رقد الإمام على بن أبى طالب، كرَّم الله وجهه،
وخصمه السياسى الخليفة معاوية بن أبى سفيان فى قبريهما منذ منتصف القرن السابع الميلادى،
لكن الصراع بين أتباعهما ما زال مستعراً حتى الآن، ويحصد كل يوم مئات الضحايا، فى حرب
بدأت نذرها مع الغزو الأمريكى للعراق فى 2003، الذى أيقظ وحش الطائفية النائم فى المنطقة
ووصلت ذروتها بعد ثورات الربيع العربى. وقد يجر هذا الصراع طرفيه الأساسيين، السعودية
وإيران، إلى حرب مباشرة، ومعهما ستزحف كل دول المنطقة، وأبرزها مصر، إلى ساحة حرب قد
تستمر 100 عام تأكل نيرانها الأخضر واليابس. وإذا كان الجنرالات هم من قادوا حروب العرب
السابقة، فإن الحرب المقبلة هى حرب «اللحى والعمائم»؛ فرجال الدين المتطرفون هم من
يجندون «المجاهدين» من الطائفتين فى العراق وسوريا وغيرهما لخوض المعركة الفاصلة بين
الحق والباطل. ويؤمن السُنة أنهم الطائفة «المنصورة» على «المسيح الدجال» وأتباعه من
الشيعة، ويؤمن الشيعة أنهم «حزب الله» الذى سينتصر على عدو الله «السفيانى» الذى ينحدر
من بنى أمية. وخلف العمائم واللحى تقف أجندات قوى إقليمية ودولية توظِّف الصراع لتحقيق
مصالحها وتكتب بدماء المسلمين الفصل الأخير فى وجود بعض دول المنطقة. فى التحقيق التالى
ترصد «الوطن» خبايا وسيناريوهات هذا الصراع المذهبى الخطير كما تراه وتخطط له أهم مراكز
الأبحاث ودوائر صنع القرار فى الغرب.
إذا أردت أن تقف على حجم المأساة الطائفية التى
تتوالى فصولها أمامنا، فطالع الأرقام التالية: بلغ عدد ضحايا الصراع الطائفى الحالى
فى سوريا فى 3 أعوام نحو 140 ألف قتيل، وهذا الرقم أكثر من 15 ضعف عدد الضحايا السوريين
فى كل حروبهم ضد إسرائيل فى الـ66 عاماً الماضية.
إيران لها «خلايا نائمة» تنتظر أوامر ضرب المنشآت
النفطية فى السعودية والأسطول الخامس بالبحرين
وبلغ عدد ضحايا الاشتباكات الطائفية فى العراق
عام 2013 وحده 7818 من المدنيين فقط، طبقاً لتقديرات الأمم المتحدة، و9500 طبقاً لتقديرات
عراقية، ما يعادل 3 أضعاف ضحايانا فى العدوان الثلاثى على مصر (3 آلاف شهيد) ونحو نصف
كل شهداء العرب على كل الجبهات (18300 قتيل) فى حرب أكتوبر عام 1973.
وبلغ ضحايا الحرب العراقية الإيرانية
(1980-1988)، التى تغذت على الدعاوى الطائفية بحياة أكثر من مليون مسلم، بينما بلغ
كل إجمالى ضحايا الصراع العربى - الإسرائيلى منذ عام 1920 وحتى عام 2009 أقل من
116 ألفاً، منهم 91 ألف عربى.
تتسع رقعة الصراع الطائفى كل يوم بعد أن انتقل
من العراق إلى سوريا وقبلهما البحرين ولبنان وبعدها اليمن؛ ففى العراق يخوض السُنة
العرب، مدعومين من جانب الرياض وحلفائها، حرب وجود لاستعادة السلطة التى فقدوها لمصلحة
الشيعة بدعم من الأمريكان فى عام 2003 لأول مرة فى تاريخ البلاد، والحصيلة مئات الآلاف
من الجانبين. وفى سوريا، يخوض العلويون الشيعة حرب حياة أو موت للاحتفاظ بحكم سوريا،
والمحصلة أكثر من 100 ألف قتيل وملايين اللاجئين ودمار هائل لكل مؤسسات الدولة. وفى
اليمن، يقف الحوثيون الشيعة بقواتهم على أبواب صنعاء.
وفى لبنان، تمكَّن الشيعة من بناء دولة داخل
الدولة، ما يعنى أن السنة فى سوريا والعراق يحاربون من أجل استعادة السلطة، وفى البحرين،
يحاولون الاحتفاظ بها ويخوضون حرباً أخرى على السلطة والثروة مع شيعة اليمن بعد أن
خسروا معركتهم فى لبنان فاكتفوا بتفجيرات هنا وهناك تستهدف مقرات «حزب الله» انتقاماً
لدعمه بشار الأسد فى سوريا.
ومع اتساع الصراع، بات من الممكن فهم وقراءة
المشهد السياسى فى المنطقة، إلى حد كبير، من زاوية التوتر السنى - الشيعى وحده. ووفقاً
للباحثة عوفرا بينجيو، الإسرائيلية، من مركز «موشيه ديان» للدراسات الشرق أوسطية والأفريقية:
لم تعترف المملكة العربية السعودية وبعض الدول السنية الأخرى بشرعية حكومة نورى المالكى
الشيعية فى العراق وتدعم الجماعات السنية المتطرفة ضدها. وبالمثل، تصطف السعودية وقطر
ضد نظام «بشار» الشيعى فى سوريا، وكلتاهما تشن حرباً بالوكالة ضد «الأسد». وتركيا التى
كانت حتى حرب عام 2003 حليفاً رئيسياً للعراق، انقلبت ضدها وباتت تدعم شخصيات وجماعات
سُنية معارضة لحكومة «المالكى».
من جانبها، شكّلت كل من إيران والعراق وسوريا
وحزب الله تحالفاً لم يكن من الممكن تصوره قبل 10 سنوات من الآن. وبالتالى، أصبحت الدول
العربية والإسلامية فى الشرق الأوسط مقسمة على أساس طائفى وليس وطنياً أو قومياً. وأوضح
مثال على ذلك أن العراق الذى كان يرى فى الدول العربية السنية عمقاً استراتيجياً فى
الماضى، بات يعتبر إيران الشيعية سنده الحقيقى، وينطبق نفس الشىء على سوريا، التى تمثل
إيران حليفها الرئيسى، لاعتبارات مذهبية، فى حربها ضد جيرانها السنة. وخلق الصراع الطائفى
تحالفات غريبة جداً؛ فتركيا وأكراد العراق، وهم من السنة، أصبحا متحالفين ضد الحكومة
الشيعية فى بغداد، وبالمثل، فإن دول الخليج تدعم أربيل (عاصمة إقليم كردستان فى العراق)
ضد بغداد.
ويصف الدكتور موردخاى كيدار، محلل الاستخبارات
الإسرائيلى السابق، هذا الصراع بأنه الأكثر دموية والأكثر استعصاء على الحل فى الشرق
الأوسط. ويضيف أن الحرب فى سوريا قضت على كل محاولات الصلح بين الطائفتين بعد أن اتخذت
الأحداث هناك منحنى طائفياً خطيراً؛ إذ يذبح الشيعة العلويون، بدعم من إيران وحزب الله،
مواطنيهم السنة، والحصيلة 200 ألف قتيل وملايين اللاجئين وبؤس لا حدود له.
يتابع «موردخاى»، فى تحليل له نُشر فى نوفمبر
2013، على موقع «جويش بريس»: عانى الشيعة الاضطهاد فى كل بلد إسلامى لا يحكمونه، وحتى
فى إسرائيل حين تشيَّعت عدة أسر سنية فى إحدى القرى العربية فى شمال إسرائيل، بعد
«النصر الإلهى» لحزب الله على إسرائيل عام 2006، جرت محاصرتهم معنويا، وطُرد أبناؤهم
من المدارس ورفضت متاجر القرية التعامل معهم. وقبل بضعة أشهر فى مصر، جرى ذبح حسن شحاتة،
زعيم الطائفة الشيعية الصغيرة، مع مجموعة من أتباعه، وهناك مساجد فى أوروبا جرى بناؤها
بأموال سعودية شرط ألا يُسمح بدخول الشيعة إليها. فى المقابل، فإن حلم الشيعة فى إيران
هو السيطرة على مكة المكرمة والمدينة المنورة، حتى يتمكنوا من رمى الوهابيين السنة
خارج هذه الأماكن المقدسة الإسلامية، واستعادة حكم الشيعة من أحفاد الإمام «علىّ» علَى
هذه الأراضى المباركة.
وترصد عوفرا بينجيو، الباحثة الإسرائيلية المتخصصة
فى تاريخ السنة والشيعة، 3 محطات رئيسية فى هذا الصراع الذى يعود للقرن السابع، أولاها:
تأسيس الجمهورية الإسلامية فى إيران عام 1979، وغزو الولايات المتحدة للعراق عام
2003 والانتفاضة الشعبية فى سوريا عام 2011. وقيام الجمهورية الإسلامية فى إيران ثم
اندلاع حربها مع العراق، فى الفترة من 1980 إلى 1988، قوّى نفوذ الشيعة فى العالم العربى،
وفى الوقت نفسه قلل من مركزية الصراع العربى - الإسرائيلى.
قبائل السنة المسلحة فى العراق
تضيف: عزز غزو الأمريكان للعراق فى عام
2003 نفوذ الشيعة؛ إذ تمكنوا، لأول مرة منذ مئات السنين، من الوصول إلى السلطة فى أراضٍ
عربية، ويمكن اعتبار هذه الخطوة ثانى أكبر انتصار للمذهب الشيعى منذ اعتماده مذهباً
رسمياً لإيران فى القرن الـ16. أما الانتفاضة فى سوريا فقد ساعدت فى دعم الكتلة الشيعية
المكونة من إيران والعراق ونظام بشار الأسد وحزب الله اللبنانى. وهذا التكتل استفز
المتطرفين السنة فى المنطقة بأكملها، ووضع المملكة العربية السعودية السنية فى مواجهة
إيران الشيعية، فبدأ كلاهما حرباً بالوكالة فى العراق وسوريا ولبنان.
ويتفق مع «بينجيو» الباحثان المرموقان حسين
أغا، وروبرت مالى، المسئول البارز فى مجلس الأمن القومى لإدارة «أوباما»، اللذان توصلا،
فى دراسة لهما عن الربيع العربى بعنوان «ليست ثورة»، إلى أن المعركة فى سوريا معركة
من أجل العراق؛ فالدول العربية السنية لم تقبل خسارة بغداد للشيعة والصفويين فى إيران،
وسيطرة السنة على سوريا ستنعش حظوظ السنة فى العراق. ولهذا جرى تشجيع السنة الجهاديين
وعناصر «القاعدة» فى العراق، وسينضم فى حرب استعادة العراق كل جيرانه. ويضيفان: «كل
دول المنطقة مهتمة بسوريا، لكنها مهووسة بالعراق».
يستند الصراع الحالى بين الطائفتين، خصوصاً
فى سوريا والعراق، إلى ترسانة لا تنفد من الفتاوى المتطرفة. ومن يتابع منتديات وفضائيات
الجماعات المتطرفة من الجانبين يدرك حجم استخدام الدين فى إشعال الحرب المقدسة لنصرة
الإسلام اعتماداً على كمٍّ هائل من الأحاديث الموضوعة أو الصحيحة التى يجرى تأويلها
لتدمير الطرف الآخر؛ فشيوخ السلفيين يحثون أتباعهم لنجدة إخوتهم فى الدين من أهل السنة
من «الروافض الصفويين، عملاء إيران وأمريكا والصهيونية»! ويؤمنون أن بلاد الشام هى
أرض «الطائفة المنصورة» ويستدلون بأحاديث نبوية تؤكد أن دمشق وريفها هى ميدان المعركة
الفاصلة بين معسكر الحق وجيوش الدجال قبل يوم القيامة، ومن بين هذه الأحاديث المتداولة
بين أوساط الجماعات المسلحة فى سوريا: «فسطاط المسلمين يوم الملحمة الكبرى بأرض يقال
لها الغوطة، فيها مدينة يقال لها دمشق من خير منازل المسلمين يومئذ»، ويؤمنون أن نبى
الله عيسى، أو المسيح، سيهبط عند المنارة البيضاء شرقى دمشق، ليصطف فيها مع جيش الحق
بقيادة «المهدى المنتظر» ليقتلا عدو الله «المسيح الدجال» فى آخر الزمان، ويعتقد كثير
من مقاتلى السنّة أن «المنارة البيضاء» هو المسجد الأموى فى المدينة.
ويرد مراجع الشيعة المتطرفون بدعوة أتباعهم
للدخول إلى سوريا والجهاد إلى جوار النظام السورى حتى لا تقع سوريا بأيدى أعداء آل
البيت، ويؤكدون لهم أنهم يحاربون فى سوريا انتصاراً للحق وأن «المهدى» الذى ينتظرونه
هناك سيقودهم للقضاء على عدو الله «السفيانى» الذى يقال إنه ينحدر من نسل بنى أمية،
ما يعنى أن ما يحدث الآن فى سوريا والعراق مقدمة لظهور «السفيانى اللعين العدو اللدود
المباشر للإمام (المهدى)» وحلقة جديدة من حرب على ومعاوية أو بنى هاشم وأمية.
يقول كلود مونيكيه، الرئيس التنفيذى لمركز الاستخبارات
والأمن الاستراتيجى الأوروبى، فى تقرير قدمه عن الحالة السورية للجنة الشئون الخارجية
للبرلمان الأوروبى فى 2013، إن الدين تحول لأداة تعبئة فعالة فى الصراع السورى. ويضع
«مونيكيه» توظيف الشيوخ فى هذا الصراع فى إطار أوسع بدأ 2006، الذى شهد بداية الحرب
الطائفية فى العراق وصعود نفوذ حزب الله بعد حربه مع إسرائيل فى نفس العام. وفى تلك
الفترة بدأ الدعاة السلفيون فى دول الخليج مشاركة حكوماتهم مخاوفها من توسع النفوذ
الإيرانى وبالتالى الشيعى، خصوصاً بعد أن كشف استطلاع أجراه مركز «زغبى» الأمريكى عام
2008 فى 6 دول عربية منها مصر، عن أن 3 زعماء شيعة: حسن نصرالله زعيم حزب الله، والرئيس
السورى بشار الأسد، والرئيس الإيرانى السابق محمود أحمدى نجاد، هم الأكثر شعبية وإثارة
للإعجاب بين قادة العالم فى هذه البلاد بسبب تحديهم لإسرائيل والولايات المتحدة.
دعاة سلفيون كبار آخرون مثل الكويتى نبيل العودى
والسعودى محمد العريفى، تبنوا وجهة النظر السلفية للصراع بشكل فعال جداً فى مواقع التواصل
الاجتماعى. ووفقاً لهما، فإن الانتفاضة لا تجسد النضال من أجل الديمقراطية ولكنها جهاد
نيابة عن المذهب السنى ضد النظام العلوى المشرك الذى يشن حرباً شاملة على الإسلام كجزء
من مؤامرة شيعية فى المنطقة تقودها، حسب قولهم.
ووفقاً لتقرير لمركز «مئير عميت» الإسرائيلى
للاستخبارات والمعلومات فى يناير 2014، عن تنامى ظاهرة المقاتلين الأجانب فى سوريا،
فإن عدد المقاتلين الأجانب الشيعيين فى سوريا يفوق عدد المقاتلين السنة. وهناك حالياً
نحو 7 آلاف مقاتل أجنبى سنى فى مواجهة نحو 8 آلاف مقاتل شيعى أجنبى يدعمون بشار وينتمى
معظمهم لحزب الله اللبنانى. ووفقاً للدراسة، فإن الغالبية العظمى من هؤلاء المقاتلين،
جاءت من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، خصوصاً ليبيا وتونس والمملكة العربية السعودية،
ومن العراق جاء أكثرهم خبرة. وهناك نحو ألف مقاتل جاءوا من أوروبا الغربية، خصوصاً
من بلجيكا وبريطانيا وفرنسا وهولندا وألمانيا، ومعظمهم من أبناء الجيل الثانى والجيل
الثالث لمهاجرين مسلمين، وهناك عدة مئات من الشيشان، وبضع عشرات فقط من الولايات المتحدة
وكندا، وعدد قليل جداً من الفلسطينيين من قطاع غزة والضفة الغربية.
فى كل صراع أو حرب فى المنطقة فتش عن إسرائيل
لم تخلق إسرائيل هذا الصراع ولكنها توظفه وتستفيد منه، فلم تعد فلسطين القضية المركزية
للعرب المشغولين بصراعاتهم البينية والداخلية. وفى ظل خوف السنة، نحو 85% من تعداد
المسلمين فى العالم، من الشيعة، تحولت تل أبيب إلى أهون الشرين ما أدى عملياً لتحالف
مصالح يجمعها مع دول الخليج، خصوصاً المملكة العربية السعودية فى مواجهة خطر إيران.
ويتابع المراقبون الإسرائيليون بمزيج من الدهشة
والسعادة تصاعد خطاب الكراهية بين الطائفتين على مواقع الإنترنت والقنوات الفضائية.
ويركز كثير من الكتابات الإسرائيلية على وصف بعض شيوخ السنة للشيعة بأنهم «أسوأ وأكثر
خطراً من اليهود، لأن اليهود عدو معروف فى حين أن الشيعة أعداء متخفون ويتسللون إلى
صفوف السنة فى محاولة لتشييعهم. وهناك من يعتبر الشيعة زنادقة ويجب إعلان الجهاد لدحرهم».
ويذهب كثير من المحللين الشرق أوسطيين إلى ضلوع
تل أبيب وواشنطن فى إشعال هذا الصراع، وحجة الله جودكى، المستشار الثقافى الإيرانى
السابق بالقاهرة، قال فى حوار على موقع «إيران ريفيو» فى مايو 2013، إن قادة إسرائيل
خططوا فى 2012 لإشعال حرب سنية - شيعية، والمتطرفون من المذهبين يوفرون وقوداً هائلاً
لحرب ستستمر لسنوات.
ويضيف: «الصراع بين الشيعة والسنة فى المنطقة
ناتج عن مؤامرة غربية وكخطة بديلة، فخطة الغرب لمواجهة التهديد الذى تمثله بعض دول
المنطقة لمصالحها تمثلت فى البداية فى التدخل العسكرى المباشر، وهو ما فعله جورج دبليو
بوش الرئيس الأمريكى السابق، حين هاجم العراق وأفغانستان، ولكن ثبت أن هذا التدخل مكلف
للغاية بالنسبة للولايات المتحدة. لذلك، سعوا للبحث عن حلول أخرى للحفاظ على مصالحهم،
وكان نتيجة هذا أنهم قرروا إشعال حرب طائفية.
ويتابع: خطة الغرب كانت مبنية على فرضية بسيطة
وهى أن أطراف الصراع لديها دوافع قوية للانخراط فى هذا الصراع، ولا تحتاج لمؤامرة خارجية
لإشعاله، فهناك كل العوامل التى يمكن أن تبقى على هذا الصراع مشتعلاً لسنوات كثيرة،
والسبب هو وجود القوى الرجعية على الجانبين التى تؤجج بالفعل الصراع بين الجانبين،
والفتاوى الدينية التى صدرت فى حرب سوريا مثال واضح، فقد أفتى أحد رجال الدين السنة
أنه يجوز للمجاهدين هناك اغتصاب النساء الشيعة، وأصدر بعض الشيعة المتشددين فتاوى مماثلة
بجواز اغتصاب نساء السنة.
كلام «جودكى» تدعمه عدة دراسات صادرة عن مراكز
أبحاث أمريكية أشارت إلى ضرورة استغلال الصراع الطائفى المكتوم فى المنطقة لتحقيق أغراضها.
وعلى سبيل المثال أشارت دراسة لمؤسسة «راند» فى عام 2005 إلى ضرورة أن تستغل الولايات
المتحدة الانقسامات بين الشيعة والسنة والعرب وغيرهم من الأعراق الأخرى، لتعزيز أهدافها
السياسية فى العالم الإسلامى.
أحد أهداف الدراسة التى أعدتها «راند» لمصلحة
سلاح الجو الأمريكى وحملت عنوان «العالم الإسلامى بعد 11/9» هو التعرف على الانقسامات
الرئيسية وخطوط الصدع الطائفية والعرقية على المستوى الإقليمى والوطنى للدول الإسلامية،
وكيف يمكن لهذه الانشقاقات أن تخلق التحديات والفرص بالنسبة للولايات المتحدة.
مصر أصبحت «موبوءة» بالأزمات الطائفية.. وحدودها
الشرقية والغربية مهددة من جماعات «التطرف»
وفيما يتعلق بالصراع السنى الشيعى أشارت الدراسة
إلى أن غالبية المسلمين فى العالم سنة، ولكن أقلية كبيرة، تقدر بنحو 15% من المسلمين
شيعة، وتوقعات الشيعة العراقيين فى الحصول على دور أكبر فى إدارة بلادهم يمثل فرصة
للولايات المتحدة أن تضع سياساتها وفق تطلعات الشيعة لمزيد من حرية التعبير الدينى
والسياسى، فى العراق وغيره.
ووفقاً للدراسة فإنها لاحظت فى عام 2005 فى
ظل وجود انفراج فى العلاقات بين طهران والرياض، أن شيعة السعودية بدأوا ينصرفون عن
إيران ليضعوا آمالهم على الولايات المتحدة. وأشارت الدراسة مرة أخرى إلى أن أى تحرك
نحو الديمقراطية فى العراق يمكن شيعتها من الحصول على نصيب أكبر فى السلطة سيدعم أشقاءهم
الشيعة فى السعودية، ويخلق فرصة أخرى لواشنطن أن تبنى سياساتها على طموح الشيعة فى
الحصول على مزيد من الحريات ونصيب فى إدارة شئون بلادهم.
وأكدت الدراسة أن الصراع فى العالم الإسلامى
هو فى جوهره حرب أفكار ونتيجتها ستحدد مستقبل هذه البلاد وتؤثر بشكل عميق على المصالح
الأمنية الحيوية الأمريكية.
كل المؤشرات تؤكد أن الولايات المتحدة بالفعل،
وعملاً بنصيحة «راند»، بنت سياساتها فى المنطقة على أساس طائفى، الأمر الذى أكده الكاتب
الأمريكى فريد زكريا فى تحليل له مؤخراً فى صحيفة واشنطن بوست قال فيه إن هناك عوامل
تشعل هذا الصراع منها قرار إدارة الرئيس جورج دبليو بوش بعد غزو العراق فى 2003، للإطاحة
بنظام صدام حسين وتفكيك جميع هياكل حزب البعث، تسليم الدولة العراقية للأحزاب الدينية
الشيعية، ما أطلق التوتر الطائفى فى المنطقة.
ويرى «زكريا» أن نورى المالكى، رئيس الحكومة
العراقية، شيعى متشدد فى آرائه الدينية ولديه دوافع انتقامية من السنة، وكان من الواضح
أيضاً أنه بعد أن عاش فى المنفى فى سوريا وإيران نحو عقدين من الزمن، قريب من هذه الأنظمة،
ودعم واشنطن له أدى لعواقب واضحة الآن، فقد شرع الشيعة فى قمع أهل السنة بمباركة أمريكية،
ففر إلى غير رجعة نحو 2 مليون عراقى، معظمهم من السنة والمسيحيين. والآن الجماعات السنية
التى لا تزال تتشبث بالأمل فى استعادة أوهام السلطة، شرعت فى قتال السلطة الشيعية ومع
مرور الوقت تصدرت الجماعات المتطرفة مشهد المقاومة السنية. وترتبط القبائل بصلات قرابة
إلى القبائل السنية فى سوريا، ما أدى لانتقال عدوى التطرف إليهم.
يذهب روبرت بير، عميل الاستخبارات الأمريكية
السابق ومؤلف كتاب «الشيطان الذى نعرفه»، إلى ما هو أبعد من استفادة تل أبيب من صراع
قائم ويؤكد أن بعض المحافظين الجدد فى واشنطن يرغبون فى إذكاء حروب بينية بين المسلمين
حتى يقتلون بعضهم بعضاً بأيديهم دون أن يتورط الغرب فى ذلك. وقال إن أحد سيناريوهات
هذا المخطط أن يجرى توريط حزب الله فى حرب أهلية وذلك بتسليح التكفيريين السنة لمهاجمة
حزب الله، وفكرتهم فى ذلك أن حزب الله إذا تورط فى حرب أهلية لن يكون قادراً على توجيه
صواريخه لضرب إسرائيل، ما ينهى قيادته لحركة المقاومة، وإيران لا تستطيع أن تمتنع عن
دعم الشيعة فى لبنان ما يفقدها مصداقيتها فى رفض الاستعمار.
وفضحت نصيحة قدمها المفكر الصهيونى الشهير دانيال
بايبس، للرئيس أوباما فيما يخص الصراع فى سوريا كل ما يمكن أن يحاول المتطرفون من الساسة
الأمريكان والإسرائيليين إخفاءه؛ ففى 11 أبريل الماضى 2013 كتب بايبس، مقالاً فحواه
أن الأطراف التى تتصارع فى سوريا هى قوى شريرة، وعلى الغرب ألا يسمح بانتصار فريق على
آخر، بل عليه أن يدعم الفريق الذى يضعُف حتى يتمكن من الصمود فى وجه الفريق الذى يَقوى.
ويضيف: «المنطق الذى دفعنى لتقديم هذا الاقتراح
هو أن قوى الشر حين تحارب بعضها بعضاً، تصبح أقل خطراً علينا، ما يجعلها تنشغل بأوضاعها
المحلية، ويمنع أياً منها من تحقيق انتصار يشكل خطراً أكبر علينا. يجب على القوى الغربية
أن تدفع الأعداء إلى طريق مسدود، وذلك بدعم أى طرف يخسر أثناء المعركة لجعل الصراع
بينهما يطول أكثر لينتهى بنهايتهما، عملاً بمقولة وزير خارجية أمريكا الأشهر هنرى كسينجر
الشهيرة: أتمنى أن يخسر الفريقان».
وأشار المؤرخ البارز المتخصص فى تاريخ المنطقة،
إلى وجود توقعات بصراع شيعى - سنى، يشتبك فيه مجاهدو «حماس» مع مقاتلى «حزب الله» والأفضل
ألا يفوز أى من الطرفين.
الولايات المتحدة لعبت دوراً كبيراً بكل تأكيد
فى إذكاء هذا الصراع بعد غزوهم العراق، وجاء على ظهر دباباتهم بعض أئمة الشيعة الذين
عاشوا فى المنفى، ودعم الأمريكان الإمام السيستانى. وأشار الدستور العراقى الذى وضعه
الأمريكى نوح فيلدمان فى 2004 إلى حقوق طائفية، ودعم الأمريكان حق الشيعة فى الحكم
باعتبار أنهم الأغلبية، فتحركت الفتنة فى كل المنطقة. ويؤكد أن إسرائيل تخطط لإشعال
حرب سنية - شيعية تستمر لمدة 100 عام قادمة لتعيش هى فى استقرار وهناء وتتفرغ لابتلاع
ما تبقى من أراضى فلسطين.
تقول جنيف عبده، الباحثة الأمريكية، إنها ترى
أن هناك دولاً متعددة تشعل الصراع السنى - الشيعى، لكن الولايات المتحدة ليس لها دور
نشط فى هذا الصراع، لأن إدارة أوباما قلقة من أن يقوّض هذا الصراع استقرار المنطقة
بشكل أكبر ويؤدى إلى إعادة رسم الحدود السياسية لبعض الدول العربية.
وترى «عبده» أن من يغذى هذا الصراع هى القوى
والدول الموجودة على الأرض سعياً للنفوذ السياسى، وبدافع من الخلافات المذهبية التاريخية
التى عادت مجدداً إلى السطح فى العراق وسوريا. وتضيف: «تسهم المملكة العربية السعودية
فى تأجيج الصراع بالتمييز ضد مواطنيها الشيعة، وتدخلها فى البحرين ضد الشيعة ودعمها
للمتمردين والسلفيين الذين أعلنوا الجهاد ضد الشيعة فى سوريا. وتسهم الحكومتان البحرينية
والعراقية فى الصراع بسياساتهما الطائفية. وبطبيعة الحال فإن الأسد وحزب الله وإيران
يسهمون بنصيب كبير بدعم العلويين».
وتعتقد «جنيف» أن هذا الصراع وثيق الصلة بعملية
زعزعة الاستقرار التى تجرى فى المنطقة. وتؤكد أن الطائفية التى تشهدها المنطقة ليست
سياسة محضة، كما يتوهم البعض، فالاعتبارات المذهبية قوية، وهو ما يتضح من دراسة الخطاب
الدينى، خصوصاً للجماعات السلفية التى تؤمن بأن الشيعة ليسوا مسلمين حقيقيين والصراعات
السياسية تعطيهم مبرراً لإدانة الشيعة ومنعهم من الاستيلاء على السلطة السياسية.
القرضاوى
تضيف أن «أخطر ما فى هذا الصراع أنه أصبح من
شبه المستحيل فصل ما هو دينى عما هو سياسى، وحتى لو أعلن رجل بحكم الشيخ يوسف القرضاوى
أو غيره من كبار رجال الدين فى السعودية أو إيران أن الطائفة الأخرى على هدى، وأنها
لا تقل إسلاماً وإيماناً، فإن الصراعات على الأرض لن تتوقف. الآن، وبعد 3 سنوات من
بدء انتفاضات الربيع العربى زادت الضغينة وسفك الدماء، أعتقد أن هذا الصراع سيظل مستعراً
لسنوات كثيرة قادمة».
ويسخر ناثان براون المفكر السياسى الأمريكى،
من الاعتقاد بوجود مخطط أمريكى - إسرائيلى لإشعال صراع سنى - شيعى، لإضعاف كل دول المنطقة.
ويصف هذا التصور بأنه أقرب إلى حكايات «ألف ليلة وليلة»، ويعتقد أن هناك سببين رئيسيين
وراء هذا الصراع، أولهما أن المملكة السعودية وإيران يتصرفان كأنظمة طائفية إلى حد
كبير، فضلاً عن وجود دوافع أخرى للخصومة بين الدولتين. وثانياً، وجود انقسام مذهبى
حقيقى بين السنة والشيعة على المستوى المحلى فى الكثير من بلدان المنطقة.
ويضيف «ستوك» أن أوباما فى الواقع يساعد المتطرفين
السنة والشيعة بدعمه للإخوان فى مصر وشمال أفريقيا وسوريا وسعيه فى نفس الوقت للتوصل
إلى سلام مع إيران على حساب مصالح حلفائه المعادين للإخوان فى الخليج.
ويرى أن ما يشعل هذا الصراع هو الكراهية المتوارثة
بين الطائفتين منذ 14 قرناً وليس هناك أى قوى أخرى تخلق هذا الصراع أو تجبرهم على الاستمرار
فيه. حتى لو دعمت قوى خارجية أحياناً طرفاً ضد آخر، فإن هذه القوى ليست فى وضع يمكنها
من السيطرة على الصراع وأطرافه، وبالتأكيد لا يمكنهم إنهاؤه إذا حاولوا ذلك.
ويعتقد «ستوك» أن الصراع بين السنة والشيعة
عامل أساسى فى تفكك المنطقة وانقسامها منذ أن ظهر الخلاف بين أتباع على ومعاوية والخوارج،
وما تبعه من مسلسل طويل للاضطهاد بين المعتزلة والحنابلة، والخلافات الأقل التى شكلت
المذاهب السُنية الأربعة.
هذه التوترات التاريخية، التى لم تهدأ أبداً،
دخلت الآن مرحلة جديدة مع دعم الأمريكان للإسلاميين السُنة، والتحالف الحالى بين مصر
والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات ومصالح إسرائيل مع هذا المعسكر، ضد إيران
التى يحاول أيضاً أوباما التودُّد إليها.
وعن العوامل الأخرى التى تغذى هذا الصراع، يقول
«ستوك» الذى يحمل شهادة الدكتوراه فى لغات وحضارات الشرق الأدنى من جامعة بنسلفانيا:
«ببساطة، الصعود المتزامن لنفوذ إيران وحزب الله من جانب الشيعة، وصعود (القاعدة) والجماعات
التابعة لها، وتصدّر تنظيم الإخوان المشهد بعد ثورات الربيع العربى، على الرغم من الانتكاسات
التى حدثت مؤخراً فى مصر وتونس، كل ذلك دمر النظام القديم الذى كان سائداً فى المنطقة
منذ السبعينات».
ويتابع: ميل إدارة أوباما إلى دعم الإسلاميين،
وقرارها تعليق مساعداتها لمصر عقاباً لها على الإطاحة بـ«مرسى»، فضلاً عن ضعفها فى
مواجهة موسكو فى سوريا، كل ذلك دفع القاهرة والرياض والإمارات العربية المتحدة، لتطوير
التوجه نحو روسيا، وقد يدفع هذه الدول لمحاولة الحصول على سلاح نووى لمواجهة إيران.
والواقع أن شبح امتلاك إيران للسلاح النووى، سبب رئيسى فى التوتر بين السنة والشيعة
اليوم. إذا حصلت إيران على أسلحة نووية، الأمر الذى يبدو لا مفر منه الآن، فمن المرجح
أن تندلع حرب نووية فى الشرق الأوسط فى وقت ما فى المستقبل، سواء نتيجة قرار، أو خطأ
ما، وإذا حدث ذلك، ستكون النتائج، بالتأكيد، كارثية، فسوف تمحو إسرائيل وفلسطين وإيران
من الوجود. وكلما زاد عدد البلدان التى تمتلك أسلحة نووية يزيد معها حجم الدمار فى
المنطقة. وسيلقى ملايين من البشر حتفهم، وتتحول رمال الصحراء إلى زجاج. ويجب علينا
أن نفعل كل شىء ممكن لمنع هذا من الحدوث.
ويرى ديفيد شينكر، الباحث الأمريكى بمعهد واشنطن
لسياسات الشرق الأدنى: «خلافاً لنظريات المؤامرة السائدة فى الشرق الأوسط، فإن واشنطن
فى تعداد المفقودين فى الأزمة السورية، وتلعب دوراً هامشياً فقط فى دعم حلفائها السنة
التقليديين ضد «إيران المفترسة». ودور إسرائيل هامشى جداً ويقتصر على التدخل بشكل دورى
فقط، لحماية مصالحها الاستراتيجية، وذلك بمنع انتقال الأسلحة المؤثرة من نظام بشار
إلى حزب الله فى لبنان.
