عندما أعلن الرئيس الأمريكى السابق بوش أنه أصبح مقتنعاً بأن ما تعرضت له الولايات المتحدة من هجمات إرهابية فى سبتمبر ٢٠٠١ يقتضى تجفيف منابع الإرهاب فى الشرق الأوسط، وأن أحد هذه المنابع هو أنظمة الحكم الديكتاتورية المتحالفة مع الولايات المتحدة، والتى تعتمد أساليب الاستبداد والفساد وإفقار الشعوب، فتثيرها بالتالى ضد الولايات المتحدة باعتبارها الحامى والحليف.
قال بوش هذا الكلام علناً وصراحة، وأصدره فى وثيقة الأمن القومى الأمريكى لعام ٢٠٠٢، وبدأ فى ممارسة الضغط على النظام المصرى الديكتاتورى ليتحول إلى الديمقراطية، وأيضاً مارس نفس الضغط على سائر النظم العربية. كانت هذه هى الطبقة الظاهرة من السياسة الأمريكية، فماذا عن الطبقة المستترة التى حسمت الأمر فى نهاية المطاف؟
لقد أجرى النظام المصرى السابق مفاوضات سرية على أصعدة مختلفة بواسطة رجاله المقربين من رجال الأعمال والموثوق بهم من رجال الإعلام من ذوى الارتباطات الأمريكية. ولقد نجحت هذه المفاوضات فى الوصول إلى تفاهم، وافقت واشنطن بموجبه على غض الطرف عن حكاية الديمقراطية فى مصر، مقابل إقامة نظام رأسمالى خبيث، يعتمد على ما يسمى الرأسمالية الأوليجاركية، أى تكديس الثروة فى يد قلة من رجال الحكم وعائلاتهم وأقاربهم وأصدقائهم.
وفى أعقاب هذه التسوية، التى أرضت الأمريكيين، أعلن بعض فلاسفة النظام أن الأمريكيين يريدون مصر رأسمالية، ودارت مساجلات على صفحات الأهرام وغيرها من الصحف، طالب فيها الإصلاحيون بأن تكون مصر ديمقراطية.
غير أن الصفقة غلبت، فانطلق النظام إلى إحكام قبضته وتزوير الانتخابات، ونفى المعارضة من البرلمان، والتحضير لإعادة الصحف والإعلام إلى عصر الكبت والقمع. بعدها لم نسمع من واشنطن فى عهد أوباما أى حديث عن الديمقراطية فى مصر، إلى أن فرضت إرادة الشعب نفسها فى ثورة يناير. السؤال الآن هو: هل تتكرر الصفقة مرة ثانية لنرى رجال الأعمال الطامعين يحكمون من جديد مقابل أن تنسى واشنطن حكاية الديمقراطية المصرية؟
No comments:
Post a Comment