Wednesday, October 7, 2015

حرب اكتوبر .. القصة الحقيقية

 د. أمجد هيكل
بسم الله الرحمن الرحيم
حرب اكتوبر .. القصة الحقيقية
هذا البوست هو خلاصة قرائتي لكل ما كتب عن حرب أكتوبر ، وكل ما وصل الي من افلام وثائقية أو ابحاث .. من الكتب علي سبيل المثال كتاب سعد الشاذلي ، وكتاب المشير الجمصي ، وكتاب جمال حماد الموسوعي المعارك الحربية علي الجبهة المصرية ، وكتاب المشير ابو غزالة، وكتاب هيكل 1973 السياسة والسلاح، ومذكرات جولدا مئير ومذكرات بن اليعاز .. وغيرهم

واردت بكتابته توضيح الحقائق التى قد تختلف عن ما تربينا عليه من اغاني وتهليل .. الحقائق الصلبة التى لا يختلف عليها أحد ولا يجرؤ أحد علي انكارها

الخطة
------

1- الحرب ببساطة كانت فكرتها الاساسية هجوم متزامن من مصر وسوريا في وقت واحد علي اسرائيل لتحرير جزي صغير من سيناء وهو الشريط الموازي لقناة السويس ، ولتحرر سوريا هضبة الجولان كاملة

2- خط بارليف ببساطة كان خطاً محصناً لكن به قوات قليلة جدا ، ويحميه مانع قناة السويس والساتر الترابي العالي ، وبه مصاطب دبابات عملها انه اذا حدث هجوم تتقدم دبابات اسرائيلية من عمق سيناء وتقف علي هذه المصاطب المحمية جيدا وتضرب بمدافعها المهاجمين وتدمرهم .. لهذا كان يكاد يكون مستحيلا تدمير هذا الخط لانه يتطلب عبور القناة ونقل قوات وصعودها الساتر الترابي وتدمير الخط والتغلب علي الطيران الاسرائيلي وعلي الدبابات الاسرائيلية .. وهي امور مستحيلة

3- الخطة المصرية تتلخص في هجوم الجيشين الثاني والثالث بالعبور لقناة السويس وتدمير خط بارليف ومواجهة الدبابات الاسرائيلية بصواريخ ساجر السوفيتية والتى كانت مفاجأة المعركة ، يعبر الجيش الثاني الجزء الشمالي من بورسعيد حتي الدفرسوار ، ويعبر الجيش الثالث من الدفرسوار جنوبا حتي السويس .. وتقف صواريخ سام 2 و3 المضادة للطائرات بكثافة كبيرة خلف القناة (من ناحيتنا اي من الغرب) تحمي القوات التى تعبر وتتمركز ، فهذه الصواريخ مداها 12 او 15 كم ، لذلك فعلي قواتنا ان تعبر القناة ولا تتقدم اكثر من 15 كم ، والا ستصبح عرضة للطيران الاسرائيلي المتفوق تفوقا ساحقا (سيبك من دعاية الضربة الجوية)

4- الخطة السورية كل ما اعرفه عنها انها هجوم شامل بالدبابات بعدد كبير جدا لاستعادة الجولان (الجولان اصغر بكثير من سيناء)

الهجوم المصري السوري وبدء الحرب
-----------------------------------------

5- بدأت الحرب - كما نعرف ولذا ساختصر - في يوم 6 اكتوبر بالضربة الجوية المركزة ، وانزال بعض قوات الصاعقة داخل سيناء لتعطيل تقدم العدو ومنعه من احباط الهجوم ، ثم اعقب الضربة اطلاق المدفعية بكثافة اسطورية (حوالي 2000 مدفع لا تتوقف عن الضرب بطول القناة) هدف هذا الضرب منع القوات في خط بارليف من التعامل مع القوات العابرة .. يعني تغطية القوات العابرة .. ثم العبور بالقوارب المطاطية (بعد تعطيل النابالم المزروع في القناة بواسطة المهندسين المصريين) ثم فتح ثغرات في الساتر الترابي ، ومنها صعود بسلالم حبال والتعامل مع النقاط الحصينة في الخط ... والتعامل ايضا بواسطة المشاة وحدها مع الدبابات التى تقدمت لاحباط الهجوم والانتصار عليها .. ثم بعد ذلك نصب كباري ضخمة بعرض القناة لتعبر عليها المدرعات وتتدفق الى سيناء .. وبالطبع تعامل حائط الصواريخ المضادة للطائرات مع الهجوم الجوي المضاد واسقط عددا كبيرا من الطائرات الاسرائيلية (هذا الجزء هو نجاح ساحق ومعجزة عسكرية أو مجموعة معجزات عسكرية وهندسية ايضا بكافة المقاييس)

6- علي الجانب السوري هاجمت الدبابات السورية وتدفقت داخل الجولان ودمرت جزء كبير من القوات الاسرائيلية فيه ولكن ليس كلها

7- ركزت اسرائيل خلال يومي 6 و7 اكتوبر علي الجبهة السورية لانها ملاصقة لاسرائيل ودفعت بكل الاحتياط واغلب الطيران اليها فكان الدفاع الاسرائيلي ضد سوريا بالغ الشراسة ، ويوم 8 اكتوبر كانت الدفة في سوريا قد بدأت تتحرك نحو انتصار اسرائيلي ودفع القوات السورية للخلف والحاق خسائر رهيبة بها مع الاسف

8- يوم 8 اكتوبر ، بدأ الهجوم التعبوي الاسرائيلي في سيناء (أي الهجوم المضاد الرئيسي) بقوات ضخمة من الدبابات .. وقبلها كان وزير الدفاع الاسرائيلي قد اعلن ان الامر لا يعدو ان يكون مفاجأة ، وان علي المصريين ان ينتظروا الهجوم التعبوي المضاد الذي سيرميهم كلهم في قناة السويس ... هجم الاسرائيليون بالويتهم المدرعة وهم يتوقعون فرار المشاة المصريين امام هجومهم المدرع الكاسح ، فكانت المفاجأة ثبات المشاة المصريين (لم يكن دخول المدرعات المصرية قد اكتمل بعد) ثم مفاجأة اخري هي صواريخ ساجر السوفيتية المضادة للدبابات في ايدي المشاة المصريين ، فدمروا عددا ضخما من الدبابات يزيد علي 200 دبابة وقتل في هذا الهجوم قائد فرقة اسرائيلية وكان نصرا مؤزرا لمصر وصدمة رهيبة لاسرائيل التى قالت لأول مرة في حروبها مع العرب نحن لا نستطيع دفع المصريين للخلف

تطوير الهجوم
---------------

9- اكتمل النصر الاسرئيلي علي سوريا واستعادت الجولان كاملة ودمرت الجيش السوري كاملا في مأساة مؤلمة ، وبدأت في نصب مدفعيتها تجاه دمشق والتهديد بدخول عاصمة سوريا ... وبالطبع كانت الرسائل السورية لا تنقطع : أين تطوير هجومك حتي تخففي الضغط عنا؟ لماذا توقفتم هكذا؟

10 - استمر الصمت في الجبهة المصرية حتي يوم 13 اكتوبر ومصر محافظة علي مواقعها وفخورة بانتصارها الساحق (وقد توقفت معلوماتنا عند هذه المرحلة)

11- قرر السادات تطوير الهجوم بدون اي استعداد في قرار سياسي بحت ، وتطوير الهجوم معناه التقدم الى الامام والابتعاد عن مظلة الصواريخ المضادة للطائرات ... وهنا اعترض قائدا الجيشين بكل وسائل الاعتراض الممكنة وساندهما سعد الشاذلي رئيس الاركان ، وهنا تظهر افة من افات مصر ، وهي ان السياسة تتدخل وتفرض رأيها غير المتخصص علي الرأي الفني البحت لاعتبارات "أخري" .. وتحت التهديد والضغط والاوامر المباشرة اضطرت القوات المصرية لتنفيذ الامر وتطوير الهجوم يوم 14 اكتوبر

12 - كان الاسرائيليون في الفترة السابقة وبعد ان اكتمل انتصارهم علي سوريا قد حولوا ممجهودهم الحربي كاملا تقريبا الى الجبهة المصرية فتمركزت الفرق الاسرائيلية المدرعة في مواجهة القوات المصرية واتخذت اوضاعها القتالية ، وعوضت لهم امريكا خسائرهم بالجسر الجوي ، وردا علي صواريخ ساجر المصرية السوفيتية المضادة للدبابات اهدتهم امريكا لأول مرة صواريخ tow الرهيبة المضادة للدبابات والتى مازالت تستخدم حتي اليوم ، واتخذت كتائب هذه الصواريخ أيضا اوضاعها في مواجهة القوات المصرية

13 - بدأت الهجوم المصري (تطوير الهجوم) صباح يوم 14 اكتوبر باربعة فرق مدرعة بدون خطة محكمة ، فاستقبلتهم المدرعات الاسرائيلية والصواريخ المضادة للدبابات المتمركزة ، ومعها الطيران الاسرائيلي كاملا ، فكانت هزيمة مروعة للقوات المصرية ، وخلال يومي 14 و15 تم تدمير 250 دبابة مصرية مقابل 25 دبابة اسرائيلية ولقيت مصر هزيمتها الاولي في هذه الحرب ، وفشل بالطبع الهجوم وعاد من بقي ادراجه ، وسقط الفريق سعد مأمون قائد الجيش الثاني بازمة قلبية من حزنه علي ماحدث خاصة انه كان يعرف انه سيحدث .. فلم يتحمل تدمير قواته بهذا الشكل البشع بعد ان كانت في موقف ممتاز

ثغرة الدفرسوار والعبور الاسرائيلي المضاد
-----------------------------------------------

14 - كان الاسرائيليون قد اعدوا من قبل خطة وتدربوا عليها وهي في حالة عبور القوات المصرية يهجم الاسرائيليون في المكان الواقع بين الجيشين الثاني والثالث ويقومون بعبور مضاد لقناة السويس ثم تطويق الجيشين المصريين من الخلف من غرب القناة بعد احتلال مدن القناة الثلاثة ومحاصرته واجباره علي الاستسلام ... ومن سوء الطالع ان الكتائب المكلفة بحراسة هذه المنطقة علي الجانب المصري (منطقة الدفرسوار) قد تم سحبها للمشاركة في تطوير الهجوم ، ثم اهمل اصدار الامر بعودتها الى مكانها بعد فشل التطوير المشار اليه ، فصارت منطقة الدفرسوار خالية من القوات التى تحميها .. وقد الح شارون علي تنفيذ الخطة وكانت اسرائيل مترددة ، لكن بعد فشل تطوير الهجوم وسحب القوات التى تحرس الدفرسوار ، صار الامر سهلا عليهم ، وصدر القرار بتنفيذ الخطة

15 - تسربت اولا قوات صغيرة من الدبابات الخفيفة الاسرائيلية وعبرت القناة الى الغرب وتمركزت في الدفرسوار واختبأت بين الاشجار وتم الابلاغ بها لكن لم تصدق القيادة هذا البلاغ ، وحتي بعد ان أعلنت جولدا مائير أن القوات الاسرائيلية تقاتل الان شرق وغرب القناة ، ظن السادات انها مسألة دعاية لا اكثر

16 - ثم كان يوم 16 اكتوبر هجمت ثلاثة فرق مدعة اسرائيلية (وهو حجم ضخم جدا ) ودخلت بين الجيشين لتفتح الطريق للعبور المضادة ، وقع جزء من هذه القوات في كمين مصري في مكان به معدات يابانية ظن الاسرائيليون ان الكتابة عليها صينية فاسموا المكان المزرعة الصينية ، وتكبدت القوات الاسرائيلية خسائر بشرية فادحة في المزرعة الصينية لكن هذه الخسائر وهذه المعركة المصرية المنتصرة لم تمنع القوات الاسرائيلية من تنفيذ هدفها ونصب كوبري علي القناة والعبور بين الجيشين والاشتباك معهم بعنف ، فدخلت الفرق الثلاثة يوم 17 اكتوبر الى الاراضي المصرية غرب القناة في مفاجأة رهيبة وثقيلة قلبت موازين المعركة ، ولم يستطع الجيش المصري منعهم .. وصارت القوات الاسرائيلية علي بعد 100 كم فقط من القاهرة بجيش كبير .. بل وتمكنت من تدمير وحدات كثيرة من حائط الصواريخ المضادة للطائرات المصري ، فعادت السماء مفتوحة للطيران الاسرائيلي

17 - وقع الخلاف بين سعد الشاذلي والسادات مجددا حين اقترح الشاذلي سحب اربعة فرق مدرعة من سيناء الى غرب القناة للقضاء علي الثغرة ، وقال لن تسحب بندقية واحدة من سيناء ، والسبب المعلن هو خشية ان يظن الجنود المصريين اننا ننسحب فينفرط العقد ويجري الجميع كما حدث في 1967 ... لكني اعتقد (وهذا رأيي الشخصي من مجموع ما قرأت يحتمل الثواب والخطأ) أن السادات بسبب اتصالاته مع امريكا وقتها ، ورغبته في ان تخرج مصر من هذه المعركة منضمة للمعسكر الغربي بدلا من السوفييت ، واشتراط امريكا ان السلاح السوفيتي لا يهزم السلاح الامريكي في هذه الحرب ، اعتقد انه قبل سياسيا فكرة الثغرة وان يتجمد الموقف علي هذا الحال ثم يتم وقف اطلاق النار والتفاوض الذي يؤدي للسلام مع اسرائيل والانضمام لامريكا وهو ما حدث بالفعل بعد ذلك، اما تدمير القوات الاسرائيلية تدميرا كبيرا ربما يعرقل هذا الهدف السياسي ويعقد الموقف ... هذا هو رأيي الشخصي لا اكثر .. لكن ما حدث بعد ذلك علي الجبهة لم يكن ما توقعه السادات بل كان اسوأ بكثير

حصار الجيش الثالث حتي وقف اطلاق النار
------------------------------------------------

18 - اندفعت القوات الاسرائيلية شمالا وجنوبا علي خط القناة ، بعد ان صدت هجوما مصريا مضادا من القوات الباقية غرب القناة ، تريد احتلال مدن القناة والسيطرة علي القناة من الناحية الغربية وحصار الجيشين الثاني والثالث الموجودين في سيناء من الخلف ، مع وجود قوات اخري كبير في سيناء في الامام فيتم حصار الجيشين حصارا تاما يجبرهم علي الاستسلام المذل المهين

19 - فشلت القوات الشمالية بقيادة شارون في الوصول الى الاسماعيلية لوعورة الارض ولثبت ومقاومة قوات صغيرة باسلة من الصاعقة والمظلات واعاقت تقدمهم وافشلت خطتهم

20 - اما القوات الجنوبية فكانت اوفر حظا، فقد وصلت الى السويس وحاصرتها ، ثم حاولت دخولها فانتصرت عليها داخل المدينة المقاومة الشعبية الباسلة بقيادة الشيخ حافظ سلامة ودعم شرطة المدينة ، فارتدوا عنها واكتفوا بحصارها ... لكنهم بهذه لطريقة طوقوا الجيش الثالث (الجنوبي) المصري من الخلف فانقطعت خطوط امداداته وصار محاصرا داخل سيناء ، فاليهود امامه وفي نفس الوقت خلفه خلف القناة .. وتم تجويع الجيش الثالث ومنع المياة والطعام عنه وصار مهددا بمأساة انسانية اراد اليهود ان تنتهي باستسلامه كاملا بعد ان يبدأ في الموت عطشا!

21- هنا تدخلت السياسة لصالح مصر ، وصدر قرار مجلس الامن بوقف اطلاق النار ، ولم تحترمه اسرائيل ، وهدد السوفييت بالتدخل اذا لم يحترم وقف اطلاق النار وفي النهاية تم وقف اطلاق النار يوم 23 اكتوبر علي هذا الوضع .. وتمت مباحثات فض الاشتباك مع الفريق الجمصي (بعد عزل الفريق الشاذلي) والذي قال انه اجراها بدموعه ، وتمت في صلف اسرائيلي واضح وشروط قاسية بسبب انها تمت والجيش الثالث محاصر من اسرائيل ..حتي انه من المفارقات انه مع دخول الشتاء طلبت مصر ادخال بطاطين الى الجيش الثالث فرفضت اسرائيل ، كما قررت ادخال طعام ومياة بمقدار 1/3 احتياجات الجيش فقط ، أي ما يكفي ليظلوا بالكاد احياء

هذه هي القصة الحقيقة لنصر اكتوبر كاملة ... فيه الانتصار وفيه الانكسار .. اليهود يقولون انهم بهذا الشكل انتصروا في الحرب لانهم انتصروا علي سوريا وعلي مصر ايضا في النهاية ... نحن نتمسك اولا بالجزء الاول من الحرب ولهذا تقوم دعايتنا كلها علي العبور العظيم وكأن الحرب لم تكن سوى العبور والضرب الجوية رغم انها احداث اليوم الاول فقط .. لكن أنا اقول ان الامر يميل الى كفتنا رغم كل شئ:

فأولا : الحرب تقوم بنتائجها السياسية ، وقد انتهي الامر باستعادتنا لجزء من سيناء واعادة سيطرتنا علي قناة السويس ، فنحن من خرجنا رابحين من الحرب وليس اسرائيل ، نحن من اخدنا ارض منهم

ثانيا : من الناحية العسكرية البحتة ، الحرب تعادل وكادت تنتهي بانتصار اسرائيل

ثالثا : العبور وتحطيم خط بارليف وصد الهجوم الاسرائيلي والحاق خسائر ضخمة بهم كان معجزة في حد ذاته لانهم كانوا اقوي بمراحل قبل ذلك وتشهد بهذا نكسة 1967 .. هذه معجزة عسكرية .. وتمت بتضحيات وقتال وبطولات مصرية كثيرة .. صد الهجوم الاسرائيلي .. معركة امزرعة الصينية .. مقاومة مدينة السويس ومقاومة الصاعقة عند الاسماعيلية . حتي انتصار القوات الجوية في معركة فوق المنصورة رغم عدم التكافؤ .. كل هذا امور كانت جديدة في مواجهاتنا السابقة مع اسرائيل وكلها تستحق الفخر الوطني

في النهاية للقارئ الحكم علي نتائج المعركة .. وتحية وفخري الشديد بالجيش المصري وبطولاته في هذه الحرب العظيمة ، وارجو ان اكون قد أوفيت

د. أمجد هيكل
في 6 اكتوبر 2015


No comments: