Tuesday, September 1, 2015

محمد نصر الدين علام دروس من الماضى القريب



 كله موش تمام
هل كانت هناك خيانة واعية مدركة في ملف حوض النيل؟
أم أنها مجرد إهمال أو عدم كفاءة و قصر نظر؟
سواء من فرط في تلتين مساحة مصر المسماه بالسودان
أو من أوهم أهل مصر بضرورة بناء السد العالي
أو من أخفي الحقائق عن أهل مصر مدعياً !.. أن كله تمام ياريس أو من يوهمهم الآن!.. بأنه برده كله تمام

فى أحد أيام شهر يوليو 2010، تلقيت اتصالاً لمقابلة عاجلة مع الرئيس الأسبق «مبارك»، الذى بدأ اللقاء بسؤال مباشر عن أسباب أزمة اتفاقية عنتيبى، فشرحت لسيادته المشكلة وأسبابها فسألنى الرئيس الأسبق:
 ولماذا ظهرت هذه المشاكل الآن؟ مضيفاً أنّ الوزير اللّى كان قبلى لم يُشِر إلى أى مشاكل تفاوضية، بل كان يطلب منى خطابات وديّة لرؤساء دول حوض النيل، وكان على العكس، حريصاً على توقيع الاتفاقية فى أقرب وقت ممكن.
: فسألت سيادته وعلامات الدهشة على وجهى  وما أسباب الحرص الشديد على توقيع هذه الاتفاقية، ولماذا إذن لم يوقّع عليها خلال العشرة أعوام الماضية؟
فابتسم سيادته وقال :
 إنّ الوزير السابق أخبره بأن الاتفاقية ستؤدى إلى اعتراف جماعى من دول الحوض بحصة مصر المائية، بل ستؤدى إلى زيادة حصة مصر المائية من خلال تعاون دول الحوض، لاستقطاب فواقد النهر، وكان يقول إنّ دول حوض النيل على وشك توقيع الاتفاقية بعد حل بعض الخلافات البسيطة،
فشرحت لسيادته أنّ قبول مصر الدخول فى مفاوضات اتفاقية عنتيبى كان خطأً فادحاً ، لأنّه لدينا بالفعل اتفاقيات تاريخية تحفظ حقوقنا المائية، وأنّ الهدف الحقيقى من اتفاقية عنتيبى هو إلغاء جميع الاتفاقيات التاريخية، وعدم الاعتراف بحصتنا المائية ، ثمّ شرحت لسيادته بإسهاب أنّ الخلافات حول «عنتيبى» لم تظهر الآن فقط، بل هى قديمة منذ بداية المفاوضات، بل منذ «عبدالناصر»، لكن كان هناك تعتيم إعلامى على هذه الخلافات.
 فقد كان من الشائع إعلامياً أنّه تم التوافق حول 99% من بنود الاتفاقية، أى أنّ الخلافات  كانت حول 1% فقط من البنود، لكن الحقيقة مختلفة تماماً.
وأضفت أنّ الخلافات كانت محورية وأساسية ، وتشمل كل ما يهم مصر من هذه الاتفاقية ، فدول المنبع لا تقر بالاتفاقيات التاريخية وحصة مصر المائية  وتريد إعطاء حصص مائية لدول المنبع خصماً من حصتى مصر والسودان ، ولا تقر بمبدأ الإخطار المسبق عن أى مشاريع يقيمونها على نهر النيل ، ممّا يحرم مصر من أى فرصة لدراستها أو الاعتراض عليها ، ولا تقر هذه الدول بطريقة التوافق فى التصويت ، وتريد أن يكون التصويت بالأغلبية ، حتى يكونوا هم أصحاب القرار. وأضفت مندهشاً كيف أنّ الاتفاقية لا تقر بحصة مصر المائية ، وفى الوقت نفسه تزعم أنها سوف تؤدى إلى زيادة هذه الحصة
 والحقيقة المُرة أنّ الاتفاقية ليس بها أى بنود تنص على استقطاب فواقد النهر
 بل العكس هو الصحيح  فإنّها تنص على عدم المساس بمناطق الفواقد المائية للنهر من برك ومستنقعات
 وكان الرئيس الأسبق يستمع بتركيز شديد ويسأل عن التفاصيل.
وشرحت لسيادته أنّ المفاوضات مع دول حوض النيل توقفت عام 2007، بعد أن رفض وزراء دول المنبع ذكر أى إشارة فى الاتفاقية عن الحقوق المائية التاريخية لمصر والسودان، وتم رفع هذا الخلاف إلى الرؤساء لإيجاد مخرج من الأزمة، وتجمّدت المفاوضات حتى تم تكليفى فى 2009.
وبعد ذلك حدثت ثلاثة اجتماعات لوزراء دول الحوض فى كينشاسا والإسكندرية وشرم الشيخ، ولم تفلح المفاوضات نتيجة تعنت دول المنبع وإصرارهم على مواقفهم، ورفضت هذه الدول أيضاً المبادرة الرئاسية لمصر والسودان، التى كانت تنص على إنشاء مفوضية حوض النيل، مع استمرار المباحثات حول النقاط الخلافية فى الاتفاقية، وانتهت هذه الخلافات بتوقيع خمس من دول المنبع على الاتفاقية.
فسألنى الرئيس الأسبق: ولماذا ترفض دول المنبع الاتفاقيات التاريخية، فقلت لسيادته: إنّهم يقولون إنّ هذه الاتفاقيات كانت مع بريطانيا التى كانت تستعمر أراضيهم، بالرغم من أنّ هذه الاتفاقيات حدودية، ورسمت الحدود الدولية لدول المنبع.
وأضفت أنّ الأدهى من ذلك أنّ إثيوبيا هى الدولة الوحيدة التى كانت غير مستعمرة وقتذاك ، لكنّها لا تقر باتفاقية 1902، بحجة أنّ هناك فروقاً بين النسخة الإنجليزية والنسخة الأمهرية للاتفاقية، التى وافق عليها البرلمان الإثيوبى فى ذلك الوقت.
 فسألنى: وما الهدف من هذه الخلافات؟
 فذكرت لسيادته أنّ الهدف المعلن هو إعادة تقسيم حصص مياه النيل على جميع دول الحوض ، أو بمعنى أصح حصول دول المنبع على حصص مائية خصماً من حصتى مصر والسودان. فسألنى:
 وكيف عاشت هذه الدول آلاف السنين دون حصص مائية وما أسباب تحرك هذه الدول حالياً؟ فذكرت لسيادته أنّ دول المنبع كانت وما زالت تعيش على الأمطار،
 وعلى عدة أنهار أخرى متوافرة لديها، أمّا مصر فتعتمد كلية على مياه النيل.
وأضفت أنّ الهدف الاستراتيجى الحقيقى من هذه التحركات هو الضغط السياسى على مصر وتقزيم دورها الإقليمى ، وسردت لسيادته بعض تفاصيل الصراعات التاريخية فى حوض النيل.
 وسألنى الرئيس الأسبق عن رأيى فى كيفية التعامل مع هذه الأزمة
، فشرحت له وجهة نظرى، وفى آخر الاجتماع طلب منى إعداد ثلاث مذكرات
 لتكون على مكتبه قبل الساعة الخامسة مساءً
 الأولى :عن تاريخ ملف حوض النيل
والثانية :عن اتفاقية عنتيبى والنقاط الخلافية
والثالثة : بتوصياتى عن كيفية التحرك قدماً
إنّ أهم ما استخلصته من هذا الاجتماع  أنّ الرئيس لم تكن لديه صورة واضحة ومعلومات كافية عن أحداث وتفاصيل ملف حوض النيل. ومعلومات الرئيس تأتى من المذكرات المرفوعة من المسئولين ، وكان واضحاً لى وقتذاك أنّ العديد من المذكرات كانت لا تُعرض على الرئيس.


ومصدر آخر ورئيسى للمعرفة كان تقارير المخابرات والخارجية، ولقاءات الرئيس الدورية مع كل من الطرفين.
والمصدر الآخر للمعلومة كان اجتماعاته مع السيد رئيس الوزراء ومحاضر اجتماعات اللجنة العليا لمياه النيل.
فى رأيى الشخصى أنّه كان لا يتم كشف حقائق وإخفاقات المفاوضات السابقة
، ولمّا انكشف المستور، حاولوا إلصاقه بوزير الرى الجديد، بدلاً من كشف حقائق الإهمال للعديد من المعنيين بهذا الملف.
ومن الواضح أيضاً أنّه كان هناك سوء تقدير لأزمة ملف حوض النيل الذى كانت تعده الأجهزة المعنية، وكانوا يقولون إنّ كله تمام حتى فوجئوا (أنفسهم والشعب المصرى) بتطورات الأحداث وتوقيع دول المنبع على اتفاقية عنتيبى.
وبعد اجتماعى هذا مع الرئيس الأسبق، بدأ الجميع الدفاع عن أنفسهم والتنصل من أخطاء الماضى، وأتذكّر فى هذا الصدد أن أحد الوزراء المعنيين بالملف
 قال لى مدافعاً عن نفسه إنّه يشعر من نظراتى إليه أننى أعتبره واحداً من المشاركين فى أخطاء الماضى، بالرغم من أنّ تعيينه كان قبلى بسنوات قليلة
ولم يكن مشاركاً فى معظم أحداث مبادرة حوض النيل، فقلت له «ماتخدش فى بالك»وبعد تصحيح مسار ملف حوض النيل واتخاذ إجراءات ناجحة لعدم انضمام الكونغو وبورندى إلى اتفاقية عنتيبى لعدم تفعيل الاتفاقية
 قامت ثورة يناير ورجعت ريما إلى عادتها القديمة.
فقد خلع البعض برقع الحياء، وقاموا باستغلال فرصة تغير معظم الوجوه القديمة
 وغياب الذاكرة السياسية للدولة فى محاولة لركوب الموجة الجديدة.
وأشاعوا فى وسائل الإعلام ودون حياء أنّهم كانوا أبطالاً فى التفاوض وأنّهم ضحايا الرئيس الأسبق الذى ظلمهم وبهدلهم وخلّاهم فى الوزارة عشرات السنوات فقط
، بل جدّدوا اتهاماتهم بالتعنُّت والتكبُّر مع دول الحوض وبأننى أخطأت لعدم التوقيع على اتفاقية عنتيبى فاضطررت لأن أكشف الحقائق لتوضيح ما جرى ولتجنب أخطاء الماضى سواء من سوء تقدير لأزمات ملف حوض النيل أو عدم إعلام الرئاسة بشفافية، عن تطورات الموقف وتعقيداته.
إنّ دول أعالى النيل بالرغم من غزارة أمطارها وما يتوافر لديها من العديد من الأنهار الأخرى، تعطى أولوية سياسية قصوى لملف نهر النيل، ويتولى إدارة هذا الملف الرؤساء بأنفسهم، كما هو الوضع فى إثيوبيا والسودان وأوغندا.
فما بالنا نحن فى مصر والنيل يمثل لنا شريان الحياة الأوحد سواء فى الماضى أو الحاضر أو المستقبل، وأنّ أى تأثيرات سلبية من مشروعات دول أعالى النيل
 لن تستطيع مصر، ولا شعبها، تحملها أو التعايش معها.
وهناك من يزعمون أن الترشيد والتحلية هما الحل  وهذه مقولة غير صائبة وتحتاج إلى مناقشة وتحليل.





No comments: