دائماً وأبدا كانت
الدولة هى السبب الرئيسى وراء السلوكيات العشوائية للمواطنين. هذه هى الحقيقة التى
يجب أن نعترف بها جميعا. لم يعد هناك مجال للمغالطات، كما لم تعد هناك مبررات للمكابرة.
آن وقت المصارحة والعمل.
الدولة هى التى تبنت
فكرة إنشاء تجمعات صناعية ولم تعر اهتماماً بالعمال وكيفية إيوائهم.
أنشأتها كلها حول القاهرة.
بدر- العبور- العاشر من رمضان- أكتوبر- البساتين. أهملت الوادى. النتيجة كانت تجمع
العمال فى عشوائيات حول القاهرة. تصرف طبيعى. هل كان مطلوبا منهم استئجار غرف فى هيلتون
النيل مثلا! فى أوروبا كل قرية بها مصنع. فى ماليزيا فى زيارة لرجال الأعمال مع د.
الجنزورى سألنى مهاتير محمد: ما هو رأيكم فى ماليزيا؟ أجبت: لم أر مدنكم الصناعية بعد.
قال: لا توجد لدينا مدن صناعية. بل مصنع فى كل مجمع سكانى. انزعجت واستدعيت ثقافتى
المصرية قائلا: ماذا عن الأرض الزراعية. أجابنى باندهاش واستنكار: الفدان الزراعى يقوم
بأود اثنين أو ثلاثة على الأكثر- فدان الصناعة يتكفل بألف مواطن. الدولة تعاملت بقدسية
مع أراضى الدلتا. النتيجة الطبيعية حرمان معظم سكان مصر من المشروعات الصناعية والمشروعات
كثيفة العمالة بصفة عامة. لم تكن المشكلة أبدا مشكلة تربة كما يشيع الناس الطيبون.
فالأرض الصحراوية إنتاجها أوفر وأكثر. وفيه وفر للمياه والسماد والمجهود.
كان يمكن أن نزرع أفدنة
أخرى بديلة وكثيرة إذا أعملنا عقولنا بعض الشىء. توقف التصنيع هنا وتوقفت الزراعة هناك.
النتيجة لا عنب اليمن ولا بلح الشام.
التوك توك والميكروباص
هو حل عشوائى اخترعه المواطنون عندما أدارت الدولة ظهرها للمواصلات العامة. الدروس
الخصوصية هى حل عشوائى آخر عندما تجاهلت الدولة حال الطالب والمدارس والمدرسة.
الباعة المتجولون من
كل سلعة حل عشوائى لعدم تخطيط الدولة لطلب المشترين. لم يتم تجهيز منافذ.
نعم هى مسؤولية الدولة
التى جعلت المواطن يمارس حياة عشوائية فى معظم المجالات. سواء ما يتعلق منها بالعمل.
ما يتعلق بالسكن. ما يتعلق بالتعامل مع الجهاز الإدارى للدولة. لنا أن نتصور أن معظم
العشوائيات التى نراها بالعين المجردة قد حصلت على تراخيص رسمية. ارتفاعات المبانى.
الاعتداء على حرم الشارع بحجة الجامع. الاستخدامات غير الحضارية للأسطح. جراجات العقارات.
الواجهات غير المنطقية للمبانى. الأسواق العشوائية. مواقف الباصات. القمامة المنتشرة
فى كل مكان. مواقف الميكروباصات التى لا وجود لها ولا رابط ولا نظام. شىء لم يخطر على
بال المسؤولين. والميكروباص هو ٦٠% من طاقة المواصلات.
مسؤولية الدولة هى
المبادرة واستباق طلبات المواطن وحاجته حتى لا يضطر إلى التصرف بعشوائية والالتفاف
على القانون. هى ممارسات سوف يعانى منها المجتمع سنوات طويلة مقبلة. تحتاج مواجهتها
ومعالجة آثارها إلى ثورة من نوع خاص. قد تكون ثورة تشريعات. قد تكون ثورة حزم إدارى
وأمنى. قد تكون ثورة فى الأخلاق ومراجعة قيم ومبادئ اندثرت منذ زمن طويل. إلا أن دور
سلوكيات الدولة الرسمية يظل هو الأساس.
سلوكيات الدولة هنا
هى خطط المستقبل. هى وضوح الرؤية. هى المشاركة المجتمعية. هى الانفتاح على تجارب العالم.
ولذلك حديث آخر.
newton_almasry@yahoo.com
No comments:
Post a Comment