أسامة غريب :
قرأت هذا الكتاب عندما صدر منذ ثلاث سنوات فأعجبنى أيما إعجاب، وعدت إليه منذ أيام فلم يفتر حماسى له، بل ازداد إلى درجة وجدت معها من الواجب أن أكتب لأعرّف المزيد من القراء به، وأن أوجه تحية إلى صاحبه المبدع حمدى عبد الرحيم الكاتب الصحفى، الذى يروى فى رائعته «فيصل.. تحرير» حكايته مع الميكروباص وعمله فى الديسك الصحفى لسنوات.
أدهشنى تصنيف الكاتب فى الفصل الأول لأنواع سائقى الميكروباص كما قام برصدهم من خلال العِشرة الطويلة معهم كراكب محترف، وقد رآهم ينقسمون إلى ثمانية أنواع كالتالى :
1- الثوار: وهؤلاء لهم سمات خاصة، شرسون جدا مع الركاب، يحرص الواحد منهم حتى لو كان نظيفا على وساخة جزء من جسده (الأظافر غالبا) أو جزء من ملابسه (الياقة غالبا) وهذا الحرص على الوساخة يحقق لهم ما يمكن تسميته بالرعب المبدئى. 2- المتطرفون: هم على يسار الثوار، لا ترضيهم أبدا ليونة بعض السائقين فى التعامل مع الركاب، وهم يعتقدون أن الراكب الطيب هو الراكب الميت، وعلامة التطرف هى قيادته بسرعة جنونية، لكنه يتعقل إذا تصدى له الركاب. وتعقل المتطرف ليس جبنا، لكنه شأن أصحاب الرسالات لن يهدر وقته فى التشاجر مع الركاب. 3- الدجاج: تسمعهم فى الموقف يقولون «فلان الفرخة جاء».. وقد أطلق عليه أصحابه لقب «فرخة» لأنه مثل الفراخ يجلب «الخراء» بقدميه. والمقصود هو الركاب الأشداء ورجال المرور الشرفاء، والدجاجى قانونا هو مسجل خطر، يحن دائما إلى العودة إلى السجن، حيث يجد راحته. ولكى تواجه الدجاجى اذهب معه إلى حافة الهاوية، لحظتها يدرك خطورتك وينكسر شره. 4- السُّنيّة: صورة كربونية من أسامة بن لادن، اللحية المسترسلة والجلباب الأبيض النظيف، إن شاء الله التى يرددونها دائما حتى لو كان الفعل ماضيا.. يسألك «إن شاء الله ركبت»؟ يحرص السنية على التعامل الودود مع الركاب ورفاق الطريق ورجال المرور. حرص السنية على السلام ينسفه سبب من ثلاثة. الأول أن يطلب راكب تغيير الشريط، خصوصا إذا كان شريط أدعية لشيخ يدعو هكذا «إذا أكلك الدود وصرخت يا معبود فلا مجيب ولا مغيث ذق يا خسيس، يا من سكرت يوم الخميس وما تصدقت بالنفيس». السبب الثانى أن يصيح راكب: باقى الخمسة جنيه والنبى يا اسطى. تتزامن صرخة السنى مع توقفه المباغت.. أتقول والنبى؟ أتحلف بغير الله؟ هذا شرك شرك شرك، يظل يرددها حتى تتمنى لو أنه يخرس. السبب الثالث أن تنتهز سافرة توقف السيارة وتأخذ مكانها بين الركاب. 5- المعاش: وصف يطلق على السائق الذى خرج إلى المعاش المبكر بعد قيام الحكومة ببيع المصنع أو الشركة التى كان يعمل بها. كل الفئات تعطف على المعاشيين من باب ارحموا عزيز قوم ذل، ثم إن المعاشى لا يمثل أدنى تهديد لباقى الفئات، بل إنه يتنازل عن الدور لو قال له ثائر أو دجاجى أو متطرف «عفوا يا عمنا اترك لى هذه الطلعة.. (الحتة) مزنوقة فى آخر فيصل، سأفك زنقتها وأعود سريعا». 6- الروش: يلبس الروش مثل نجم الكرة ميدو وهو مثله يطيل شعره ويتعمد ترك لحيته مع الحرص على تحديد اللحية، الملابس كلها طبعا من الوكالة ولكن مختارة بعناية. الروش يعيش حياته وكأنه يؤدى دورا فى أغنية من أغانى الفيديو كليب، كل أفعاله سابقة التجهيز ترزح تحت وطأة التقليد الأعمى. يحرص الروش غالبا على الانفراد بغرفة القيادة، وإذا حاول أحدهم فتح بابها تأفف الروش مرددا كلمة واحدة «النفَس» والحقيقة غير ذلك، فالروش يظن نفسه حسين فهمى، منتظرا صعود حتة فرنساوى ستقع فى غرامه. من العلامات المميزة للروش شعره الغارق فى مثبتات الشعر الرخيصة التى لها رائحة حلقة السمك. الروش يتعامل مع الركاب بوقاحة ولا يلين إلا فى وجود الحتة، فساعتها يصبح مهذبا بصورة تدعو للقرف، لأنه يتخنث فى سبيل إثبات رقته. تفوت الروش أشياء، غيابها يفضح زيف روشنته مثل نظافة الأسنان والأظافر وياقة القميص. 7- المستغنى: ليس سائقا ولا يحب القيادة، بل هو ابن صاحب السيارة، لا يقودها إلا نادرا تحت ضغط شديد من الحاج الوالد الذى يريد معرفة حقيقة مكاسب السيارة، بعيدا عن ذمة سائقها الواسعة. المستغنى يحرص على إفهام الركاب حقيقة وضعه وله فى ذلك طرق، فهو يكثر من التحدث فى المحمول مع النطق بجملة يفهم منها الركاب أن الهاتف (خط وليس كارت) ويحرص على وضع النظارات الشمسية فوق الرأس، وكأنه فى رحلة خلوية ويأخذ الفلوس من الركاب بحركة مستهينة ويقذقها فى علبة المناديل الفارغة، وكأن الأمر لا يعنيه. يفقد المستغنى السيطرة على أعصابه إذا أصر غشيم من الركاب على مناداته بالأسطى. 8- المصرى: خلقه الله لقيادة الميكروباصات، يحب مهنته ويراها سيدة المهن، بنظرة واحدة يعرف ماء الزبون، مشغول بالاستراتيجى من الأمور (لقمة عيش العيال) علاقته بالزبون يحددها الزبون نفسه، فالسائق المصرى ذوق مع الذوق، وقليل الأدب مع قليل الأدب، يصبر على بطء الشيوخ فى الصعود والهبوط، يتجنب المطبات حرصا على الحوامل، إذا غادر السيارة لجلب علبة كشرى يسند بها طوله يستأذن الركاب بلطف، هل يريد أحدكم علبة وصاية؟ يشتبك مع الركاب فى مناقشات وقد يقول كلاما يوزن بميزان الذهب.
كانت هذه مقتطفات من رصد حمدى عبد الرحيم لأنواع السائقين.. أما تصنيفه لأنواع الركاب فلا يقل إدهاشا وله حديث آخر.
No comments:
Post a Comment