أيها المتزمت
هل تعلم لماذا لم يفسر النبي، صلوات الله وسلامه عليه، القرآن
الكريم وترك للمسلمين حتى يوم القيامه تفسيره ليناسب الزمان والمكان والظروف
والفهم والثقافة والخبرة؟
لم يفسره ليمنع تكبيل عقلك، ويؤكد لك أنه قرآن لا يأتيه الباطل من
بين يديه ولا من خلفه، فهو ليس نصا مقتصرا تفسيره وفهمه ونقله على الأولين، إنما
هو لهم، وهو أيضا لنا.لماذا تغالط نفسك وتجادل بغير علم وتركت غيرك يديرون لك شؤون
حياتك وعواطفك وسلوكياتك، ويفكرون عنك، وينقلون إليك أو تنقل أنت عنهم ما تحدثوا
به منذ ألف عام تزبد أو تنقص كأنهم كانوا معك بالأمس القريب، وأكثرهم في الواقع لم
يكن يتصور مشهدا واحدا قبل حدوثه بعدة سنوات، فما بالك بعالم جديد بعد مئات
الأعوام.
أيها
المتزمت
تقول بأن الموسيقى والغناء تلهيك عن ذكر الله!
وماذا عن اللغو والعبث بالوقت وأحاديث الصغائر من الأمور وقراءة الكتب
التافهة والصفراء التي تنقلك من عالمك الحي إلى عالم الأموات، أليس هذا إلهاءً عن
ذكر الله؟
ذِكْرُ الله إنْ لم تكن تعرف هو في الدفاع عن الحق والعدل والمساواة،
ذِكْرُ الله في رفض طاعة ولي الأمر مادام في الوطن سجون ومعتقلات،
ذِكْرُ الله في القراءة واحترام الكتاب والتعرف على ثقافات الشعوب
الأخرى والعلوم الانسانية.
ذِكْرُ الله يعني أن تحب الآخرين كلهم بغض النظر عن أديانهم ومذاهبهم
وطوائفهم وأفكارهم التي قد تخالف أفكارك.
ذِكْرُ الله يعني أن لا تُكِفّر أحدا فتجعل حساب الآخرة لله رب
العالمين ولا تقترض منه لتحاسب غيرك.
أيها
المتزمت
موقفك لا يعبر عن الدين، ولا يمكن أن يكون أوامر إلهية، ويستحيل أن
يتلاقى أو يتناغم أو حتى يستقيم مع الطبيعة،
إنما هي حالة كراهية خرجت من
صُلب التزمت والتحجر والارتماء في أحضان نصوص مرت عليها مئات الأعوام، كتبها أناس
لزمنهم، فسرقها آخرون لزمن لا يعرفهم ولا يعرفونه.
معركتك ضدي ستخسرها ولو
التف حولك ملايين المسلمين الذين يحاربون في المكان الخطأ، ويتركون ساحة المعركة
الحقيقية في جهاد النفس، أي مجابهة الظلم، وتحديد معنى الفساد، والالتزام بالعمل
ستين دقيقة في الساعة، واحترام الكتاب والثقافة، وازدراء الأمية، ومقاطعة ضباط
الأمن الذين يعذبون الأبرياء، وتوجيه كل قوى الأحزاب الدينية لمواجهة المخدرات
والغش والاحتيال والنصب وفساد مواد البناء واعطاء العاملين حقوقهم المادية بغير
ظلم مهما صغر.تلك هي معركتك التي تغض الطرف عنها،
أيها
المتزمت
لم
أعرف مسلما يكرهني إلا وعرفت نصف أفكاره قبل أن اسمعها، فهو
يكره المخالفين، ويريد أن يمزق وجوه الكفرة، ويُعلّق العلمانيين في مشانق بالمغارب
والمشارق، ويرجم أصحابَ المذهب الآخر، ويطلق الرصاصَ على معتنقي الأديان الأخرى،
ويقوم بتحريم السلام عليهم والزواج منهم وتهنئتهم في أعيادهم.
لو
أنك سمعت عن تسميم المزروعات وإصابة ملايين من الأطفال بأمراض وبائية فلن يهتز لك
جفن، ولو تناهى إلى سمعك أن مسلما شكك فقط في أن الحور العين هن أول ثواب تحصل
عليه بعد الموت فإن غضبك يتحول إلى عاصفة من الأحكام السيفية أو المقصلية التي ترى
موت مخالفك هو الطريق المُعَبّد الوحيد للوصول إلى جنة الخلد.
فَسّر ما شاء لك علماؤك، وانقل من كل الأرفف ما تراكم عليها لأكثر من
ألف عام، واستعن بأناس فصلتهم عن زمنك حقب وأجيال، وتمسك برأي، واستند إلى حديث
ضعيف، وحطم تلك المعجزة التي وضعها خالقك الرحمن الرحيم في جمجمتك لعلك تستخدمها
وتتفكر في ملكوت السماوات والأرض، وتقول ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك.
أيها
المتزمت
لماذا
أيها المسلم تحتقر نفسك، وتقلل من شأن خبرات الانسانية كلها التي أتتك طائعة
مختارة لتنتقي منها ما تشاء وتضيف إليها ما تستطيع ، لكنك تنبذ العقل، وتقفز فوق
قرون عدة، وتحاول أن تعيد الحياة لكتابات في زمن غير زمنك؟
ألم تسمع قول نبيك الكريم، صلوات الله وسلامه عليه، وهو يقول: ستختلفون
من بعدي فما جاءكم فاعرضوه على كتاب الله، فإن وافقه فهو مني. لماذا تزدري عقلك
فتستعير عقول الآخرين لتفكر عنك؟
أليس الأجدى والأجدر والأنفع والأكثر توقيرا واحتراما أن تؤمن بأن
القرآن الكريم لكل زمان ومكان، وتفسيره يقوم به المسلمون لزمانهم؟
أفئدة
تريدها أنت حجارةً من سجيل ويريدها المتسامحون رحمة من رب العالمين.
معركتك ضدي خاسرة
No comments:
Post a Comment