عبد الناصر سلامة
أثار انتباهى خبر مهم، شدد فيه
الرئيس على ضرورة الإسراع باستكمال جميع الإجراءات الفنية والقانونية اللازمة
لدخول مشروع محطة الضبعة النووية حيز التنفيذ، وذلك خلال لقائه مع كل من رئيس
الوزراء، ووزير الكهرباء، ورئيس هيئة الشؤون المالية للقوات المسلحة، وحين ذلك تذكرت
ما قاله الرئيس مع بداية فترته الرئاسية من أن (مصر هاتبقى قد الدنيا)، وأن (الجن
سوف يحتار بشأنها)، ثم قبل عدة أيام، وخلال زيارته لمدينة شرم الشيخ تراجع تماماً،
وأكد أننا (سوف نجوع)، وأننا (مش لازم نأكل)، وأننا (يجب أن نتحمّل)، وفى هذا
الصدد أردت توضيح عدة أمور لعلنا نراجع أنفسنا، ونتنبه قبل فوات الأوان:
* كل دراسات الدنيا والآخرة أكدت،
منذ اليوم الأول، أن تفريعة قناة السويس الجديدة ليس لها أى داعٍ، وأنها بحسابات
العقل والمنطق، والورقة والقلم، لن تزيد من دخل القناة، وأن فلوس الناس سوف تذهب
هباءً، ثم بعد ذلك يتم تسديدها بفوائدها من عائد القناة الأساسى، الذى تدنى أصلاً
الآن، ومع ذلك كان الإصرار على التنفيذ، لأسباب قد تكون فى علم الغيب، وقد تكون
معروفة، إلا أن الحديث فيها الآن يعد ضربا من الجنون، والدخول فى متاهات، بل
وغيابات الجُب.
* كل دراسات الدنيا والآخرة أكدت أن
لا الزمان ولا المكان مناسبان فيما يتعلق بالعاصمة الإدارية المزمع إنشاؤها، فمن
حيث المكان، وبحكم التجارب الناجحة للآخرين فى هذا الشأن، يجب أن تبعد عن العاصمة
الحالية أكثر من مائتى كيلومتر على الأقل، ومن حيث الزمان، فالحالة الاقتصادية
المزرية لا تخفى على أحد، إلا أن الإصرار هو سيد الموقف، وقد حار واحتار الناس
فيما بينهم فى سبب ذلك الإصرار الغريب.
* كل دراسات الدنيا والآخرة أكدت أن
سد النهضة هو الأخطر على مصر فى عصرها الحديث، منذ إنشاء دولة إسرائيل على حدودنا
الشرقية، ومع ذلك وقّعنا اتفاقيات تمنح الدولة المعتدية حق إقامة السد، ودخلنا فى
مفاوضات ماراثونية سوفسطائية، لا تسمن ولا تغنى من جوع، ولم يخرج علينا أحد يوضح
خطة الدولة فى التعامل مع المرحلة المقبلة، خاصة بعد أن أصبح السد أمرا واقعا،
والعطش قادما لا محالة، فى إصرار غريب على تجاهل شعب بأكمله.
* كل دراسات الدنيا والآخرة لا تفهم
ضرورة ذلك البذخ فى الإنفاق، من خلال عدد غير مسبوق من السفارات والقنصليات
والملحقين بالخارج، ومستشارين من كل لون ونوع فى كل مواقع العمل الرسمية بالداخل،
وانتخابات برلمانية فى كل أنحاء الكرة الأرضية دون أى مبرر، وهدر فى المياه من
خلال أنظمة عقيمة للرى، وفى الطاقة من خلال أنظمة استهلاك غير مرشدة، وفى الوقت من
خلال أنظمة عمل عفى عليها الزمن، فى بلد يعيش نحو ٣٥٪ من مواطنيه تحت خط الفقر،
و٣٥٪ آخرون يعيشون بالكاد، نطالبهم على الدوام بالتقشف والتبرع، فى إصرار واضح
أيضا على مزيد من الفقر، ومزيد من الجوع.
* كل دراسات الدنيا والآخرة أكدت أن
الاهتمام بالشأن الداخلى هو الطريق القويم للتواصل المتوازن مع العالم الخارجى،
وهو أيضا الطريق الأبسط للحصول على الشرعية الخارجية، وأن النجاح فى الداخل يمثل
قوة حقيقية فى التعامل مع الخارج، إلا أن الإصرار على الأسفار الخارجية، التى بلغ
عددها نحو ٣٠ رحلة، خلال عام ونصف فقط، يمثل تحديا غريبا لإرادة ومصلحة الشعب.
* كل دراسات الدنيا والآخرة أكدت أن
المستشارين فى أى من المواقع هم العامل الأهم على الإطلاق لإنجاح أى مسؤول، أو أى
مشروع، وذلك لأن التفرد باتخاذ القرار هو الأخطر على الإطلاق، وأن نجاح أى دولة من
عدمه يعتمد بالدرجة الأولى على مجموعة المفكرين، كل فى مجال تخصصه، إلا أن ما يجرى
لدينا من تفرد فى اتخاذ القرار، على غرار مرحلة الستينيات، هو إصرار على الوصول
بِنَا إلى ما وصلت إليه تلك المرحلة من انتكاسات فى جميع المجالات.
* كل دراسات الدنيا والآخرة أكدت أن
وجود قدامى العسكريين، من شرطة وقوات مسلحة، على رأس الوظائف المدنية، قد حال دون
حدوث تطور حقيقى فى أى منظومة، سواء كانت تتعلق بالمرافق أو الخدمات، أو حتى
الإدارة بصفة عامة، وذلك على اعتبار أنهم لا يجيدون فى هذه المواقع من جهة، ومن
جهة أخرى فهم يحجبون الترقى عن الآخرين ممن تخصصوا فى هذه المجالات، وهو ما بدا فى
ظاهره نوعا من الإصرار على تجاهل حقوق الناس وأقدميتهم.
* كل دراسات الدنيا والآخرة أكدت أن
حل مشكلة الطاقة لدينا يكمن فى استغلال الشمس التى حبانا الله بها، وهو ما لم
يتمتع به الكثير من الأمم، باعتبارها الطاقة الأوفر، والأنقى، والأنسب لمجتمعنا،
إلا أن الإصرار على إنشاء مفاعل نووى فى هذا التوقيت هو أمر غريب يثير الكثير من
التساؤلات، خاصة أن كل دول العالم المتقدم أصبحت تنأى بنفسها عن هذه المفاعلات، بل
وتتخلص منها، باعتبارها الأكثر تكلفة، والأخطر على الصحة العامة، ناهيك عن مخاطرها
فى حال الأزمات، وإذا كنّا فى مجتمعنا لا نستطيع التعامل مع أزمات مثل الأمطار،
فما بالنا بأزمات المحطات النووية، وما تشيرنوبل وغيره ببعيد.
* كل دراسات الدنيا والآخرة بتقول إن
احنا فى حاجة غلط، أين نحن من كارثة التعليم بكل ما تحمل من تخلف، أين نحن من
كارثة المنظومة الصحية بكل ما تحمل من مآس، أين نحن من كارثة المرور التى أصبحت
تُلقى بظلالها على كل مناحى الحياة، أين نحن من كوارث العشوائيات، التشرد، أطفال
الشوارع، البطالة، الجريمة، الفقر، الرشوة، المحسوبية، الفساد، التردى الأخلاقى،
العنوسة، الإلحاد، الشذوذ، الغباء الشرطى، تردى البنية التحتية، الخدمات، المرافق
بصفة عامة.
بدا واضحا أننا أهملنا القضايا
الأساسية للمواطن لحساب سياسات غير مفهومة، وكأننا نعاند أنفسنا، ونعاند الناس،
ونعاند الزمن فى آن واحد، حتى وصلنا إلى حالة اللاأمل.
بصراحة.. مايصحش كده!
No comments:
Post a Comment