ويرسم «شينكر» صورة سوداوية لما يمكن أن تشهده
المنطقة خلال الـ20 عاماً المقبلة، فيقول: «قد نرى محاولات لإعادة رسم الحدود السياسية
لبعض الدول العربية فى السنوات المقبلة. الأكراد، على سبيل المثال، قد لا يرون مصلحة
لهم فى البقاء كجزء من العراق أو سوريا. وإذا استمرت الحرب فى سوريا لفترة أطول، فإن
ملايين اللاجئين فى لبنان والأردن قد لا يعودون إلى منازلهم. وسيؤثر هذا بشكل عميق
على التركيبة السكانية والاقتصادية فى هذه الدول. وواشنطن، مثل معظم الدول الغربية،
ترى أن مصالحها فى استقرار حدود هذه الدول كما كانت، لكن إيران وحزب الله والأسد قد
تكون لديهم أفكار أخرى».
يلخص «نوح فيلدمان» الخبير القانونى الأمريكى،
الذى صاغ الدستور العراقى فى عام 2004، دوافع الصراع الدائر على النحو التالى: «السعودية
وإيران أكبر قوتين إقليميتين بعد إسرائيل فى الشرق الأوسط، وبينهما صراعات سياسية،
وتصادف أن إيران دولة شيعية، والسعودية دولة سنية. وكلتاهما تستخدم المذهب كأيديولوجيا
وليس مجرد دين. فإيران استخدمت حزب الله بشكل فعال كقاعدة شيعية فى لبنان، واستفادت
من عملية التحول الديمقراطى البطيئة والمرتبكة التى مكّنت الأغلبية الشيعية هناك من
الوصول إلى السلطة بعد قرون من احتكار السنة لها. فى المقابل دعمت السعودية حلفاءها
من الجماعات السنية فى سوريا وغيرها. وإسرائيل لن تستفيد من هذا التوتر إلا حين تتحول
إلى حرب ومفتوحة فى سوريا، كما هو حادث الآن مما يهدد أمنها».
ويشير الباحث فريدريك هرى، من معهد الولايات
المتحدة للسلام، إلى عومل أخرى تؤجج الصراع، منها رغبة بعض قادة الخليج فى المبالغة
فى تضخيم خطر دعم إيران لمواطنيهم الشيعة حتى ينزعوا الشرعية عن مطالبهم العادلة فى
الإصلاح السياسى، موضحاً أن إيران لها نفوذ واتصالات بالأقليات الشيعية داخل الدول
العربية، وعلى الأرجح لها خلايا نائمة تنتظر الأوامر لتوجيه ضربات للمنشآت النفطية
فى المنطقة الشرقية فى المملكة العربية السعودية أو الأسطول الخامس فى البحرين، ولكن
هذا النفوذ لا يصل إلى حد التدخل المباشر بقواتها الخاصة «كتائب القدس» على الأرض فى
العراق أو سوريا أو غيرهما.
التوتر الطائفى الذى نشهده هذه الأيام جديد
على مصر ولم يكن هكذا الحال منذ 50 أو 60 عاماً حين كانت مصر مفتوحة لمراجع الشيعة
الذين كانوا يؤمون أتباعهم فى الصلاة فى صحن الأزهر. والسيد موسى الصدر حضر إلى القاهرة
بعد حرب 1956 للصلاة فى أكبر مساجد بورسعيد دعماً لها، وأنشأ صندوقاً للتبرعات، ولم
يقل أحد وقتها إن هذا مال شيعى، بل إن جمال عبدالناصر استضاف عدداً من علماء الشيعة
وكان يدعم الإمام الخمينى بالمال فى كفاحه ضد شاه إيران، ووقتها قال الشاه عن الخمينى:
«الرجل الذى يعتبر نفسه رجل دين يتلقى دعماً من دولة سنية».
ويتابع: «ضعف شيوخ الأزهر الحاليين أحد أسباب
تفشى التوتر الطائفى.. فحين أباح شيخ الأزهر محمود شلتوت التعبّد على المذهب الشيعى
لم يكن ذلك إلا عن شعور بالقوة والثقة. فماذا يضير الإسلام أن يكون فيه سنة وشيعة وغيرهما
يتنافسان على تقديم وعرض أفضل ما فى الإسلام والقرآن بدلاً عن الاقتتال وتكفير بعضهم
بعضاً؟ الآن هناك عقول ضيقة وقيادة ضعيفة لمؤسسة الأزهر، فضلاً عن أن إيران تسعى لابتلاع
المنطقة، وتقابلها السعودية التى تريد تقديم نفسها كزعيمة للعالم السنى بدعم الجماعات
التكفيرية تحت غطاء السنة فى مواجهة الشيعة. وتجد مثلاً بعض شركات الاتصالات فى الرياض
تقدم خدمة لدعم المجاهدين فى سوريا، وكأنها حرب مقدسة وهى ليست إلا حرب نفوذ».
«بايبس» لـ«أوباما»: لا تحسم الصراع فى سوريا
وادعم الطرف الخاسر حتى تستمر «مشتعلة»
أن بداية اتساع هذا التوتر الطائفى وُلدت فى
عام 1982 مع الحرب العراقية - الإيرانية التى جرى الترويج لها على أنها حرب بين بطل
القادسية صدام حسين ضد الشيعة المجوس الكفرة، مع أنها كانت حرباً أمريكية بامتياز،
واستقر هذا المفهوم فى العقل العربى.
No comments:
Post a Comment