Tuesday, July 8, 2014

الإعتماد على الذات هو المنقذ لمصر ..بقلم د.أحمد النحار


إن قدر مصر هو أن تعتمد على ذاتها وعلى سواعد وعقول وأموال واحتشاد أبنائها، إذا أرادت تحقيق النهوض والتقدم. فكل تجاربها للنهوض لم تجد من الغرب سوى محاولات انقضاض عدائية. فقد تعرضت مصر لانقضاض استعمارى على كل مشروعات النهوض الحضارى والاقتصادى والعسكرى لمصر فى عهد محمد على ونجله إبراهيم باشا مؤسس العسكرية المصرية الحديثة وقائد أعظم انتصاراتها التى وصلت بها إلى سحق جيش العثمانيين واستسلام أسطولهم بالكامل فى الإسكندرية ودق أبواب عاصمتهم اسطنبول. وانتهى الأمر بتواطؤ أوروبا كلها لتقزيم مصر وتحطيم مشروع محمد على لتوحيد المنطقة تحت قيادة مصر.
وقاومت تلك القوى مشروع تحديث مصر فى عصر إسماعيل الذى شق الترع وبنى قلب القاهرة الحالى ومشروع قناة السويس وتوسع جيشه حتى المديرية الاستوائية فى قلب إفريقيا، وأغرقته تلك القوى فى ديون انتهت بالعدوان على مصر واحتلالها.
وقاوم الاستعمار بصورة أشد ضراوة، مشروع الزعيم الراحل جمال عبد الناصر الذى بنى لمصر أعظم صناعاتها التحويلية وحولها إلى أكثر الدول النامية تقدما سابقة على كوريا والهند وتايلاند وإندونيسيا وماليزيا وكل نمور شرق آسيا. وقاد الشعب لبناء سد مصر العالى الذى أختير عالميا كأعظم مشروع للبنية الأساسية فى القرن العشرين، والذى نقل الزراعة المصرية نقلة هائلة، وأخرجت الكهرباء المولدة من محطته الكهرومائية الريف المصرى من ظلام عشرات القرون. ونشر التعليم والرعاية الصحية مجانيا، ووصل بتشغيل قوة العمل إلى أعلى المستويات، وجعل التنوير والعلم والعمل والادخار قيما حاكمة فى الترقى الشخصى وفى بناء مجد الأمة. وكان نصيب مشروعه عدوانا استعماريا ثلاثيا دنيئا من بريطانيا وفرنسا والكيان الصهيونى عام 1956، وعدوانا أشد غدرا ودناءة من الكيان الصهيونى بدعم أمريكى هائل فى عام 1967، حيث تعرضت مصر لهزيمة مرة كالعلقم. لكنه على عكس سابقيه لم يستسلم وقاد مصر فى واحدة من أعظم معارك البطولة والشرف فى حرب الاستنزاف، وترك لها جيشا جديدا قادرا على إذهال العالم فى الثلاثة أيام الأولى من حرب أكتوبر 1973.
وحصل الرئيس السادات على فرصة هائلة من خلال سيل المنح والمساعدات العربية التى تلقاها بعد حرب أكتوبر التى أدت لرفع أسعار النفط وفتح بوابات الثراء الخليجى على مصاريعها. لكنه لم يحقق إنجازا اقتصاديا يتناسب مع تلك المساعدات. وفتح مصر لكل المتطرفين دينيا والإرهابيين الذين انقلبوا عليه فيما بعد وقتلوه فى النهاية. وفتح مصر أيضا للمغامرين والنهابين فى الداخل والخارج، وتجمدت الصناعة التحويلية وانتعشت كل القطاعات الطفيلية والأقل أهمية للنهوض الاقتصادي. وترك مصر عند مقتله معزولة عربيا وتابعة للغرب ومكبلة بالديون ومضطربة اقتصاديا بعد تبدد أوهام الرخاء الذى وعد بتحقيقه بحلول عام 1980.
أما مبارك فقد حصلت مصر فى الثمانية أعوام الأولى من عهده على مساعدات خارجية كبيرة، لكنه واصل سياسات سلفه وتعملق الفساد فى عهده، ولم يرد الاعتبار للصناعة التحويلية القائمة على الخامات المعدنية والمحجرية والزراعية والعالية التقنية التى هى المدخل الحقيقى لنهوض مصر، فاستمر الاقتصاد المصرى يتخبط فى الاختلال وبطء النمو. ووصلت مصر فى عهده إلى حالة سكانية مثالية حيث أصبحت الكتلة الرئيسية من السكان فى سن العمل. وفى العادة تحقق أغلب الدول قفزتها الاقتصادية فى مثل تلك الفترات. لكنه ضيع عقدين تقريبا من هذه المرحلة بترك قوة العمل نهبا للبطالة، بل وتحويل أعداد ضخمة من العاملين إلى عاطلين بعد الخصخصة الفاسدة للقطاع العام والمعاش المبكر. وأدت سياسته الاقتصادية-الاجتماعية الظالمة، وتفشى التعذيب والقمع إلى حشد كم هائل من الاحتقانات الاجتماعية التى أدت فى النهاية إلى انفجار الثورة المصرية الكبرى فى 25 يناير ضد حكمه وأسقطته.
وختاما فإن الاستقلال الوطنى المصرى والاعتماد على الذات فى تحقيق التنمية وتوزيع ثمارها بصورة عادلة على المواطنين، يتطلب درجة عالية من التعبئة والاحتشاد من الشعب بالادخار والاستثمار. ويتطلب أيضا من الرئيس والحكومة درجة عالية من الحماية للشعب وللمستهلكين من التبعات الظالمة وغير المبررة التى تنجم عن سوء استغلال البعض لأى قرار سيادى كما حدث بشأن ارتفاع أسعار الوقود. ويتطلب ايضا التعامل السياسى العادل مع أبناء الأمة بالذات من تعرضوا للمحاكمة بسبب قانون التظاهر المقيد للتظاهر السلمى والذى يحتاج للمراجعة من الرئيس لبناء توافق وطنى من كل المكافحين من أجل الحرية والكرامة الإنسانية والتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والاستقلال الوطني.

كما يتطلب من الجميع إدراك أن كل عام يمضى هو عام ضائع غير قابل للتعويض نهائيا، لأن مصر التى تملك كتلة سكانية يقع معظمها فى المرحلة العمرية القادرة على الإنتاج حاليا، لن تستمر كذلك طويلا، وهذه الفترة هى التى حققت فيها أغلب الدول قفزاتها الاقتصادية قبل أن يتجه تكوينها السكانى للشيخوخة.

No comments: