Wednesday, August 1, 2012

إنتصار أكتوبر.. التاريخ الزائف والشرعية الزائفة - هيثم صلاح

30-07-2012 
 "حضر نائب سيلاسفو كبير المراقبين الدوليين لمقابلتي في القدس و أخبرني بأنه تلقى برقية من القاهرة تقول إن رد المصريين على شروطنا الثلاثة لقبول قرار وقف إطلاق النيران بأنهم موافقون .. موافقون .. موافقون ..و سألته إن كان المصريون قد كرروها ثلاث مرات .. قال بل أربعة "
 موشي دايان- وزير الدفاع الإسرائيلي أثناء حرب أكتوبر

منذ هذه اللحظة- من الناحية الواقعية منذ 23/10 - أصبح الجيش الثالث رهينة في يد إسرائيل و يد كسينجر و أصبح مصيره مرتبطا بمدى مطالب إسرائيل و أمريكا و مدى إستجابة السادات لهذه المطالب "
 الفريق سعد الدين الشاذلي - رئيس هيئة أركان حرب القوات المسلحة المصرية أثناء حرب أكتوبر

هكذا وصف أهم شخصيتين في الحرب الفصل الأخير فيما صدروه لعقولنا طوال ما يقرب من أربعة عقود على أنه النصر العظيم الذي حطمنا من خلاله أنف إسرائيل و إستعدنا الأرض السليبة و ثأرنا للشهداء و الأسرى .
زيف وعي جيل كامل بتعليمه في طفولته العاشر من رمضان 1393 كان يوما تاريخيا إستطعنا فيه هزيمة إسرائيل و كان الفضل في هذا النصر خصوصا للضربة الجوية الأولى التي قادها قائد القوات الجوية العبقري حينها . لخصت الحرب في عبورنا القناة يوم السادس من أكتوبر و غلف هذا النجاح المحدود بغلاف الإنتصار الساحق دون الإلتفات للجزء الحقيقي من التاريخ الذي تلا هذا النجاح و الذي وضع النهاية الحقيقية للمأساة . ثم نصب الإنتصار الزائف المغلف صنما وسط الوعي الشعبي المغفل مشفوعا بالأقوال المتضاربة الكاذبة حول قصة الثغرة التي لم يستطيعوا إخفائها تماما و كان هذا ضروري للحفاظ على الصنم . تتلخص هذه القصة في أن الإسرائيليين إستطاعوا المرور عبر ثغرة في خطنا الدفاعي الذي أقمناه شرق قناة السويس عند منطقة الدفرسوار القريبة من البحيرات المرة بقوة محدودة ليلة 16 أكتوبر وصلت إلى 6 ألوية مدرعة و 3 ألوية مشاة مع يوم 22 أكتوبر و تحاصر الجيش الثالث تماما - و هو أحد جيشين بالمناسبة شاركوا في الحرب - و ينتج الوضع الكارثي الذي وصفه الفريق الشاذلي في العبارة السابق ذكرها . و قصة هذا الحصار تحتوي من التفاصيل المخزية ما هو كفيل بنسف فكرة إنتصارنا في هذه الحرب تماما بل كنا على وشك أن نهزم لولا أن الولايات المتحدة كانت ترغب في ترك ماء الوجه الكفيل بتمكين مصر من توقيع إتفاق سلام .  ترى ما الذي أدى إلى تطور الثغرة بهذا الشكل المرعب ؟ لأنه تم سحب الفرقتين الرابعة و الواحدة و العشرين المدرعتين الموكل لهم حماية مؤخرة القوات المصرية و التصدي لمثل هذا التسلل و دفعهما شرقا نحو المضائق بعيدا عن مظلة الدفاع الجوي و الجدير بالذكر أننا خسرنا ما يقرب من 250 دبابة في هذا الهجوم. و لماذا كنا مضطرين لتطوير الهجوم بهذا الشكل غير المنطقي ؟ لتخفيف الضغط عن شركائنا السوريين الذين ركز اليهود مجهودهم الحربي على جبهتهم منذ ثبتت جبهتنا بعد السيطرة على خط برليف بعمق 12 كيلو متر شرق قناة السويس . فلماذا إذن لم يوفق السوريون خطتهم منذ البداية حسب خطتنا ما دمنا شركاء في الحرب ؟ ذلك في الواقع لأننا خدعناهم و أرسلنا إليهم خطة مفادها التقدم إلى المضائق مباشرة بعد السيطرة على خطة برليف في حين ننوي التوقف نحن تحت مظلة صواريخ الدفاع الجوي . تلك هي قصة الفاجعة التي سموها نصرا و كان يجب علينا أن نقرأ التاريخ بدقة لندرك أن قيادة سياسية تبدأ حربا بعملية " نصب " على شريكها في هذه الحرب لا يمكن أن تنتصر فيها .

أصبح النصر الزائف مطية جديدة للعسكر للإستمرار في حكم مصر و مصدر لشرعيتهم الزائفة باعتبار أن أفضل من يحكم هو من قاتل و إنتصر في حرب أكتوبر !!. عين قائد القوات الجوية نائبا لرئيس الجمهورية و صار تولي المحافظات من قبل العسكريين بعد تقاعدهم عرفا مصريا خالصا و صار كل مؤهلات المحافظ أنه أحد هؤلاء " المنتصرين " . إستمرت كارثة الحكم العسكري لمصر تحت ظل صنم إنتصار أكتوبر و تجمدنا على المستوى الإقتصادي و العسكري و العلمي بينما إستمرت إسرائيل في التطور و بناء قوتها العسكرية و تهديد أمننا القومي . ذلك التهديد الذي لا يمنعه عنا إلى الآن سوى سياسة التبعية التامة لإسرائيل و أمريكا التي إتبعها نظام العسكر . و كلما صرخ أحد محذرا من إسرائيل التي أصبحت رابع قوة عسكرية و ثالث مصدر للسلاح في العالم , خرج عليه كهنة الصنم مهللين له و مهونين من رأيه و مؤكدين أن مصر صاحبة النصر هي الأقوى و أن إسرائيل تعيش حالة رعب كبيرة من تكرار هزيمتها على أيدينا القوية . حالة خداع كبرى فرضها الكهنة على الشعب المصري تعليما للصغار و إعلاما للكبار ركيزتها الأساسية ذكر النجاحات المحدودة بلا موضوعية و بلا ذكر للهزائم المؤثرة . مثلا تحدثوا دائما عن بطولات رجال الصاعقة الفردية في حرب الإستنزاف و لكن لم يعلمنا أحدا كيف كانت سماؤنا مفتوحة للإسرائيلين في بداية هذه الحرب و كيف كانت جبهتنا الداخلية غير مؤمنة إلى الحد الذي دفع المخابرات العامة إلى إخفاء ملفاتها السرية في أحد الحدائق - كما ذكر أمين هويدي في كتابه سنوات الفرص الضائعة- خوفا من تعرض المقر الرئيسي لهجوم كوماندوز إسرائيلي !!! . زيف التاريخ لمصلحة العسكر و تبعيتهم لأعدائنا و لشرعنة إتفاقية السلام بشروطها المهينة على إعتبار أنها سلام الأقوياء المنتصرين الذين يريدون بناء بلدهم و تنميتها , و لكن ضاعت الكرامة و الحقوق و لم تبن البلاد و توقف نموها لحساب نمو ثروات قادة النظام السابق العسكريين و السياسيين الفاسدين الذين كانوا الواجهة .


أغلق رجال القوات المسلحة الباب على أنفسهم بعد توقيع إتفاقية كامب ديفيد و تأهبوا لحصد غنائم السلام , و تفرغوا لبناء أنفسهم ماليا فشاهدنا مصانع الأدوات المنزلية تقام و المجمعات الإستهلاكية تفتتح و لا يعلم أحد أين تذهب مدخلات هذه المؤسسات . لم يبال أحد بالتحقيق في قضية الثغرة و حصار الجيش الثالث و محاسبة المسئولين عن هذه الكارثة كما فعل اليهود عندما شكلوا لجنة أجرانات للتحقيق في فشل القوات المسلحة الإسرائيلية في صد الهجوم المصري الأول . غرق الشعب المصري في وهم النصر الكبير و ترك المفسدين يأكلون خيراته وحدهم كمكافأة على النصر الزائف و لم يجرؤ أحد على التفتيش عن الحقيقة . و لقد ساء الوضع حتى وصل إلى حالة من التقديس الخارج عن سياق المنطق للمؤسسة العسكرية أهلها لإختطاف ثورة الخامس و العشرين من يناير لحسابها و التحكم في مصير الشعب المصري يصحب ذلك صمت العبيد . على الشعب المصري أن يعلم أنه لا أحد له فضل عليه بل على العكس لقد أساء له الجميع , و أن تاريخه واقعيا يخلو تماما من الإنتصارات و أن الخطوة الأولى على الطريق الصحيح هي الثورة و لقد صنعها بيديه و عليه أن يحافظ عليها . على الشعب المصري أن يحطم صنم التاريخ الزائف و يضع المؤسسة العسكرية في حجمها الطبيعي و يحاسب المخطئين و يصصح أوضاعها و يراقبها بدقة لأنه يملكها و سلاحها . لا يمكن أن تنجح الثورة إذا إستمر وعي الشعب مشوش بقصص غير حقيقية عن تاريخه لذا فإن الخطوة الأهم في إستكمال الثورة هي ... أن يدرك الناس الحقيقة !

المصدر: رصد

No comments: