خلال
أقل من 6 أشهر من الانقلاب الثوري في يوليو 1952 الذي تحول لثورة اجتماعية،تم
تغيير وجه مصر، فقد تم إقرار المجانية الكاملة والحقيقية للتعليم والرعاية الصحية،
وتم وضع حد أدنى للأجر قيمته 18 قرش في اليوم (كيلو اللحم كان ثمنه 12 قرش) وهي
توازي أكثر من 2500 من جنيهات الوقت الراهن، وتم تطبيق إصلاح زراعي معتدل وتوزيع
نحو مليون فدان على الفلاحين المعدمين، (في إيطاليا حدد الإصلاح الزراعي في
ثلاثينيات القرن العشرين الحد الأقصى للملكية الزراعية بـ 25 فدانا فقط). وتم
تعديل الموازنة والتوسع في برنامج رعاية الفقراء. أما بعد ذلك فإنه تم تأميم قناة
السويس وتمصير الممتلكات الأجنبية وتعويض مالكيها، ووضع نظام ضريبي تصاعدي لتحقيق
العدالة الاجتماعية، وبدأ برنامج التصنيع الهائل الذي أدى إلى مضاعفة إنتاج مصر من
الصناعات الكيماوية والدوائية بين عامي 1952 ، و 1966 إلى 7.4 مرة، والصناعات
الهندسية والكهربائية 5.7 مرة، والصناعات التعدينية 3.3 مرة، والصناعات البترولية
3 مرات، والغزل والنسيج 4.4 مرة، ومواد البناء والحراريات 4.1 مرة، والصناعات
الغذائية 2.5 مرة، والطاقة والكهرباء 5.8 مرة... كانت الثورة الصناعية الأعظم في
تاريخ مصر الحديث. وتم بناء سد مصر العالي الذي غير وجه مصر وتم اختياره أمريكيا
في عام 1999 كأعظم مشروع بنية أساسية في العالم كله في القرن العشرين وهو حكاية
أخرى وكبيرة. وتم الالتزام بتعيين خريجي النظام التعليمي في وظائف حقيقية في
المصانع التي كان يتم إنشائها كل يوم، وانخفض معدل البطالة إلى أقل من 3%، وبلغ
النمو نحو 6% في الخمسينيات ونحو 8.3% في النصف الأول من الستينيات، ونحو 6.8% من
عام 1965 وحتى 1980. وبلغ معدل التضخم السنوي نحو 3.2% فقط في عهد عبد الناصر،
علما بأنه بلغ نحو 9.6% في عهد السادات، ونحو 11.3% في عهد مبارك. في عهد عبد
الناصر، كان هناك مشروعا وطنيا للتنمية والاستقلال جعل مصر زعيمة لعالمها العربي
والنامي، كبيرة وقائدة يقصدها الجميع أو يهابونها ولا تذهب أو تحبو لطغاة أو لصغار
وجهلة وظلاميين. وبنى عبد الناصر نظاما استبداديا مرفوضا على الصعيد السياسي شأن
كل النظم التي قامت ببناء الدولة في البلدان النامية في خضم عملية الاستقلال عن
الاستعمار العسكري الغربي، ولم يكن هناك استثناء سوى الهند الديموقراطية...باختصار
كانت تلك هي الحالة العالمية أو الوسط التاريخي الذي تأثرت مصر به... كان لدى نظام
يوليو مشروع وطني وتنموي تآمرت ضده قوى الاستعمار العالمي والصهيونية والرجعية
العربية وكانت استبداديته نقطة ضعفه الرئيسية، لكن ما تركه من إرث اقتصادي
واجتماعي سيبقى رصيدا وحافزا لانطلاقة جديدة للتنمية والعدالة والاستقلال الوطني
الحقيقي والأشمل والديموقراطي عندما تُستكمل الثورة المصرية الراهنة التي يتكالب
ضدها كل أشرار الداخل والخارج، لكنها قادرة على الانتصار بإرادة وقوة وحيوية كل
القوى الحية والديموقراطية والمستنيرة والتي تنشد الحق والعدل والتنمية
No comments:
Post a Comment