شهدت التاريخ المصري العديد من الأحداث التي
غيرت مجرى تاريخه، وكان لبعض الشخصيات دورًا في التغييرات التي وقعت لمصر، سواء كأبطال
أو خائنين، ونرصد أبرز من صنفهم المؤرخين بأنهم خونة أثروا في شكل التاريخ المصري.
خنفس باشا هو لقب عرف به الضابط المصري على
يوسف، الذي كان من بين الضباط الذين خذلوا أحمد عرابي في معركة التل الكبير وتسببوا
في هزيمة فادحة للجيش المصري أفضت إلى احتلال الإنجليز للبلاد.
وقال الدكتور مصطفى الشهابي، في كتابة «الخيانة
هزمت عرابي»: «في 12 سبتمبر 1882، اليوم السابق لمعركة التل الكبير، أرسل على يوسف
من مقدمة الجيش إلى «عرابي» يبلغه بأن الإنجليز لن يتحركوا في ذلك اليوم، فركن الجيش
المصري إلى الراحة بأمر قواده ليتأهب للمعركة الفاصلة من صبيحة الغد، غير أن القائد
الإنجليزي ولسلي تأهب في مساء اليوم ذاته للزحف في هدوء تام بعد منتصف الليل، فانسحب
عبدالرحمن حسن، قائد فرقة الاستطلاع السواري الذي كان يحرس الطريق الصحراوي من الشرق،
انسحب شمالًا ليخلي الطريق لمرور الإنجليز، أما على يوسف (خنفس باشا) فلم يكتفِ بترك
الجيش الإنجليزي يمر بجوار قواته، بل وضع له الفوانيس على المسالك التي يمكن السير
فيها بيسر، وفي فجر الثالث عشر من سبتمبر وقعت الهزيمة الماحقة بالجيش المصري في التل
الكبير».
وتابع محمود خفيف، في كتابه «فصل في تاريخ الثورة
العرابية»: «في 15 سبتمبر بلغ الإنجليز منطقة العباسية، ومنها ساروا إلى القلعة وكان
بها أربعة آلاف جندي، فسلمهم خنفس مفاتيحها.
المعلم يعقوب أو الجنرال يعقوب أحد الشخصيات
التي دار حولها جدل كبير في التاريخ المصري، ويرجع هذا الجدل إلى تعاونه مع الحملة
الفرنسية على مصر التي احتلت مصر بقيادة نابليون بونابرت، ويرى بعض المؤرخين أنه خائن
لمصر، بينما يراه البعض الأخر كثائر على الظلم العثماني وبطل وطني حاول جعل مصر مستقلة
بمساعدة فرنسا أو إنجلترا.
ولد يعقوب يوحنا في ملوي حوالي عام 1745 والتحق
في عهد على بك الكبير بخدمة سليمان آغا رئيس الانكشارية واستطاع عبر إشرافه على إدارة
أملاك رئيس الانكشارية أن ينمي ثروته الخاصة. وهو حارب في صفوف المماليك ضد قوات حسن
باشا التي نزلت في مصر لتثبيت الحكم العثماني قبل الحملة الفرنسية على مصر بفترةٍ قصيرة،
وكان في الثالثة والخمسين من عمره عندما غزت الحملة الفرنسية مصر بقيادة نابليون بونابرت
عام 1798.
وكان الفرنسيين يريدون تثبيت حكمهم وإدارتهم
لمصر ولكن كانوا يواجهون صعابا في تحقيق ذلك فلم يكن هناك بيانات تسجل إيرادات ومصروفات
البلاد والضرائب التي يجب فرضها على الشعب فاستعان نابليون ببعض المسيحيين الذين كانوا
مشهورين في ذلك الوقت كجباة للأموال وصيارفة، فعين نابليون المعلم جرجس الجوهري ليكون
مسئولا عن تنظيم الموارد المالية للحكومة، واستعان المعلم جرجس بيعقوب بعد أن عرض يعقوب
عليه خدماته وزكاه عند الجنرال ديسيه الذي استعان به في حملته التي قام بها لإخضاع
الصعيد ومطاردة جيش مراد بك حيث كانت لدى يعقوب خبرة بطرق الصعيد وأوضاعه المالية والإدارية
كما قام يعقوب بتجهيز ما يلزم الحملة وتأمين مواصلاتها وأيضا المشاركة في القتال بهذه
الحملة، وكانت لديه معرفة بطريقة تفكير المماليك لعمله معهم قترة طويلة واشتراكه في
الحروب بصفوفهم.قاد المعلم يعقوب فصيلة من الجيش الفرنسي المكلف
بهذه الحملة ضد قوة مملوكية في أسيوط واستطاع أن يحقق الانتصار ويهزم المماليك، مما
دفع ديزيه إلى أن يقدم له تذكاراً عبارة عن سيفٍ منقوش على مقبضه: معركة عين القوصية
24 ديسمبر 1798م.
ويستشهد المؤرخ شفيق غربال على دور المعلم يعقوب
برسالة كتبها الجنرال جاك فرانسوا مينو إلى بونابرت يقول فيها: «إنى وجدت رجلا ذا دراية
ومعرفة واسعة اسمه المعلم يعقوب وهو الذي يؤدى لنا خدمات باهرة منها تعزيز قوة الجيش
الفرنسي بجنود إضافية من القبط لمساعدتنا.
وقال أحمد حسين الصاوي، في كتابه «المعلم يعقوب
بين الأسطورة والحقيقة»: «تولى يعقوب بعد ذلك جمع الضرائب من أهالي الصعيد وكان يستخدم
أبشع وأعنف الوسائل في الجباية سواء مع أهل الصعيد المسلمين أو المسيحيين، وكان أهل
الصعيد يسمون حملة الجنرال ديسيه (جيش المعلم يعقوب)،زعاد يعقوب إلى القاهرة بعد حملة
الصعيد وقد قامت ثورة القاهرة الأولى، وحول داره إلى ما يشبه القلعة العسكرية، وجعل
لها بوابةً محصنة يقف عليها الحرس المسلحون ليلاً ونهاراً، وتوافق ذلك مع شروع نابليون
في بناء عدة قلاعٍ حول القاهرة، بحيث تحيط مدافعه بالقاهرة كلها، واعتبرت قلعة المعلم
يعقوب واحدةً من قلاع الفرنسيين في القاهرة.وأضاف: «كما قام يعقوب بتقديم خدمات كثيرة لمساعدة
الجنرال كليبر على قمع ثورة القاهرة الثانية فقد كان حينئذ من ضباط ديسيه فكافأه كليبر
بأن وكله بجمع الأموال العامة من الشعب كيف يشاء، فلم يتوانى يعقوب واستخدم أسوء الوسائل
لجمع المال فكان يفرض على الفلاحين مالا يطيقون على دفعه ومن لم يستطع كان أعوان يعقوب
يتطاولون عليهم بالسب والضرب وحرق ممتلكاتهم والأعتداء على أعراضهم، كل هذا جعل ليعقوب
حظوة كبيرة لدى الفرنسيين فقد كان أحد أدواتهم لمعاقبة المصريين على ثورة القاهرة الثانية،
وتعاظمت ثروته وازداد نفوذه، وقد كتب الجنرال بليار نائب الجنرال منو في مذكراته عن
يعقوب (ومع انه كان يعمل لحسابنا فهو لم ينس مصالحه الخاصة)،ولقد منح الجنرال كليبر
يعقوب رتبة كولونيل وجعله على رأس فرقة عسكرية من شباب المسيحيين تم تدريبهم على أيدى
ضباط فرنسيين وتولى يعقوب على نفقته الخاصة تزويدهم بالسلاح والعتاد اللازم لهذه الفرقة».
ويرى بعض المؤرخين أن «فكرة هذه الفرقة ترجع
إلى المعلم يعقوب بينما يرى أغلبيتهم انها راجعة إلى الجنرال كليبر فقد كون كذلك فرقة
من اليونانين بعد ثورة القاهرة الأولى كانت متمركزة بجزيرة الروضة، وكانت هذه الفرق
على كل حال تصب في مصلحة الاحتلال الفرنسي الذي كان يتبع سياسة ضم الأقليات إليه وتشجيعهم
وشراءهم بالمال».
وأوضح «الصاوي»: «استمر يعقوب في تقديم خدماته
للاحتلال الفرنسي بعد اغتيال كليبر وتعيين الجنرال جاك مينو فكافأه مينو بأن منحه رتبة
جنرال وكان ذلك في عام 1801 م».
كان الجنرال ديسيه صديق المعلم يعقوب الحميم
قد غادر مصر في عهد كليبر مع بونابرت لينضم إليه في حربه مع النمساويين وهناك لقى مصرعه،
فلما وصل إلى يعقوب هذا الخبر حزن وكتب إلى الجنرال مينو يعرض عليه دفع ثلث تكاليف
النصب المزمع إقامته تخليدا لذكراه، كما كلف يعقوب الأب روفائيل وكان صديقا ليعقوب
بنظم رسالة شعرية يرثي فيها صديقه ليرسلها إلى حكومة باريس.
مع نهاية الحملة الفرنسية على مصر بزحف الجيش
العثمانى نحو القاهرة والجيش الأنجليزى نحو رشيد ووقوف الجنرال منو محاصرا في الإسكندرية
اضطر مينو إلى عقد مفاوضات مع العثمانين والأنجليز للجلاء عن مصر، عزم الجنرال يعقوب
على السفر إلى فرنسا فجمع متاعه وأهله وعسكره من المسيحيين وخرج إلى الروضة ليكون مع
من قرروا المغادرة مع الحملة إلى فرنسا، وركب السفينة الأنجليزية بالاس ليخرج من القاهرة
في 10 أغسطس عام 1801م.
أصيب يعقوب بعد يومين من ركوبه السفينة بالحمي
ومات على إثر إسهال حاد، وكانت أخر وصية له أن يدفن بجوار صديقه الجنرال ديسيه، وهناك
شك في أن يكون الفرنسويون قد نفذوا وصيته، حيث تروى بعض الروايات أنه قد تم إلقاء جثمانه
في البحر نظرا لطول مدة السفر وعدم توفر وسائل لحفظ الجثة.
دفاعاً عن المعلم يعقوب، يقول المؤرخ شفيق غربال:
«أول ما في تأييد يعقوب للتدخل الغربي هو تخليص وطنه من حكم لا هو عثماني ولا هو مملوكي،
وإنما مزيج من الفوضى والعنف والإسراف, ولا خير للمحكومين فيه ولا للحاكمين إذا اعتبرناهم
دولة قائمة مستمرة، وثاني ما في تأييده هو إنشاء قوة حربية مصرية (قبطية في ذلك الوقت)
مدربة على النظم العسكرية الحديثة الغربية وفي المقابل، يقول الدكتور وليم سليمان قلادة
نقلاً عن المؤرخ يعقوب نخلة روفيلة في كتابه المهم «تاريخ الأمة القبطية» (الصادر عام
1898): «وتسجل كتب التاريخ القبطي تبرؤ الكنيسة المصرية من الشخص الذي ينحرف عن هذا
التقليد العريق، يعني الولاء للوطن، ممثلاً بالجنرال يعقوب الذي عاش أيام الحملة الفرنسية
وسار في خطة تخالف أبناء جنسه.. فإنه فضلاً عن مخالفتهم في الزي والحركات اتخذ له امرأةً
من غير جنسه بطريقة غير شرعية، كما أن رجال الدين لا سيما البطريرك لم يكونوا راضين
عن تصرفاته وأحواله.
مراد بك، تولى حكم مصر بالاشتراك مع إبراهيم
بك، قبل مجيء الحملة الفرنسية، وصفه الجبرتي قائلًا: «كان يغلب على طبع مراد الخوف
والجبن مع التهور والطيش والتورط في الإقدام مع عدم الشجاعة، وكان من أعظم الأسباب
في خراب الأقاليم المصرية».
حياةٌ غريبة عاشها مراد بك الذي قال عنه الجبرتي،
في كتابه «عجائب الآثار في التراجم والأخبار»، في نعيه في وفيات أبريل عام 1801 «أنه
كان من الأسباب في خراب الإقليم المصري بما تجدد منه ومن مماليكه وأتباعه من الجور
والقصور، ومسامحته لهم فلعل الهم يزول بزواله».
بدأ مراد حياته كأحد مماليك على بك الكبير،
وكان من قادة جيوش على بك التي ذهبت إلى الشام لضمها إلى الدولة المصرية، ولكنه خان
سيده، وقاتل على بك الكبير إلى أن مات على يد قوات محمد بك أبوالدهب، الذي أصبح الحاكم
لمصر وسعى لتثبيت الحكم العثماني واسترضاء السلطان العثماني ولكنه لم يمكث إلا ثلاثة
أعوام مات بعدها فجأة، ثم تولى إبراهيم بك الحكم وتقاسم بعض سلطاته مع مراد بك، كان
المماليك يعدون جيشاً لمقاومة الجيوش الفرنسية بقيادة مراد بك حيث التقى الجيشان بالقرب
من شبراخيت في 13 يوليو تموز، إلا أن الجيوش المملوكية هُزِمَت واضطرت إلى التقهقر
فرجع مراد بك إلى القاهرة.
يقول عبدالرحمن الرافعي، في كتاب «تاريخ الحركة
القومية»: «كانت قوات مراد بك تمتد من بشتيل وإمبابة إلى الأهرامات وكان جيشه يتألف
من نحو خمسين ألفاً من المماليك وممن انضم إليهم من الانكشارية وغيرهم، هذا عدا العربان
الذين تألفت منهم إلى حد كبير ميسرة الجيش الممتدة من الأهرامات، غير أن جيش مراد بك
كان يعاني من سوء التدبير وإهمال أمر العدو، فضلاً عن الجفاء الواضح بين مراد بك وإبراهيم
بك بسبب التنافس القديم على السلطة، التقى كلٌ من الجيش الفرنسي والجيش المملوكي مرة
أخرى في موقعة إمبابة أو موقعة الأهرام، حيث هُزِمَ جيش مراد بك مرة أخرى في هذه المعركة
الفاصلة في 21 يوليو، وفر مراد بك وبقايا جيشه إلى الجيزة، فصعد إلى قصره وقضى بعض
أشغاله في نحو ربع ساعة، ثم توجه إلى الصعيد، وأما إبراهيم بك الذي كان مرابطاً بالبر
الشرقي من النيل فحين رأى الهزيمة حلت بجيوش مراد بك أخذ من تبعه من مماليك ومصريين
والوالي التركي وانسحبوا جميعاً قاصدين بلبيس.
ويتابع: «لم يكن مراد معتاداً على هذا النوع
من المعيشة في الصعيد، بعيداً عن قصوره وجواريه، وحياة الرفاهية التي يعيشها، فبدأت
المراسلات بين كليبر ومراد بك، وانتهت باجتماعهما في الفيوم حيث اتفقا على أن يحكم
مراد بك الصعيد باسم الجمهورية الفرنسية. وتعهد كليبر بحمايته إذا تعرض لهجوم أعدائه
عليه، وتعهد مراد بك من جانبه بتقديم النجدة اللازمة لمعاونة القوات الفرنسية إذا تعرضت
لهجوم عدائي أيًا كان نوعه، وأن يمنع أي قوات أو مقاتلين من أن يأتوا إلى القاهرة من
الصعيد لمحاربة الفرنسيين، وأن يدفع مراد لفرنسا الخراج الذي كان يدفعه من قبل للدولة
العثمانية، ثم ينتفع هو بدخل هذه الأقاليم».
وكانت قمة خيانة مراد بك بحق أثناء ثورة القاهرة
الثانية، حيث شارك في عمليات القتال ضد المصريين، ومنع عن القاهرة الإمدادات الغذائية
التي كانت ترد إليها من الصعيد ومن الجيزة، فيُذكر أنه قد صادر شحنة من الأغذية والخراف
تقدر بأربعة آلاف رأس كانت آتية من الصعيد لنجدة أهل القاهرة، وقدمها هديةً إلى كليبر
والجيش الفرنسي، وكادت القاهرة تسقط في مجاعةٍ حقيقية.
لم يكتفِ مراد بذلك، بل سارع أيضاً بإرسال الهدايا
والإمدادات إلى جيش كليبر الذي يحاصر القاهرة، وقدم للفرنسيين المؤن والذخائر، وسلمهم
العثمانيين اللاجئين إليه، وسعى إلى سحب المماليك الشرفاء الذين يقاتلون الفرنسيين
داخل القاهرة إلى جواره لينضموا إليه في معاهدته وينهي بذلك ثورة القاهرة. ولما فشل
في ذلك، كان هو الذي أسدى كليبر النصح بأن يحرق القاهرة على من فيها، وهو الذي أمد
الفرنسيين بالبارود والمواد الحارقة التي استخدمت بالفعل في تدمير أحياء القاهرة، وكان
مراد قد اشترى هذا البارود من قبل بأموال المصريين التي جمعها منهم للدفاع عن مصر ضد
أي خطرٍ يمكن أن تتعرض له.
بعد ذلك انتقل مراد بك لمساندة الإنجليز عندما
جاؤوا لمصر لطرد الحملة الفرنسية، وفي ذروة سعادته بأنه نجح في أن يلعب على الجانبين
الفرنسي والإنجليزي بنجاح، كان المرض القاتل ينتظره. فقبل نشوب المعركة الأخيرة بين
الإنجليز والفرنسيين، أصاب الطاعون مراد، ومات به في 22 أبريل عام 1801 ودفن في سوهاج.
No comments:
Post a Comment