العار يلطّخ وجه النظام المصري والعرب
د. أحمد دراج
04/01/2009
يثير التزامن بين زيارة كل من عباس وليفني للقاهرة، بدعوة من الرئيس مبارك ألف تساؤل وتساؤل عن أدوار الأطراف الثلاثة في ارتكاب محرقة غزة.. ومحصلة تحليل الخطابات تطرح فرضيتين لا ثالثة لهما: إما أن الحرب التي يشنها الصهاينة علي غزة تمت بتواطؤ مصري إسرائيلي ومباركة فريق عباس، وإما أن الحرب كانت بخداع إسرائيلي لمصر وصمت عباسي مخز. ومع أن قلبي كان يتمني ألا يكون النظام المصري متواطئا في محرقة غزة، إلا أن الدلائل العقلية والمنظورة باتت تكذب هذه الفرضية
لأسباب، أهمها: استمرار النظام المصري في إغلاق معبر رفح في وجه جميع سكان غزة ( ما عدا 34 جريحا ممن أشرفوا علي الموت)، والتلكؤ في السماح بدخول الأدوية والمؤن القادمة من الدول العربية أو الشعب المصري، واحتجاز فريق الأطباء المصري الذي ذهب لعلاج الحالات الجراحية الحرجة، ثم التسويف والمماطلة في عقد قمة عربية عاجلة تناقش وقف الحرب علي غزة، وتبني المطالب الصهيونية بفرض شروط الخضوع والاستسلام علي المقاومة الفلسطينية قبل وقف العدوان، وأن تكون التهدئة بعد اليوم ووقف المقاومة ولو بالحجر مقابل الدواء والطعام والوقود، وتعد تصريحات وزير الخارجية المصري خير برهان علي أن الجريمة تمت بناء علي تنسيق بين حليفين أحدهما هنا والآخر يحكمنا من تل أبيب.إن فرضية مشاركة النظام المصري فعليا في التآمر علي إخواننا في غزة لم تعد ذات بعد واحد فحسب، بل صار لها بعد آخر هو المشاركة مع إسرائيل في الخداع الاستراتيجي للشعب الفلسطيني، إنه عار! عار يمرغ كرامة مصر في وحل خيانة ضميرها القومي.
مصر التي كانت بيت العروبة، حصنها وحضنها الدافئ، تحولت مع عهد مبارك إلي بيت حنون لحماية أبناء صهيون، يا للخزي!! ويا للمهانة!! هذا الاتهام المباشر والصريح للرئيس المصري ووزير خارجيته المتيم بشمطاء الموساد الصهيونية لم يعد سرا، بل تتقاذفه ألسنة المصريين والعرب في العلن، بل صرحت به الصحف الصهيونية (باراك ديفيد ـ مراسل هاآرتس)، هذا اتهام يطال رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة المصرية فردا فردا، وهو اتهام موجه إلي جميع نواب الحزب الوطني الذين وقفوا يدينون المقاومة ويدافعون عن صهينة القرار المصري في مجلس الشعب بوقاحة يحسدهم عليها صهاينة تل أبيب، وهو اتهام موجه إلي كل رؤساء مجالس إدارات الصحف الحكومية الذين أمعنوا في دس خناجرهم وأقلامهم في جسد الضحية الفلسطيني، وسطروا بأكاذيبهم براءة الجلاد الصهيوني من قتل أشقائنا، هذا اتهام إلي كل من شارك في الدعوة أو استقبال وزيرة خارجية النظام الصهيوني النازي في القاهرة قبل شن حرب الإبادة الجماعية ضد سكان غزة بـأقل من 48 ساعة.
إنها دعوة مشئومة، سواء كانت الدعوة من مبارك أو باراك، وهي عار علي كل مصري شارك في إحباط مساندة الشعب الفلسطيني في غزة منذ يونيو 2006 ، سواء كانوا ضباط شرطة أو رجال أمن أو حتي مجرد جنود جهلة ينفذون أوامر ظالمة بقتل إخوتنا في غزة، ويقفون في وجه قوافل الإغاثة لإخواننا المحاصرين، كلكم شركاء في الجريمة ودماء الشهداء تسيل من بين أصابعكم، ولا نستثني منكم أحدا، لأنكم بين مشارك مباشر وغير مباشر، بين مدافع عن عصابة القتل في تل أبيب وصامت صمت المريب، كلكم شركاء في جريمة إحراق غزة، مثقفون وشيوخ ودعاة مغيبون ومضللون تحولتم إلي شياطين خرس تري وتسمع، ولكنها لا تتكلم ولا تحض علي الوقوف في وجه القرار السياسي الظالم.
نتبرأ إلي الله مما فعلتم مهما شجبتم أو نددتم أو بررتم هذه الجريمة الشنعاء في حق الجيران والأشقاء في الدم والعروبة والدين، ونحن نوقن أن الله عادل، وأن القصاص آت لا محالة، فلتفرحوا.. ولتضحكوا، لكن المقاومة ـ بإذن الله ـ لن تسقط.
حكامنا الأشاوس: لن تخدعونا ببيانات الشجب فأركان الجريمة متكاملة: إحكام الحصار القاتل.. تصدير الغاز للصهاينة بالمخالفة للأحكام القضائية.. إهدار الأحكام القضائية بأحقية المصريين في تسيير قوافل الإغاثة إلي غزة.. زيارة عباس للقاهرة.. ودعوة وزيرة خارجية العدو الصهيوني للقاء دافئ وحميم، ثم تصريحها أخيرا بشن العدوان من قلب القاهرة.
نعلم أن القضية ليست في وقف إطلاق صواريخ المقاومة الفلسطينية، ولا في التهدئة، ولكن الأمر أبعد من ذلك بكثير، إنكم بهذا تمهدون الطريق أمام الهدف الاستراتيجي الأكبر وغير المعلن للعدوان الصهيوني بطائرات إف 16 والأباتشي والزوارق الحربية علي سكان غزة المحاصرين العزل، فالهدف هو القضاء علي المقاومة بكل أشكالها واجتثاث فكرتها من الأرض والوجدان الفلسطيني والعربي تمهيدا للخطوة التالية، وهي تهويد الكيان الصهيوني بالكامل والاستعداد لمرحلة بناء الهيكل علي أنقاض الأقصي بعد نقل فلسطينيي 48 خارج فلسطين المحتلة، وتحويلها إلي أرض خالصة لليهود، انتظارا للخطوة التالية وهي تجزئة مصر وتفتيتها (حسب مخطط أوديد ينون)، وسيكون توريث حكم مصر لمبارك الابن وجمعية المنتفعين والسماسرة ولصوص المال العام إيذانا ببدء مرحلة تقسيم مصر إلي دويلات متفرقة، ووضع سيناء تحت وصاية دولية صهيونية مشتركة، وهذا أحد السيناريوهات المطروحة منذ أكثر من 30 عاما في الخطة المسماة بالجائزة الكبري، وقد بدأت فصولها الختامية في التبدي، والمصيبة الكبري أن صهاينة مصر الجدد يمهدون الأرض للقادمين بقوة لتحقيق الهدف الصهيوني الأغلي «من النيل إلي الفرات». وبعد فليتوقف حديث النخاسين والمرابين عن أمن مصر القومي، فمصر العروبة محتلة
No comments:
Post a Comment