواطؤ مع تلك الشركات الاحتكارية الاستغلالية.

وضمن تسوية مديونية الحكومة للهيئة القومية للتأمين الاجتماعي، يمكن أن تئول شركات عامة إلى الهيئة، وبالتالى سيكون عليها تكوين هيئة عالية الكفاءة والنزاهة لإدارة هذه الاستثمارات.

ونظرا لأن أموال التأمينات تتمتع بكل أوجه الحماية العامة، فإن رقابة أجهزة الدولة وعلى رأسها الجهاز المركزى للمحاسبات للتصرفات فى هذه الأموال، ورقابة العاملين المؤمن عليهم ونقاباتهم، ورقابة أرباب المعاشات واتحاداتهم، ورقابة المجالس الشعبية المنتخبة والأحزاب السياسية والجمعيات وأجهزة الإعلام، ستشكل معا آليات قوية للرقابة فى دولة ديمقراطية تتيح آليات حقيقية للرقابة ولمنع ومكافحة الفساد، ولضمان حسن استثمار أموال التأمينات لمصلحة أرباب المعاشات والمؤمن عليهم.



No comments:

Post a Comment