سلفّّّ مصر.. نسخة تايوانية ليسوا نسخة يابانية أو صينية بل نسخة تايوانية تحاول التشبه باستماتة، لكن بأدوات لن تنتج يوماً ذات المفعول الأصلى، لذا فاحتمال عطبها سريع ووجودها يبدو كفقاعات ترافق أى ثورة أو تغيير، بدأوا من حيث بدأ سلف السعودية لا من حيث انتهوا، والسلف السعودى سعيد بالنتيجة.
تشدد السلف السعودى مر بمراحل طويلة أوصلته لصورته الحالية التى لم تكن لتتشكل لولا مجموعة الفواصل التى مر بها.. الظروف السياسية والطفرة النفطية ولعبة الإخوان بالسعودية والثورة الإسلامية يليها الجهاد بأفغانستان مروراً بحرب الخليج والحرب على الإرهاب.
أما سلف مصر فتبنوا مواقف معلميهم وقفزوا قفزات وشطحات ومعارك مسلحة لينتهى بهم الأمر رجالاً بلحى كثيفة، وتكرار لا يفقهون غيره يقول إن التماثيل والأدب والفن... إلخ إلخ إلخ حرام.
يرتكز سلف مصر بكل مبادئهم على فتاوى شيوخ السعودية التى لم تكن فتاوى دينية نقية، بل كانت لها مبرراتها ودوافعها.. كان عقد شراكة سياسى دينى قديم لا يمكن تجاهله أو فك رباطه إلى اليوم، وكانت تلك الفتاوى بمثابة الداعم لبقاء سلطتهم.. تحكم وترسم وتأمر. آنذاك، كانت الحضارة غائبة، وكانت الصحراء مسرحاً لحياة قبلية متنازعة، وكثبان رملية تغرق كل جديد، وحروب ذات طابع دينى توحد القبائل والمناطق المتناقضة.. كل ذلك شكل أرضاً خصبة ليبسط أهل الدين فتاواهم بالحدود والسيوف، ويتلقاها الناس دون جدال. أين هذه الحالة فى مصر؟
حتى الإخوان المسلمون لم يتمكنوا من إيجاد بيئة تستوعب حركتهم، لم يستوعبهم أحد مثلما استوعبهم السعوديون فى السبعينيات، وكما قال الأمير نايف بن عبدالعزيز: «الإخوان عضوا اليد التى مدت إليهم»، فى إشارة إلى دعم السعودية المطلق للإخوان زمن اضطهاد الجميع لهم، ومقابلتهم إياه بالجفاء والنكران.
المهم أن الإخوان لم يجدوا بيئة مصرية تحتوى فكرهم الأول. حتى اليوم لا أتصورهم وجدوها لولا تغيير خطابهم المتشدد وإعلاناتهم المستمرة بأنهم لا يريدونها دولة دينية، وأنهم سيدخلون البرلمان باستراتيجية سياسية وليست دينية، وتحالفات هنا وهناك مع الليبراليين والعلمانيين. النموذج السعودى الصرف مستحيل تطبيقه بأى دولة عربية. وليوفر السلف وقتهم.
ماذا يملك السلف بجعبتهم؟ استراتيجيات سياسية أو مشاريع اقتصادية وصناعية؟ مشاريع لمراكز بحثية جبارة؟ خططاً للأبحاث الطبية ؟ أفكاراً تعليمية غير مشروع فصل الجنسين؟ ليس فى كتبهم غير فقه الحياة اليومية، فإن ابتعدوا عنه هلكوا وانتهوا وتفككت اللعبة التايوانية.
ألا يعرف سلف مصر المتعنتون أن رفاقهم ومعلميهم السعوديين يتراجعون وفق تغييرات القرارات العليا.. وأن كل الثوابت قابلة للتغيير بتغير الأحوال. لم يكن الوضع هكذا فى السابق. لكن كل شىء تغير، وما كان محرماً أصبح جائزا بحبكة دينية صغيرة.
قرر الملك إنشاء جامعة كاوست المختلطة.. سانده الشيوخ بعدما كانوا يحرمون الاختلاط. قرر الملك إدخال السيدات مجلس الشورى المقبل.. أجاز الشيوخ الأمر بل امتدحوه بعدما كانوا أنفسهم يقرون أن مشاركتها السياسية كفر وتغريب. قرر الملك وأجاز الشيخ.. قرر الملك وأباح الشيخ.. وهكذا حتى أحدث فتاواهم، وليدة العام، تغيرت خلال أشهر ليكتب عهد دينى جديد.
فى صيف كل عام، تحتشد جماهير غفيرة فى المطارات، الطائرات ممتلئة، لا وجود لمقعد خال أيا كانت وجهتك، هجرة صيفية صغيرة قد تمتد لشهرين أو ثلاثة.. يرحل بها السعوديون تاركين الأماكن خالية.. أحياءهم، منازلهم، عدا المنشغلين وضعيفى الدخل، فالغالبية مهاجرة.. والمنظر مؤلم وكئيب.
لا أحد يريد البقاء، شوارع لندن وباريس تعج بهم، وشوارع العواصم العربية كانت المتنفس قبل الثورات والأحداث. لماذا يسافرون؟ حتى الملتزمون دينياً منهم يهاجرون صيفاً وشتاء وربيعاً وكل مناسبة. أمنيتهم أن يشهدوا دور سينما ومسارح وصالات فن ومكتبات تبيع كل المحرمات الفكرية، أمنيتهم أن تنتعش السياحة الداخلية.. كل عام يسافرون. يشاهدون بعضهم ويتفحصون وجوههم. محرومون من رؤية أنفسهم تحت الأغطية وخلف الجدران العازلة. يسافرون كل عام ليتنفسوا الصعداء ويعودوا ليبدأوا من جديد ويتمكنوا من البقاء أحياء.
أحياناً أتخيل، مجرد خيال، لو أننا امتلكنا الحرية، وازدهرت لدينا نهضة حضارية ثقافية وفنية ومجتمعية، كم سيكون صعبا التهاون بها وتركها للعابثين المراهقين فكرياً ليتلاعبوا بمعالمها، مهما كان الثمن؟!
No comments:
Post a Comment