Friday, March 30, 2012

من اختطاف الثورة إلى مُحاولة إجهاضها


March 30th, 2012 
د. سعد الدين إبراهيم
إن المُتابع لتشكيل المؤسسات السياسية منذ ثورة يناير 2011، مثل مجلسى الشعب والشورى، والجمعية التأسيسية لصياغة الدستور، لا بد أن يلحظ الحقيقة المُرة التالية:
1- أن من قاموا بالثورة خرجوا من هذه المؤسسات صفر اليدين.
2- أن من لم يُشاركوا فى الثورة على الإطلاق، أو جاؤوا لها متأخرين، كانوا الأكثر انتهازية فى قطف ثمارها.من ذلك أن الإخوان المسلمين لم يأتوا إلى بؤرة الثورة، وهى ميدان التحرير بالقاهرة، إلا فى اليوم الخامس. وبعد أن تأكد نجاحها، بهم أو من دونهم. وحتى عندما فعلوا ذلك، فإن الذين أتوا، كانوا شباب الإخوان، دون كهولهم أو شيوخهم.
أما القوة الإسلامية الأخرى، أى السلفيين، فإنهم لم يُشاركوا فى الثورة على الإطلاق. بل إنهم كانوا يُحرّضون ضد الثورة والثوار عملا بمبدأ فقهى روّجوا له طويلا، هو مبدأ «السمع والطاعة لولىّ الأمر» أى الملك، أو الرئيس، أو المُرشد.

ومع ذلك كان السلفيون، غَداة تنحى حسنى مُبارك عن السُّلطة، هم أول من نزل إلى الميادين العامة، فى عواصم المُحافظات، خارج القاهرة، للدعوة إلى تطبيق «شرع الله»، وإلى الحديث باسم «الثورة». وهم الذين استخدموا القوة، ونصبوا المتاريس لمنع المُحافظ الجديد لمُحافظة قنا من تولى مهام منصبه، بدعوى أنه «نصرانى» (بلُغة القرون الوسطى) أى مسيحى (باللغة المُعاصرة(.
واستمر الإخوان والسلفيون فى القفز على الثورة، مُستغلين فى ذلك :
1- قُدراتهم على حشد الأتباع والمُناصرين.
2- الانضباط، أو الانصياع، الصارم لقيادتهم، عملا بمبدأ «السمع والطاعة».
3- الموارد المالية الضخمة سواء من تجميع اشتراكات أعضائهم (6%) من الدخل الشهرى، أو من تبرعات وإعانات تأتيهم من الخارج، خصوصا من السعودية ودول الخليج.
ومكّنتهم تلك العوامل الثلاثة من الاستحواذ على أغلبية مقاعد مجلسى الشعب والشورى، فى أواخر عام 2011، وأوائل عام 2012.
وها هم يستغلون نفس هذه الأغلبية فى المجلسين، للاستحواذ على أغلبية مقاعد الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور. فمن مجموع المئة مقعد، أعطت أغلبية الإخوان والسفليين أغلبية المقاعد لأنفسهم أى للإخوان والسلفيين. هذا رغم أنهم لا يمثلون من جملة سُكان الشعب المصرى إلا أربعين فى المئة (40%). فكيف حدث ذلك؟
فالذين أدلوا بأصواتهم فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة كانوا ستين فى المئة (60%) من جُملة من لهم حق التصويت، ولكن لأن الإخوان والسفليين معا يستيقظون مُبكرا، ويتوجهون عن بكرة آبائهم إلى مراكز الاقتراع، ويُدلون بأصواتهم، ككتلة واحدة لنفس المُرشحين، فإن الأربعين فى المئة تصبح هى الكتلة الكبرى، فيفوز معظم مُرشحيهم.
وبعبارة أخرى فإنهم لم يفوزوا «بالأغلبية»، ولكن «بالأكثرية». إن الأغلبية هى أكثر من خمسين فى المئة (50+1%) على الأقل.
أما «الأكثرية» فهى الفئة «الحصة» الكبرى. من ذلك أن يفوز حزب أو تكتل، أو مُرشح بثلاثين فى المئة (30%)، بينما أربعة أو خمسة من مُنافسيه يحصلون معا على السبعين فى المئة، أى الثلثين، ولكن كلا منهم حصل بالضرورة على أقل من 30 فى المئة، فيخسر جميعهم للفائز الإخوانى بثلاثين فى المئة.
ويتم كل ذلك بطريقة «قانونية»، ولكنها تفتقر إلى «الشرعية» الديمقراطية أى حُكم الأغلبية. وهذا ما حدث فعلا فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة.
إنها لعبة سياسية يُجيدها الإخوان، حيث إنهم تمرّسوا بها مُبكرا فى انتخابات الاتحادات الطُّلابية، ثم فى انتخابات النقابات المهنية مثل الأطباء والمُحامين والصيادلة. أما النقابات التى كانت تفلت من قبضتهم فهى تلك التى كانت تشهد نسبة مُشاركة عالية (تتجاوز الستين فى المئة)، ولا يُنافس مُرشحيهم فيها إلا مُرشح واحد آخر. مثل ما حدث مؤخرا مثلا، فى نقابتَى المُحامين بالإسكندرية وبالدقهلية.
إن قاعدة الأقلية المنظَّمة، التى يمكن أن تهيمن على أغلبية غير منظَّمة، هى قانون معروف منذ قديم الأزل، فهو سر هيمنة جهاز أمن دولة على شعبها حيث لا تتعدى نسبة من يعملون فى أجهزة أى دولة 25 فى المئة من سكان تجمعها، ولا يتعدى الجهاز الأمنى عادة خمسة فى المئة.
وقد سيطرت بريطانيا على أكبر مستعمراتها وهى الهند (300 مليون) لأكثر من مئتى سنة بما لا يتجاوز عشرة آلاف جندى بريطانى فقط. وقد أدرك نيقولاى لينين، الزعيم الشيوعى الروسى لهذه الحقيقة. وعبّر عنها فى ما سماه «النظرية الحديدية للتنظيم» (Iron Teary of Organization).
وكان أول من لفت نظرى إلى هذا التشابه بين جماعة الإخوان المسلمين والحزب الشيوعى، هو المفكّر الإسلامى الكبير جمال البنا، الشقيق الأصغر للمرحوم حسن البنا، مؤسس الجماعة.
وضمن تفسيرات نفس الشقيق للاصطدامات السابقة بين الجيش والإخوان، التشابه، لدرجة التماثل، بين تنظيم الجيش وتنظيم الإخوان. فكلاهما يقوم على مبدأ «السمع والطاعة»، والتسلسل الهرمى الصارم. وكما تخضع «الجُندية» لتدريب مُحكَم، فكذلك جماعة الإخوان حيث لا يستطيع أى مواطن فى الأربعين من عُمره، مثلا، أن ينضم إلى الجماعة، إذ لا بد للعضو أن يكون قد تم تنشئته منذ الصبا، أو الشباب المبكِّر على مبادئ، وممارَسات الجماعة، والمرور بمستوياتها التنظيمية، وباختبارات اللياقة الشاملة، من حيث المعتقَدات والعبادات والسلوكيات العامة.
قد تقبلك الجماعة، لو كنت فوق الثلاثين، «صديقا»، أو «نصيرا»، لا «عضوا» كامل العضوية.
وربما هذه الحقائق من طبيعة تنظيم جماعة الإخوان المسلمين، هى التى تفسر حقيقة السهولة النسبية، رغم الشك المتبادَل بين الجماعة والمجلس العسكرى. فما يتمّ الاتفاق عليه بين قيادة كل منهما يتمّ تنفيذه. بعكس تعامل المجلس مع شباب الثورة، حيث توجد عدة مجموعات وحركات، لكل منها فكرها المُتميز، وقيادتها الجماعية، وتنظيماتها القاعدية المتنوعة، حيث أى «شوية عيال» فى كفر الشيخ يكون لهم رأى مختلف عن القيادة فى القاهرة، ولا يلتزمون بإضراب هنا، أو اعتصام هناك.
ولكن يبدو أن ثورات الربيع العربى لم تهز فقط زعامات ورئاسات وعروش دول، ولكنها هزت أيضا «النظرية الحديدية للتنظيم»، حتى عند جماعة الإخوان المسلمين، فإلى جانب أن مجموعات عديدة قد انشقت، وكذلك منظمات مستقلة مثل «التكفير والهجرة»، و«الجهاد»، و«الوسط». فإنه حتى الجناح أو القوى الشبابية فى الجماعة بدأت تشق عصا الطاعة على القيادات التاريخية.
ولا أدَلّ على ذلك من عدم التزام أحد القياديين، وهو د.عبد المنعم أبو الفتوح، وترشيح نفسه فى السباق لرئاسة الجمهورية، على غير هوى الجماعة. وحينما أعلن مكتب إرشاد الجماعة فصله، انفصل معه قطاع كبير من شباب الجماعة، وصرّح آخرون بأنهم سيتركون لقيادة الجماعة فُرصة لإعادة النظر، فإذا أصرّت على موقفها من أبو الفتوح، فإنهم سيهجرون الجماعة.
ومن الانتقادات التى بدأ شباب الجماعة يوجهونها إلى القيادة، غياب «العلنية» فى المداوَلات وفى اتخاذ القرارات. أى أنهم يُريدون مزيدا من الشفافية ومن المشاركة فى اتخاذ القرار.
إن هذا كله يعنى أن رياح الربيع العربى قد طالت حتى أكثر التنظيمات السياسية المصرية صرامة وانضباطا، وهو جماعة الإخوان المسلمين. فإذا لم تتكيف الجماعة ذات الثمانين ربيعا وخريفا وشتاء، فسيكون مصيرها، كما يقول داروين فى «نظرية التطور»، هو الذبول ثم الانقراض.



No comments: