Friday, July 13, 2012

الطريق الى السادس من اكتوبر- اكاديمية ناصر العسكرية ..دراسة تحليلية

يظن البعض ان هزيمة 67 هزيمة عسكرية على المقياس الاستراتيجى فهى نكسة سياسية باكثر منها عسكرية وللاسف فلم تكن قواتنا المسلحة بالاستعداد التام وكانت الحسابات التى وضعها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر ليست على قدر الحدث .
وعلى الرغم من معرفتنا بموعد الهجوم الاسرائيلى الا ان القيادة العسكرية المصرية لم تتخذ اى تقديرات او استعدادات لمواجهة الامر حتى على اعتباره شائعة  لااكثر .
ولا اتجاوز ان قلت ان ماحدث لقواتنا المسلحة فى يونيو 67 كان كارثة عسكرية كبرى يتطلب النهوض منها لاقوى جيوش العالم واحدثها مالايقل عن عشرة الى خمسة عشر عام فما بالك بدولة نامية لاتملك اقتصاد يتيح لها الانفاق على التسليح العسكرى كاى دولة اخرى .
وامثلة على هذا نضع المانيا فى الحرب العالمية الاولى كقوة عظمى وفاعلة انتهت الحرب العالمية الاولى فى عام 1918 كانت المانيا بكل طاقاتها ومواردها شبه مدمرة واستلزم النهوض بها للدخول فى حرب اخرى لاسترداد ما اعتبره الالمان حقوق مغتصبة لهم الى عام 1939 اى المدة الزمنية التى قطعتها طور النمو واعادة البناء الاقتصادى والعسكرى لدولة كالمانيا خاضت حرب عظمى الى ان استعادت قوتها مرة اخرى استلزم مالايقل عن 21 سنة .
اظن الصورة العامة اتضحت لكم الان مافعلته المانيا مرت به دول اخرى كان متوسط اعادة النمو والبناء لجيوشها ولاستراتيجيتها المقاتلة مالا يقل فى المتوسط الى 20 سنة
نترك ذه الحسبة ونعود مرة اخرى الى الوضع العسكرى والسياسى عقب نكسة يونيو 1967 .

 بدأت القوات الاسرائيلية عملها بضربة جوية مركزة على المطارات وعلى وحدات القيادة وكتائب المشاه والمدرعات فى سيناء مهدت بذلك فى الجو ماتم احرازه وتنفيذه فى البر حيث تقدمت الدبابات والمدرعات الاسرائيلية
وخلفها قوات المشاه حتى وصلت للضفة الشرقية لقناة السويس وباختصار شديد لم تستكفى اسرائيل فلم يكن قتالها لنا فقط كسب معركة او ارض بل القضاء التام على قوة مصر واعادتها الى ماقبل عهد الثورة هذا هو الهدف الذى وضعته اسرائيل لحرب حزيران 67 القضاء على قوة مصر وليس انتصار فى حرب او معركة او كسب ارض كسيناء .وفورهذا شرعت فى بناء التحصينات والاعدادات التى تائمن بها رد الفعل من الجانب المصرى وقطع خط الرجعة لسيناء 

خطة الدفاع الاسرائيلية عن سيناء
فى اغسطس من نفس العام وضع جنرال بارليف خطته العسكرية التى تبنتها وزارة الدفاع الاسرائيلية والخطة كانت على مراحل منها ماتم على ارض الواقع ومنها ما كان معدا لينفذ فى منتصف السبعينات ومنعته حرب كيبور على التنفيذ وهذا من وثائق موشيه ديان عن الحرب .
الخطة فى مضمونها وباختصار :
1.   كاس النار : ماهو كاس النار وماالمعروف به والى ماذا يشير فى الحرب العالمية الثانية ومع التقدم العسكرى الكاسح للقوات الالمانية والغارات المكثفة على السواحل والمدن البريطانية اعدت المانيا لاكتساح انجتلرا برا عبر عملية ابرار بحرى لقوات المشاه  وهذا ماادركته المخابرات البريطانية وتاكدت من حدوثه ومن عزم الجيش النازى على تنفيذه ومن هنا اقترح احد ظباط المخابرات فكرة مجنونة وخطيرة وهو انشاء خطوط  من انابيب مادة النابالم الحارق على طول الساحل البريطانى تجعل من عبور الجيش النازى جحيما على الارض ولكن وزارة تشرشل رفضت المشروع لضخامة نفقاته ومن هنا راءت المخابرات البريطانية ان تجعل الامر واقعا دون تنفيذه بمجرد اشاعة تسربها لجواسيس وعملاء المخابرات النازية بحيث ينقلوها الى برلين على ان الانجليز اقاموا انابيب النابالم تلك بالفعل وفور وصول تلك المعلومات الغت القيادة الالمانية الهجوم البرى المحتمل ....
تلك الفكرة تحققت على ارض الواقع ولكن تحت صفحة مياه القنال حيث تم مد انابيب نابالم بفتحات ومضخات معينة على طول خط المواجهة مما يجعل عبور فار من فئران المنزل الاليفة الى الضفة الشرقية اشبه بعبور دجاجة مشوية على الفحم ....باختصار ابادة موجة العبور الاولى تماما .
2.   وعلى طول الجبهة جعل العدو ساتر ترابى ضخم امام القوات المصرية بحميهم من استطلاعات الامن الحربى ومن اى هجوم على مواقعها وتحصيناتها خلف الساتر الترابى .
3.   خط بارليف وهو مجموعة من النقاط الحصينة والخنادق والمتاريس الذى يجعل من العبور حلما مستحيل واكرر حتى الحلم مستحيل وقد شبهوه بخط ماجينو الفرنسى ولكن خط ماجينو رغم تحصيناته الضخمة استطاع الالمان الالتفاف من خلفه فى جانب ان خط بارليف يزيد عن ماجينو 3 اضعاف .
4.   استراتيجية الردع الجوى للدفاعات والتحصينات والاعدادات المصرية على الضفة الغربية وهى طلعات جوية من طيران العدو لشن هجمات اجهاض واستنزاف لقدراتنا القتالية كضرب قواعد الصواريخ واستهداف تحركات المدرعات والدبابات وتجمعات المشاه وقد راح بسبب تلك التكنيك الاف الضحايا والشهداء على رائسهم الفريق عبدالمنعم رياض رحمه الله .
5.   حرب المعلومات والحصول على ادق واهم التفاصيل والاسرار والمعلومات والاخبار عن الجبهة الداخلية لمصر العسكرية والمدنية اسرار التسليح الامداد مواقع الصواريخ مواقع المطارات اسعار السلع معلومات اقتصادية كل شىء عن العدو بتجنيد الخونة والجواسيس وزرع ازرع الاخطبوط المعلوماتية فى الجبهة المصرية .
الخمس نقاط هى اهم مااعتمد عليه سياسة العدو واستراتيجيته ونكرر ان الهدف منه لم يكن الاحتفاظ بارض كما يظن الكثير بل الهدف منه هو القضاء على قوة مصر عسكريا واقتصاديا وسياسيا بتهيج واثارة الشارع المصرى على قيادته السياسية والعسكرية وعدم استقرار الجبهة الداخلية لمصر حتى لاتكون جاهزة للقتال .

فى مراسلات تمت بين موشى ديان والقيادة الامريكية بالنص ( امام مصر مرحلة عصيبة تنتظرها فالامر لم يعد مسائلة حرب الامر اصبح مسائلة بقاء اما نحن او هم ولقد اخترنا البقاء واخترنا لهم الدمار اذا مافكروا فى دخول معركة غير متكافئة معنا فان الساعات التى ستفصلنا عن القاهرة ستتحول الى دقائق ولن يكون هناك مايسمى بالدولة المصرية وعلى الشعب المصرى حينها ان يتقبل تواجدنا بعد اكثر من ثلاث الاف عام مر على طردنا من مصر)
جولدا مائير لكسينجر ( ليس امامنا حلول وسط اذا فكر المصريين فى عبور القناة فان لقائنا سيكون فى القاهرة وعلى السادات حينها ان يعد لنا قصره ويغادره)
هنرى كسينجر للرئيس الامريكى ( الاسرائيليين اقوياء وعلى مصر ان تقبل بالامر الواقع (
  ***************
اقل من 6 سنوات لم تعبر مصر فقط القناة بل عبرت جسر المستحيل وعبرت كل القدرات البشرية والعسكرية المعروفة فى وقتها اكثر من 16000 كتاب ومقال فى تلك المدة تم حرقهم فى محرقة العبور بعد عام 73 ليدرك هولاء ممن كتب انه لم يكن يتحدث عن مصر وان الاسرائليين هم من كانوا فى حلم واستيقظوا على كابوس مزعج
من 1973 وحتى عامنا هذا فى 2008 حوالى 35 عام ولم يتوقف بعد الحديث عن تلك الحرب فى العالم اجمع اغلب الكليات العسكرية فى الخارج تدرس خطة العبور على نحو تتضائل امامه جميع الخطط التى وضعها نابليون وهتلر وايزنهاور ومونتجومرى وغيرهم جميع اساتذة التكنيك الحربى والعلوم العسكرية والاستراتيجية اجمعوا ان ماحدث فى هذا اليوم وفى تلك الساعات الستة الاولى للمعركة هو اعجاز عسكرى باى مقياس علمى فى وقتها وفى الوقت الحاضر .
********
كل تلك التحديات والاعجازات والعقبات التى وضعها القادة الاسرائيليين لم تنجح فى ان تياس القادة المصريين وان تثبط من عزيمتهم اهم مااعتمد عليه العدو هو جمع المعلومات واهم مااهتمت به قيادتنا هو امدادهم بتلك المعلومات ولكن بالصورة نريدها نحن وبالصورة التى توقعوها ورسمها لهم غرورهم .
وهذه قاعدة ثابتة لنا لاتغتر ابدا بضعف عدوك وباستكانته ولاتغتر بانتصارك ايا ماكانت توقعاتك واحتياطاتك للموقف ولاتهون من شاءن عدوك ولاتستهن به .
اولا حرب المعلومات
خاضت مصر فى تلك السنوات الستة مالم تخوضه دولة قط بقدر عنف الهجمات الاستخباراتية وعدد الجواسيس والشبكات التى كانت تعمل على جبهة مصر الداخلية كانت كعدد قوات الاحتياط لدى العدو لقد اعتمد اعتماد اساسى على المعلومة اعتماد النبات على الماء وبقدر ماكنا نقاتل على الجبهة بقدر ماقاتلنا اضعاف ماقاتلناه فى حرب المخابرات والمعلومات التى خضناها واعتمد حربنا على محورين اساسيين : الاول هو منع العدو من معرفة اى شىء عنا عسكريا واقتصاديا باسقاط عيونه وشل فاعلية جواسيسه .
المحور الثانى هو امداد العدو عبر عيونه الموثوق فيهم لديه بمانريده من معلومات واخبار هى جزء من خطة الخداع الاستراتيجى التى  تدرس فى اعرق الكليات العسكرية والتى لاينال الطالب درجته الا بدراستها فى اى كلية عسكرية اوربية وامريكية
.
ثانيا : اعداد الجبهة الداخلية للحرب
سياسيا واقتصاديا كانت تترسم صورة اللاحرب واللاسلم وكان من اهم ماقامت به القيادة هو تعميق هذه الصورة وتضخيمها وفى نفس الوقت تعبئة واعداد المدنيين لهذا والغريب المدهش ان الحكومة المصرية كانت خلف الكثير من المظاهرات التى حركتها باوامر تطالب بالحسم وبالحرب .
ولقد تعمقت الصورة لدى الشعب المصرى اكثر حتى انهم فقدوا الرجاء من حكومتهم ومن قدرة جيشها على خوض الحرب .
ولم يكن هذا الياس من طبيعة المصرى بالعكس .

ثالثا : الاعداد العسكرى للحرب .
القوات المسلحة فى 67 تدمرت تدمير شبه كاملا فقدنا فيها سلاحنا الجوى تماما وكانت السنوات القليلة تلك للعبور من هذا هو اعداد مقاتل مصرى لايعرف الياس ولاالخمول ولاالاستكانة للواقع ابدا وبناء منظومة متكاملة من الاسلحة والافراد والتدريب التام وفى نفس الوقت تحت مظلة من السرية .
واعتبرت المراجع العسكرية والتحليلات التى خاضت فى الامر ماحدث للجيش المصرى بانه اعجاز بان تبنى تلك القوة نفسيا ومعنويا وفنيا وقتاليا فى تلك المدة البسيطة علما باننى بداءت حديثى عن المدة الزمنية فى المتوسط التى خاضتها معظم الجيوش الكبرى للعبور من الهزيمة للنصر ومن الخروج من القاع الى السطح .
وبعيدا عن الخوض فى تفاصيل المعركة الا الساعات الست الاولى من تلك المعركة قلبت مسار ومجرى التاريخ العسكرى للمنطقة باكمله فى ست سنوات تم الاعداد والتخطيط وفى ست ساعات تم التنفيذ .
********
مابعد العبور
فى السابع من اكتوبر اتصلت رئيسة الوزراء الاسرائيلية بالبيت الابيض قائلة جملة واحدة :اسرائيل تسقط لقد هدم المصريين المعبد فوق رؤسنا نحن بحاجة للمدد
.
اكتوبر 2008 – اكاديمية ناصر العسكرية
الساعة 10 –جزء من  محاضرة فى الخداع الاستراتيجى

No comments: