التقارير السرية للجهاز المركزي للمحاسبات عن البنوك في مصر 1
وائل عبد الفتاح
"سري" الكلمة واضحة علي غلاف التقرير.
أعلي الصفحة اسم: الجهاز المركزي للمحاسبات.
وفي القلب: التقرير السنوي عن نتائج الرقابة المالية ومتابعة وتقويم أداء
وحدات القطاع المصرفي (قطاع عام) عن السنة المنتهية في 30 يونيو 2005.
وهو اخر تقرير صادر عن البنوك الكبيرة في مصر.
تبدو السرية.. والمراقبة مثيرة.
لعبة عمرها من عمر تحول البنوك الكبيرة الي اندية للحظ.
تحولت البنوك الي مزارع تربية ديناصورات.
الديناصورات تحولت التي مافيا علي الطريقة المصرية.
هكذا تحول الفساد الصغير في عصر عبد الناصر (موظف يرتشي.يستغل نفوذه.. أو مسئول يفسد جهازا كبيرا و يديره علي هواه و مزاجه كما في واقعة صلاح نصر وجهاز المخابرات..) وهو فساد فردي يعتمد علي حركة مسئول تتضخم سلطاته أو تتسع صلاحياته فتتحول السلطة المطلقة الي مفسدة مطلقة.
مع بداية عصر السادات و قوانين التحول من مجتمع اشتراكي إلي مجتمع السوق المفتوحة والتغيير في القوانين.. واللعب في المراحل الانتقالية.
هنا ولد (الفساد الكبير).. فساد الشبكات.. بين شطار السوق والمسئولين.
مافيا تلعب بالقوانين و الثروات الناعمة.
وتحتمي بالنفوذ.
السياسة تحمي البيزنس.
والبيزنس يشتري السياسة ويبني الأسوار العالية حول امبراطوريات المال الحرام.. يرسم عليها ممنوع الاقتراب.. والرقابة .
هذا ما يحدث الآن.. حيث تضخمت دولة الفساد.. وتحولت المافيا إلي مجموعات سرية.. تكتسب قوتها من علاقة ما بالسلطة.. يدير كل منها أب روحي.. وهي شبكة من المستحيل اختراقها لانها تتخلص من الأعضاء الخائنين بالتصفية المعنوية.. ليس من حق عضو المافيا الخروج سالما طلبا للبطولة أو للشرف.. وهذا مايجعل عضو المافيا من أجل الحفاظ علي حياته وامنها يحافظ علي المافيا وقوتها واستمرارها.
هذه القصة تكشفها التقارير التي نبدأ نشرها تباعا لكي يعرف المصريون كيف نهبت مصر طوال 30 سنة.
نادي الحظ في البنك الأهلي
<33% من قروض البنك الأهلي يحتكرها 29 عميلا فقط .
< 2644 مليون جنيه قيمة مديونيات مجموعة شركات عميل واحد
.. وبعد اتفاق التسوية حصل صاحب المجموعة علي مرتب
24 مليون جنيه عن سنة ونصف مقابل إدارة مجموعته
1
«وهو نفس رأس المال في العام السابق عليه» .
كما وصلت ميزانية البنك إلي 160.116 مليار جنيه مقابل 131.701 مليار جنيه في العام السابق، بزيادة بلغت نحو 28.415 مليار جنيه بنسبة 21.6%. حقق البنك صافي ربح في السنة المالية 2004/2005، بلغ نحو 358 مليون جنيه، مقابل نحو 338 مليون جنيه في السنة المالية 2003/2004، بزيادة بلغت نحو 20 مليون جنيه بنسبة 5.9%.
2
الصدمة الأولي في تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات عن البنك الأهلي هي "نادي الحظ" الذي يسيطر علي القروض.
القروض هي ملعب النفوذ و الحظوظ.
والملاحظة الخطيرة التي رصدها التقرير أن نسبة 33.9% من محفظة القروض يحتكرها 29 عميلاً فقط.
والملاحظات التالية طبيعية حيث يرصد التقرير أن:
- "جانبًا كبيرًا من تسهيلات الفروع تتركز فقط في عدد محدود من العملاء..."
- انتهاء فترة سريان التسهيلات الائتمانية الممنوحة لبعض العملاء دون قيامهم بالسداد.
- السماح لبعض العملاء باستخدام التسهيلات الائتمانية قبل استيفاء شروط وضوابط الموافقات الائتمانية والقواعد المنظمة لمنح الائتمان.
- تجاوز مديونيات بعض العملاء حدود التسهيلات الائتمانية الممنوحة لهم وعدم الوفاء بالتزاماتهم قبل البنك.
3
الصدمة التالية أكبر قليلاً.
يرصد التقرير مخالفة للمادة «71» من القانون رقم 88 لسنة 2003 بإصدار قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد.
المخالفة هي: تجاوز توظيفات البنك لدي خمسة عملاء نسبة 30% من القاعدة الرأسمالية للبنك.
وهذه كارثة وحدها، دفعت الجهاز المركزي إلي التوصية باتخاذ الإجراءات اللازمة تجنبا للمخاطر التي ستعصف بالبنك.
4
صدمة أخري.
لكن هذه المرة خاصة بمجموعة شركات عميل واحد.
يقول التقرير: إن قيمة مديونيات المجموعة وصلت نحو 2644 مليون جنيه. منها ما يعادل 481 مليون جنيه بالعملة الأجنبية.
بخلاف نحو 213 مليون جنيه مساهمات في رأسمال بعض شركات المجموعة مدرجة بالقيمة العادلة «تبلغ تكلفتها التاريخية 314 مليون جنيه» .
ليس هذا كل شيء
فحص الجهاز المركزي أثبت أن مجلس إدارة البنك الأهلي وافق بتاريخ 21 يونيو 2005 علي تفعيل اتفاقية التسوية للمجموعة «الموقعة في 22 نوفمبر 2004».
وذلك علي الرغم من أن تقرير المعاينة الذي أعده أحد مكاتب المحاسبة «بتاريخ 10 مايو 2005» اكتشف كمًا كبيرًا من المخالفات بينها:
* وجود مديونيات قيمتها 3370 مليون جنيه مستحقة لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة عند رئيس مجلس إدارة المجموعة، ولا توجد كشوف تحديد للأراضي المملوكة للشركات محل التسوية.
* رسملة فوائد علي مشروعات متوقفة لشركات المجموعة بلغت نحو 86.5 مليون جنيه مما يؤدي إلي تحويل المديونية لمساهمات في شركات خاسرة وزيادة نسبة مساهمة البنك في رؤوس أموال الشركات العقارية والصناعية والتجارية بعد تفعيل الاتفاقية بما يزيد علي الحد الأقصي المحدد بنسبة 40% وفقا لما ورد بدليل التعليمات الرقابية الصادرة عن البنك المركزي المصري في نوفمبر 2002 .
وهذا أيضا ليس كل شيء.
يرصد تقرير الجهاز المركزي أن البنك الاهلي تنازل عن 350 مليون جنيه
لمجموعة الشركات ومنحها قروضا بعد تفعيل الاتفاقية بلغت نحو 400 مليون جنيه.
وتوقف التقرير عند المرتب الذي قررته المجموعة لرئيس مجلس الادارة.
المرتب وصل إلي 24.5 مليون جنيه عن الفترة من 1 يناير 2000 وحتي 30 يونيو 2004 .
كما رصد التقرير مبلغ 6.85 مليون جنيه مسجلة علي أنها أتعاب مسددة لفريق المفاوضة.
أتعاب و مرتبات في مجموعة مديونة يديرها البنك الأهلي لاستعادة جزء من ديونه وفق اتفاق تسوية يري الجهاز المركزي أنها ستؤثر علي القوائم المالية للبنك.
الجهاز حذر وطالب بالحد من المبالغة في المرتبات و التنازلات. وأخذ في الاعتبار " مبلغ 702 مليون جنيه بحساب الأرصدة المدينة الأخري تتمثل في القيمة الاسمية لعدد 87305 آلاف سهم من أسهم مجموعة شركات العميل، التي تم نقل ملكيتها إلي البنك في العام المالي السابق..."
المعني البسيط: أن البنك وافق علي قروض... لم يسددها العميل....فوقع معه اتفاق تسوية...... وتحمل... ودفع لصاحب المجموعة مرتبات خرافية....لماذا...؟
هل هذا حق يتمتع به كل المصريين...؟
أم إنه تدليل أعضاء نادي الحظ...؟
5
يرصد تقرير البنك المركزي حكاية عضو آخر من نادي الحظ ديونه وصلت نحو 2499 مليون جنيه «منها ما يعادل 325.9 مليون دولار» كلها نتيجة تسهيلات علي فترات زمنية متقاربة.
ويتوقف التقرير عند تجاوزات من بينها:
* عدم قيام العميل بسداد الرصيد المدين البالغ نحو 28.378 مليون دولار
مستحق السداد منذ 31 أغسطس 2003 .. رغم أنه تمت الموافقة علي مد أجل السداد أكثر من مرة آخرها 26 أغسطس 2006 « تأجيل 3 سنوات...؟؟» .
* ورغم التأخر والتأجيل وافق البنك علي اعتمادات جديدة لنفس العميل ...وحسب التقرير كانت قيمة الضمانات المقدمة... ناقصة، وعلي الرغم من ذلك فقد تبين استمرار اتباع البنك لسياسته في إصدار موافقات ائتمانية متتالية علي فترات متقاربة بناء علي طلبات العميل المتعاقبة.
* كما لم يتم استيفاء شرط الرهن التجاري علي مشروع العميل الكائن بالمنطقة الحرة بالإسكندرية.
* ويشير التقرير إلي حصول العميل علي قروض وتسهيلات من بنوك أخري بضمان حصيلة تصدير منتجات العميل المستقبلية، وقد أوضح البيان المجمع الصادر عن البنك المركزي عن شهر يونيو 2005 أن إجمالي المستخدم عن طريق العميل من البنوك «عدد 9 بنوك» بلغ نحو 3690 مليون جنيه.
* وتبقي الملاحظة الأخطر و هي أن رصيد مديونية العميل تجاوز نسبة 30% من
القاعدة الرأسمالية للبنك بالمخالفة لأحكام المادة رقم » 71 « من القانون رقم 88 لسنة 2003 بإصدار قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد.
كيف نفسر حصول عميل واحد علي قروض تمثل ثلث القاعدة الرأسمالية للبنك...؟
هذه أسئلة أوسع من مجال عمل التقرير.
6
يقول التقرير: إن مديونية شركات الأقطان في 30 يونيو 2006 نحو 1424.983 مليون جنيه منها نحو 1248.144 مليون جنيه أرصدة متخلفة السداد من سنوات سابقة ومدرجة للتصفية وقد تبين عدم وجود أي مؤشرات إيجابية لسدادها فضلا عن تضمينها نحو 188.017 مليون جنيه تمثل عوائد مضافة إلي الإيرادات.
وقد أوصي الجهاز باستبعاد نحو 188.017 مليون جنيه من الإيرادات قيمة العوائد المحسوبة علي هذه المديونيات المتخلفة تجنيبا وتهميشا مع تكوين المخصصات اللازمة.
وقد أفاد البنك برده بأنه يتم متابعة الشركات لسداد الأرصدة المدينة كما يوجد تعهد من الشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج لسداد المديونيات المستحقة عن فروق الأسعار هذا فضلاً عن أن مديونيات هذه الشركات مدرجة ضمن مديونيات شركات قطاع الأعمال العام المبرم بشأنها اتفاق خاص بسداد هذه المديونيات.
7
يتوقف تقرير الجهاز المركزي عند حكاية مثيرة للدهشة.
الحكاية هي منح إحدي الشركات قرضا يبلغ 571 مليون جنيه للمساهمة في استكمال أحد مشروعاتها بسعر عائد 13.5% وعمولة 0.5% وقد كان من المقرر أن يسدد القرض علي 12 قسطا نصف سنوي بعد فترة سماح عام من تاريخ بداية التشغيل المتوقع » مارس 2001 « إلا أنه نظرا لتأخر بدء التشغيل فقد وافق مجلس إدارة البنك بتاريخ 7/10/2003 علي أن يتم سداد الأقساط نصف السنوية اعتباراً من 1/7/2005 ولمدة عشر سنوات بخلاف أربع سنوات سماح.
هذا هو الاتفاق.. فماذا اكتشف فحص الجهاز المركزي...؟
أولا: تحقيق الشركة لخسائر متالية منذ بدء نشاطها في أواخر عام 2000 وحتي نهاية العام المالي المنتهي في 30/6/2003 بلغ إجماليها نحو 128 مليون جنيه.
ثانيا:قيام البنك باتخاذ العديد من الخطوات الإيجابية للوقوف بجانب الشركة ومساندتها لتخفيض خسائرها ومساعدتها في تحقيق أرباح وذلك بناء علي طلبات الشركة المتكررة، حيث تبين موافقة مجلس إدارة البنك علي تخفيض سعر العائد المدين إلي 8% » أقل من سعر العائد الأساسي بنحو 5.5%، وأقل من تكلفة الأموال بنسب تتراوح من 1.5% إلي 2.5% « وذلك لمدة أربع سنوات متتالية عن الفترة من 1/7/2001 وحتي 30/6/2005 .
وباختصار: تنازل البنك عن 86 مليون جنيه للشركة.
8
حكاية اخري.
أحد العملاء منحه البنك قرضا طويل الأجل بمبلغ 97،490 مليون دولار بموجب موافقة مجلس إدارة البنك المؤرخة في 26/1/2005 لتمويل شراء عدد 418 ألف سهم تمثل حصة البنك المركزي في رأس مال إحدي الشركات..علي أن تكون مدة القرض 20 عاما تتضمن خمسة أعوام سماح وذلك بضمان رهن الأسهم موضوع التمويل لصالح البنك الأهلي المصري، ويضع التقرير ملاحظة انه قد سبق شراء البنك المركزي لهذه الأسهم من البنك الأهلي المصري.
وتشير نتائج فحص اوراق البنك إلي الآتي:
* قيام البنك بمنح العميل بناء علي طلبه القرض المشار إليه لشراء حصة البنك المركزي في رأس مال الشركة بذات تكلفة شرائها من البنك الأهلي المصري.
* تم المنح بضمان أسهم غير مسدد كامل قيمتها الأسمية لعدد 121200 سهم «سدد 50% من قيمتها» ، وكذلك عدم وجود حركة تداول علي الأسهم بصفة عامة بالمخالفة لنظام العمل بالبنك بشأن الإقراض بضمان أوراق مالية.
* تم منح الائتمان في صورة قرض طويل الأجل لمدة عشرين عاما بخلاف قواعد المنح التي تلزم بمنح التسهيلات بضمان أوراق مالية في صورة حد للسحب في حساب جار مدين ويسري لمدة عام علي أن ينظر في تجديده عند نهاية سريانه.
* تم منح العميل القرض بمبلغ 970،490 مليون دولار يمثل كامل قيمة شراء عدد 418 ألف سهم في حين تبين أن قيمة الأسهم عند المنح وفقا لصافي حقوق المساهمين في 31/12/2004 تبلغ 340 مليون دولار بفارق قدره 150.970 مليون دولار.
توصية الجهاز كات واضحة: باتخاذ اللازم في شأن منح ائتمان مخالفًا للقواعد المعمول بها والصادرة من البنك المركزي المصري للحد من المخاطر الائتمانية، والالتزام بالقواعد المنظمة لمنح التسهيلات بضمان أوراق مالية. والمدهش كان رد البنك الذي قال إن العميل هو أكبر الهيئات الاقتصادية العاملة في مصر وتتمتع بمركز مالي متوازن ولديها القدرة المالية علي سداد الالتزامات المستحقة عليها، وأن القرض بضمان الأسهم المشار إليها هو إجراء وحل مؤقت.
No comments:
Post a Comment