والسلفية ليست فرقة من الناس تسكن بقاعا من جزيرة
العرب و تحيا على نحو اجتماعي معين.إننا نفهم هذا الفهم ونرفض الانتماء إليه.
إن السلفية نزعة عقلية وعاطفية ترتبط بخير القرون،
وتعمق ولاءها لكتاب الله وسنة رسوله، وتحشد جهود المسلمين المادية والأدبية لإعلاء
كلمة الله دون نظر إلى عرق أو لون.وفهمها بإسلام وعملها له يرتفعان إلى مستوى عمومه
وخلوده وتجاوبه مع الفطرة وقيامه على العقل.
وقد رأيت أناسا يفهمون السلفية على أنها فقه أحمد
بن حنبل رضي الله عنه، وهذا خطأ. . ففقه أحمد أحد الخطوط الفكرية في الثقافة الإسلامية
التي تسع أئمة الأمصار وغيرهم مهما كثروا.
ورأيت أناسا يفهمون السلفية على أنها مدرسة النص،
وهذا خطأ فإن مدرسة الرأي كمدرسة الأثر في أخذها من الإسلام واعتمادها عليه.
وقد كان من هؤلاء من تسموا أخيرا بأهل الحديث، وسيطرت
عليهم أفكار قاصرة في فهم الأخبار المروية، وأحدثوا في الحرم فتنة منكورة.
والحديث النبوي ليس حكرا على طائفة بعينها من المسلمين،
بل إنه مصدر رئيسي للفقه المذهبي كله.
ورأيت ناسا تغلب عليهم البداوة، يكرهون المكتشفات
العلمية الحديثة ولا يحسنون الانتفاع بها في دعم الرسالة الإسلامية وحماية تعاليمها،
ويرفضون الحديث في التلفزيون مثلا لأن ظهور الصورة على الشاشة حرام، ويتناولون المقررات
الفلكية والجغرافية بالهزء والإنكار، وهؤلاء في الحقيقة لا سلف ولا خلف، وأدمغتهم تحتاج
إلى تشكيل جديد.
ورأيت ناسا يتبعون الأعنت الأعنت، والأغلظ الأغلظ،
من كل رأي قيل، فما يفتون الناس إلا بما يشق عليهم وينغص معايشهم، ويؤخر مسيرة المؤمنين
في الدنيا، ويأوي بهم إلى كهوفها المظلمة. وهؤلاء أيضا لا سلف ولا خلف. إنهم أناس في
انتسابهم إلى علوم الدين نظر، وغلبهم معتل الضمير والتفكير.
ورأيت ناسا يتبعون إلغاء الرقيق بعيون كئيبة! قلت
لهم: ألا تعرفون أن هؤلاء العبيد هم أحرار أولاد أحرارا اختطفتهم عصابات النخاسة من
أقطارهم، وباعتهم كفرانا وعدوانا ليكونوا لكم خدما، وهم في الحقيقة سادة؟!
ما السلفية التي تقر هذا البلاء؟ وما هؤلاء العلماء
الذين ضاقوا بسياسة الملك فيصل في تحريرهم، وإلغاء بيعهم وشرائهم؟ إن الرجل الشهيد
أولى بالله منهم.
ورأيت أناسا يقولون: إن آية ( وقاتلوا في سبيل الله
الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا) مرحلية.
فإذا أمكنتنا اليد! لم نبق على أحد من الكافرين.
قلت ما هذه السلفية. هذا فكر قطاع طرق لا أصحاب دعوة
شريفة حصيفة، وأولئك لا يؤمنون على تدريس الإسلام لجماعة من التلامذة بل أن يقدموا
في المحافل الدولية والمجامع الدولية.
إن العالم الإسلامي الآن متخلف حضاريا، ومضطرب أخلاقيا
واجتماعيا وسياسيا، وبينه وبين الأمم القائدة أمد بعيد.
هذه الأمم تعلم ظاهرا من الحياة الدنيا، وتفتقر
إلى جيل من البشر يذكرها بالله ولقائه.
والإسلام وحده هو المالك لهذه الحقائق الهادية. ولكي
تؤدي أمته رسالتها يجب عليها أمران:
الأول: أن تطوي مسافة التخلف الحضاري، والاضطراب الإنساني
الذي يشينها ولا يزينها.
والثاني: أن تتقدم بشرف وكياسة لتقول للناس كلهم:
(يأيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا
إليكم نورا مبينا. (
ولكي ننجح في عملنا يجب أن نقتفي آثار سلفنا.
والسلفية هنا عنوان كبير لحقيقة كبيرة أساسها العقل
الحر المكتشف الدءوب.
إن هذا العقل عندما رغب عن البحث في الذات العليا
وحقيقة الصفات، كان يحترم نفسه عندما توقف. والعلم المعاصر نجح أيما نجاح عندما بحث
في المادة التي بين يديه ولم يبحث في ربها ـ سبحانه ـ فأنى له البحث فيما لا يملك ولا
يقدر؟!
من أجل ذلك نرفض النظرات الكلامية، ونقبل المذاهب
الفقهية، ونضع الشبكة القانونية التي يتطلبها انتقال الحياة من طور إلى طور.
من أجل ذلك نهش للتقدم العلمي ونطوعه لنصرة مبادئنا
ومثلنا.
من أجل ذلك نرى ضرورة إزاحة البله وذوي العقد النفسية
من قيادة الفكر الديني، فإنهم غشاوات على البصائر، وحجب على الضمائر.
إننا محتاجون إلى فقهاء يستطيعون النظر في سياسة المال
والحكم، ويرفضون أن يسبقهم الإلحاد إلى اجتذاب الشعوب الفقيرة في هذه الميادين الخطيرة.
ومحتاجون إلى فقهاء يهيمنون على شئون التربية والإعلام برحابة الإسلام وبشاشته لا بالتزمت
والتكلف.
إن الفقه الإسلامي كما قدمه سلفنا حضارة ومعجزة، أما
الفقه الإسلامي كما يقدمه البعض الآن فهو يميت ولا يحيي.
No comments:
Post a Comment