صدر خلال الشهرين الأخيرين العديد من القرارات الإقتصادية استهدفت تقليص
الطلب علي الدولار بما يعادل 25% الذى تناقصت احتياطياته بشدة نتيجة تراجع السياحة
والإستثمار الأجنبي المباشر والصادرات وتحويلات المصريين فى الخارج. كما تستهدف حماية
الصناعة المحلية بزيادة الضرائب على السلع التى لها مثيل من المنتج المحلى، وتقليص
عجز الموازنة بزيادة حصيلة الضرائب الجمركية. وقد صدرت تلك القرارت عن أربع جهات: البنك
المركزى ووزارة التجارة والصناعة ورئاسة الجمهورية ومصلحة الجمارك نتناولها فيما يلى:
أولاً: قرارات البنك المركزى: أصدر البنك المركزي المصري، الإثنين 21 يناير
قرارا يتضمن ضرورة الحصول على تأمين نقدي بنسبة 100 % ويعني هذا أن المستوردين الذين
يقومون باستيراد منتجات تجارية استهلاكية تامة الصنع سيخضعون لقرارات المركزي الجديدة.
ويتم تحصيل50% فقط على عمليات الاستيراد التي تتم لحساب الشركات التجارية أو الجهات
الحكومية. واستثنى البنك المركزي "عمليات استيراد كل من الأدوية والأمصال والمواد
الكيماوية الخاصة بها وألبان الأطفال فقط من التأمين النقدي. وطبقت القرارات الجديدة
اعتبارا من أول يناير، كما قرر فى 26 يناير 2016، إستمرار سريان التعليمات الخاصة بالحد
الأقصى للإيداع النقدى بالعملات الأجنبية للأفراد والأشخاص الطبيعيين والأشخاص الإعتباريين
لمستىوردى السلع غىر الأساسية كما هو 50 ألف دولار شهريًا و10 آلاف دولار يوميًا. وقرر
زيادة الحد الأقصى للإيداع النقدى الدولارى، ليصبح 250 ألف دولار شهريًا أو ما يعادله
بالعملات الأجنبية، وبدون حد أقصى للإيداع اليومى للأشخاص الاعتباريين لتغطية العمليات
الإستيرادية، للسلع الأساسية التى تشمل السلع الغذائية الأساسية والتموينية والآلات
ومعدات الإنتاج وقطع الغيار، والسلع الوسيطة ومسلتزمات الإنتاج والخامات، والأدوية
والأمصال والكيماويات الخاصة بها،
ثانيا: القيود الإستيرادية ( وزير التجارة والصناعة): أقر وزير التجارة
والصناعة المهندس طارق قابيل، فى 4 يناير2016 قائمة بـ50 مجموعة سلعية "مرفق
1" يمنع استيرادها إلا بعد تسجيل اسم المصنع الذى ينتج هذه السلع والمنتجات بسجل
بهيئة الرقابة على الصادرات والواردات، (مرفق القائمة الكاملة بها)، ويتم القيد فى
هذا السجل أو الشطب منه بقرار من الوزير المختص، ويتطلب القيد به تقديم الوثائق والمستندات
التالية: "صورة من التراخيص الصادرة للمصنع، شهادة بالكيان القانونى له، الأصناف
التى ينتجها، العلامة التجارية الخاصة بالمنتج، العلامات التجارية التى يتم إنتاجها
بموجب تراخيص من الجهة المالكة لها، وشهادة موثقة من الاتحاد الدولى للإعتماد بتطبيق
المصنع نظامًا للرقابة على الجودة ، وإقرار من المصنع بقبول التفتيش من فريق فنى تابع
للدولة المستوردة للتأكد من إستيفاء معايير البيئة وكفاءة العمل". كما تقررمنع
الإستيراد من تجار وأن يقتصر فقط على مصانع مسجلة على أن يتم تداول المستندات بين بنكى
المستورد والمصدر دون أن تمسها يد المستورد منعا للتلاعب بالفواتير. وتدرس الحكومة
حاليًا كيفية حماية سلع" مثل الحديد والسكر" غير قادرة على منافسة حجم كبير
من الواردات حتى بعد تطبيق هذه الإجراءات. بحيث تكون الإجراءات وفقًا لقوانين منظمة
التجارة العالمية، فرغم فرض الوزارة رسوم وقائية مؤقته على واردات حديد التسليح بنسبة
قدرها 8% ، وفرض نسبة قدرها 20% من القيمة (Cif) على الواردات من السكر الأبيض منذ أبريل من
العام الماضى إلا أنها لم تحد من الواردات الكبيرة من السلعتين.
ثالثا: قرار رئيس الجمهورية بقانون رقم (25) لسنة 2016صدر بزيادة الرسوم
الجمركية على واردات مجموعة من السلع تصل إلى 600 سلعة دخلت حيز التنفيذ، على عدد من
السلع التي لها مثيل محلى أو تلك التي تعد سلعاً غير ضرورية، وقد شملت الزيادات 25
مجموعة سلعية. وبلغت نسبة الزيادة من 30% الى 40% ومن 10% إلى 20%. ويقدر الخبراء الحصيلة
المتوقعة من هذه الزيادات خلال هذا العام مابين مليار إلى مليار ونصف جنيه. (مرفق2)
رابعا: توسع مصلحة الجمارك فى فرض زيادات على قيم السلع، وإهدارالفواتيرالتى
يقدمها المستوردين، بهدف زيادة حصيلة الضرائب الجمركية وحماية الصناعة المحلية .
ويعترض العديد من رجال الأعمال والإقتصاد والسياسة على هذه السياسات والخطط
التقشفية التى تستهدف تقليص الطلب علي الدولار وحماية الصناعة المحلية بزيادة الضرائب
على السلع التى لها مثيل من المنتج المحلى، وتقليص عجز الموازنة بزيادة حصيلة الضرائب
الجمركية. والتى صدرت هذه القرارات لتحقيق جزء منها وتنوى الحكومة استكمالها بما تضمنه
برنامجها التى ستتقدم به إلى مجلس النواب ويتضمن تقليص مخصصات الدعم بنسة 25%، وزيادة
ضريبة المبيعات بنسبة 10% وتحويلها إلى ضريبة للقيمة المضافة يإخضاعها حلقة تجار التجزئة
للخاضعين لها. ويتوقع المعترضون على هذه السياسيات أنه لن ينتج عنها سوى موجات متلاحقة
من إرتفاع فى الأسعار و ارتباك واختناق وأزمات فى الأسواق، وزيادة نوعية فى التهريب
والفساد الإدارى. وكذلك ستؤدى إلى إرتفاع البطالة الناتجة عن تعطل العاملين فى قطاعى
الإستيراد والإتجار فى السلع المستوردة التى قدر أعدادهم اتحاد الغرف التجارية بأكثر
من 850 ألف مستورد وتاجرمسجلين وأعداد ضخمة من العمال لن يجدوا أمامهم فى ظل تدهور
بيئة الإستثمار سوى الإتجاه نحو قطاعات الإقتصاد العشوائى غير الرسمى الذى يمتلك قدرة
كبيرة على إستيعاب عمالة جديدة، كما أن لديه مرونة قادرة على إستيعاب تجار التجزئة
الهاربين من تعقيدات تطبيق قانون ضريبة القيمة المضافة عليهم، وكافة القيود الإدارية
والتسلطات الحكومية.
يستند المعترضون فى توقعاتهم على نتائج تجاربنا السابقة التى تبنت تلك
الأهداف وطبقت مثل هذه الإجراءات إبان وزارات فؤاد محى الدين وكمال حسن على وعلى لطفى
فى ثمانينيات القرن الماضى. وكذلك إبان وزارة الدكتور عاطف عبيد 1989- 2002. ولم تتمكن
البلاد من الخروج من هذه الأوضاع الكارثية سوى بتطبيق السياسات والبرامج التنموية والنقدية
والمالية للمجموعة الإقتصادية فى وزارة الدكتورأحمد نظيف "رشيد محمد رشيد ويوسف
بطرس غالى ومحمود محى الدين وأحمد درويش، وهانى سرى الدين لسوق المال وزياد بهاء الدين
لهيئة الإستثمار". لقد تبنت سيسات تعويم سعر الدولار وتطوير الجهاز الإدارى للدولة
"الجمارك والضرائب والبنوك وبرامج تطبيق معايير الجودة الشاملة فى التعليم والصحة
..." وتحسين نوعى فى بيئة الإستثماروبيئة تكنولوجيا المعلومات والتوسع فى برامج
التنمية الرأسية فى الإنتاج الزراعى. والتوسع فى تحقيق اقتصاد السوق وغيرها من السياسات
والبرامج التى مكنت مصر" طبقا لبيانات الأمم المتحدة" من تحقيق معدل نمو
وصل إلى 7,8 %، وأعلى معدل جذب للإستثمارالأجنبى فى افريقيا واحتياطى نقد اجنبى وصل
إلى 36 مليار دولار، واستقرارسعر صرف العملة والقضاء على السوق السوداء مع تعويم سعر
الدولار على مدار نحو 8 سنوات. وقد أفسد نتائجها تهيئة المجتمع القصرية للتوريث وتدنى
مستوى العدالة فى توزيع الدخل القومى والفساد الذى استشرى بسبب إنعدام الرقابة والمساءلة
والمشاركة الشعبية.
فى تقديرى أنه لابد من التخلى عن هذه السياسات الإنكماشية القائمة على
المفاجاءات والأوامر والنواهى والتى ستؤدى إلى تدميرصناعتنا الوطنية بحمايتها من المنافسة
، كما ستؤدى إلى غلق باب الإستثمار المحلى والعربى والأجنبى، والتى لم تعد متبعة فى
العالم. ولا مفرمن تبنى سياسات التنمية الشاملة القائمة على إقتصاد السوق والمساءلة
والرقابة والمشاركة الشعبية والتى تبنتها مالاتقل عن 70 دولة صاعدة نهضت خلال العقود
الثلاثه الماضية.
No comments:
Post a Comment