Thursday, October 27, 2011

عمر طاهر: العزل والنسيج 27/10/2011

ربما تحتاج فكرة العزل فى جزء منها إلى قانون يكفل لها النجاح، ولكنها بحاجة إلى ما هو أكثر من قانون.
تطبيق العزل السياسى على رجال الحزب الوطنى فقط هو تطبيق مخل، يحاول أن يطهر نسيج البلد  جديد، اعتمادا على عزل من يحمل الكارنيه فقط.والحقيقة أن الحزب الحاكم كان أكبر من كارنيه، لقد كان طريقة حياة أثرت فى كثيرين.

أولا: يجب الاعتراف بأن الأقاليم كانت تحفل بمرشحين تابعين للحزب اسما، لكنهم فعلا هم أبناء مخلصون للدوائر التى قامت بانتخابهم، ومثلما كان هناك من يتذلل على عتبة الحزب ليرشحه فى دائرته كان الحزب يطارد الشرفاء المحترمين أصحاب الشعبية ليستفيد منهم، وكان يضغط عليهم ليكونوا مرشحيه، وإذا كان هناك كثيرون من مرشحى الحزب قد نجحوا بالتزوير فى السنوات الماضية، فهناك البعض الذين كان الحزب يعرف أنهم سينجحون به أو بدونه لاعتمادهم على رصيدهم لدى الناس.
ما الهدف من هذا الكلام؟
الهدف أن أشرح لك أن ثورة بعض أهل الصعيد على قانون العزل لم تكن فى حب الحزب الوطنى وفلوله، (هناك بلا شك من يدعمون الفلول بكل ما فيهم من قبح) ولكن غضبا على شرفاء من أبناء عائلاتهم دفعوا ثمنا باهظا لكارنيه حزب لم يكن يعنى لهم أى شىء حقيقى.
لن يستطيع أحد أن يغير التعصب والقبلية فى يوم وليلة بقانون، بل يجب أن تحول طاقة التعصب لصالح اختيار الأفضل، وعلى الدولة بإعلامها ومنابرها أن تشرح للجميع من هو الأفضل، وهكذا سيكون التعصب ضامنا للاختيار الذى نحلم به وليس ضده.
ثانيا: من قال إن كل أحزاب المعارضة لا تحتاج إلى إخضاعها لفكرة العزل؟ هذه الأحزاب تحتوى على فلول أخطر من فلول الحزب الوطنى، على الأقل فلول الوطنى كانوا واضحين، بينما فلول المعارضة منافقون دائمو التلون، سيستفيدون بالصدفة من قانون الغدر لأنه سيضعهم صوريا فى هيئة الأبطال الشرفاء وسيخلى أمامهم السكة فى دوائر كثيرة.
ألم يستفد أحزاب المعارضة بمباركة الشريف وعز والشاذلى وغيرهم فى الحصول على دعم مادى ثابت وتراخيص صحف ونسبة فى بعثات الحج وصفقات من أجل مقاعد فى البرلمان تمنحه لمسة معارضة؟ ألم يعتمد رؤساء أحزاب المعارضة المتناحرون على القيادة فى حربهم على البلطجية وحملة المولوتوف؟ ألم يكونوا على تنسيق كامل طول الوقت مع أمن الدولة ويعملون تحت إدارته؟ ألم ينسلخ كثيرون من الشرفاء والمناضلين الحقيقيين عن هذه الأحزاب وفضلوا أن يكونوا معارضين مستقلين؟ ألم يتم إخلاء دوائر لبعض قيادات هذه الأحزاب المعارضة صوريا حتى ينجحوا بسهولة رغم الفجوة الواضحة بينهم وبين أهل الدائرة؟
كيف سيتعامل قانون العزل مع هذه النماذج؟
نعود إلى النقطة نفسها للتنوير والإعلام الذى يجب أن يشرح للناس أن ليس كل معارض هو بطل وطنى، وإذا كان على الواحد أن يدقق مرة فى مسيرة مَن حمل كارنيه الحزب الوطنى فعليه أن يدقق ألف مرة فى حملة كارنيهات المعارضة.
ثالثا: بناء عليه، فـ«العزل» يجب أن يطبق على أمور كثيرة، أولها ضيوف البرامج الحوارية التى تملأ الدنيا ضجيجا وارتباكا، المحاور الأمين فى هذه الفترة من عمرنا هو الذى ينقى جدول ضيوفه من المضللين ورجال الأيام السابقة (وليس رجال النظام السابق فقط) ومن المرشحين الفارغين سياسيا القابلين لعقد الصفقات من تحت لتحت، المعارضين صوريا لاكتساب البطولة، غير القادرين على محاسبة القائمين على الأمور دعاة الاستقرار بالكذب ودعاة الثورة بالهمجية والصوت العالى، المغرمين بالتورتة المتناحرين،أصحاب وجهة نظر أنهم الأفضل والأصوب، المتاجرين بالدين والمتاجرين بأن صبروا وأصبحوا يستحقون الحصول على مقابل هذا الصبر، بائعى الكلام المزيّن بهجوم على النظام السابق لم يقوموا به أبدا قبل سقوطه، المتلقحين فى كل برنامج، قريبى الشبه بالشحاذين الذين يمرون بكل بيوت المنطقة، صبيحة العيد الكبير، أملا فى الحصول على حتة من هنا وحتة من هنا، العجائز المتصابين الذين لا تعنى لهم كلمة الشباب شيئا أكثر من صبغ الشعر!
كم برنامج وكم إعلامى انشغل بأن يلعب دورا وطنيا صافيا بتنوير الناس بنوعية المرشحين الذين يحتاج إليهم البلد فى الفترة القادمة! وكم واحد قرر أن يختار شخصيات محترمة ستخوض الانتخابات ليدعمها وليقدمها نموذجا إلى الناس دون أن يقع فى فخ الدعاية له! ستقول لى إن الإعلام يجب أن يكون موضوعيا فى هذه الأمور. وأقول لحضرتك فلتسقط الموضوعية وليذهب إلى الجحيم من يهتم بالسبق على حساب التنوير، نحن الآن فى فترة يجب أن يكون شعارها (اللى يقدر يعمل حاجة يعملها) ولن يذكر التاريخ لأحد اهتمامه بانفراد حوارى، ولكن سيذكر له دوره الوطنى الذى لعبه فى هذه المرحلة من حياتنا.
رابعا: من قال إن القانون سيحمى البرلمان القادم؟ سيصدر القانون وسيبدأ عمل البرلمان، وفى منتصف الطريق وربما بعد أن نكون قد قطعنا شوطا فى كتابة «الدستور» سيظهر لنا المحامون، أعضاء السيرك القومى الذين سيبطلون هذا البرلمان (وكله بالقانون) وسيضيعون علينا وقتا وسيجعلوننا نبدأ من الصفر مجددا (مر ترشيحهم بسلام وربما ينجحون.. فكيف ستواجههم إذا اعترضتَ طريقهم بالقانون فصنعوا لك معرضا من ثغرات هذا القانون؟).
الفكرة أن إصدار قانون العزل بهذا الشكل كان عملا ينطوى على سذاجة سياسية بالغة، لقد سهلت الأمر على من يريد لنا أن تطول عطلتنا الإجبارية.. ولكى تحمى نفسك من هذه المأساة المتوقعة عليك أن تضع القانون جانبا وتعلم الناس نفسها أن تقوم بهذا العزل على طريقتها، ساعتها لن يكون هناك أى ثغرات فهى إرادة الشعب.
مدير مصنع النسيج لا يقدر بمجرد قرار على عزل الحشرات الضارة من السجاد ما لم يكن هذا هو قرار العامل الذى ينسج السجاد بنفسه.
«العزل» لن ينجح بقانون خاص.. «العزل» لن ينجح إلا بوعى عام.

No comments: