Monday, April 9, 2012

حمدى قنديل يكتب: مصر فى خطر


٩/ ٤/ ٢٠١٢
ازدادت معركة الانتخابات الرئاسية تعقيداً وغموضاً بعدول عمر سليمان عن قراره بالانسحاب من سباق الرئاسة والعودة مرة أخرى إلى المنافسة.. فى أقل من ٢٤ ساعة تم ذلك، وبلا مبرر مقنع.. فى البيان الأول، بيان الانسحاب، قال إنه حاول أن يتغلب على المعوقات الخاصة بالوضع الراهن ومتطلبات الترشح الإدارية والتنظيمية والمادية، ووجد أنها تفوق قدرته على الوفاء بها، وأن استمراره فى الترشح «يتنافى مع مبادئ اعتنقتها طول حياتى..
  وفى البيان الثانى، بيان خوض الانتخابات، قال إن سبب تراجعه هو وقفة المواطنين القوية التى هزته، وهى مبالغة فجة، ذلك أن وقفة المواطنين هذه لم تكن أكثر من مظاهرة متواضعة قالت «المصرى اليوم» إن الذين شاركوا فيها لا يزيدون على نحو ألفى شخص، ربما لم يكن ممكناً لهم أن يتجمعوا سوى فى ميدان العباسية المشمول برعاية المجلس العسكرى.. الأهم أن عوامل الانسحاب، أى «المعوقات الخاصة بالوضع الراهن ومتطلبات الترشح الإدارية والتنظيمية والمادية،
 لم يحدث فيها تغيير يدعو إلى تعديل الموقف، وبالذات فيما يتعلق بترشيح خيرت الشاطر، إذ كان الشاطر مرشحا قبل انسحاب سليمان وعند تراجعه.. ما الذى دعا عمر سليمان إذن إلى اتخاذ قرار مغاير «يتنافى مع مبادئ اعتنقها طول حياته»؟.. ليس هذا سوى لغز جديد فى مسلك رجل الألغاز الغامض الذى ربما تقوده الظروف ـ والمجلس العسكرى بالطبع ـ لحكم مصر فى حين لا يعرف المصريون عنه شيئاً.

 ظل عمر سليمان شخصية خفية بالنسبة لعموم الناس طوال الـ١٨ سنة التى تولى فيها رئاسة جهاز المخابرات، ولم يبدأ نشر اسمه فى الصحف سوى فى السنوات الأخيرة،
  رغم أنه كان يمسك أهم الملفات الخارجية الحساسة فى عهد مبارك، مثل ملفات فلسطين والسودان والعراق واليمن وإيران، وكان شريكا فى معظم القرارات المهمة المتعلقة بالسياسة الداخلية.. كان عمر سليمان يوصف بأنه «الصندوق الأسود» لعصر مبارك، لكن غطاء الصندوق بدأ ينزاح بعد الثورة، وكشف موقع ويكيليكس علاقاته الواسعة مع إسرائيل بشكل خاص، فقال إنه كان يتواصل مع القادة الإسرائيليين عبر خط تليفونى ساخن يستخدم يوميا، وقال إنه كان شخصية محورية فى ترتيب صفقة الغاز الشائنة مع إسرائيل، وقال إنه تعهد لإسرائيل بتطهير سيناء من مهربى الأسلحة.. كان باختصار رجل إسرائيل فى مصر.. ليس هذا فقط، بل إنه كان قناة الاتصال الأساسية بين الإدارة الأمريكية ومبارك فى كل الشؤون، أمنية وغير أمنية، طبقا لما ورد فى كتاب الصحفى البريطانى ستيفن جراى "الطائرة الشبح"..

 يضيف كتاب آخر هو «الجانب المظلم» للكاتب الأمريكى جون ماير أن عمر سليمان كان رجل الـ«سى.آى.إيه» بالذات، وأنه فى عام ١٩٩٥ أشرف على اتفاق مع الولايات المتحدة يسمح بنقل المتهمين بالإرهاب سراً إلى مصر حيث يجرى تعذيبهم بالوكالة عنها لإجبارهم على الاعتراف فى إطار برنامج سرى نددت به منظمات حقوق الإنسان فى العالم.

بعد الثورة كذلك، كشف وزير الخارجية الليبى السابق عبدالرحمن شلقم أن سليمان كان أيضاً رجل ليبيا فى مصر، أى أن رئيس المخابرات الذى كان مفترضاً أن يكون رجل مصر فى ليبيا وفى إسرائيل وفى أمريكا كان فى حقيقة الأمر رجل هذه الدول جميعاً، وربما غيرها أيضاً، بيننا.. ومع ذلك فإن عمر سليمان لم يتعرض للمساءلة فى أى أمر من هذه الأمور التى كانت تستدعى المحاكمة، ولا اقترب أحد من سجله الشائك فى المخابرات العامة وما يمكن أن يكون قد أحدثه فيها من خلل،

إذ أعطاه منصبه الحصانة اللازمة قبل الثورة وبعدها، بل إن التحقيقات التى أجريت معه بعد الثورة حول قتل المتظاهرين كانت رفيقة به إلى حد أنه أفلت من الإدلاء بأى معلومة دقيقة عن أحداث ٢٨ يناير وموقعة الجمل وعن مزاعم الأجانب الذين تدفقوا على ميدان التحرير وعن مخططات حماس الخفية أيام الثورة..
 ورغم أنه تولى منصب نائب الرئيس لمدة ١٣ يوماً فى نهايات عصر مبارك، واضطلع بمهام علنية، والتقى عديدا من القوى الوطنية وتصدر المشهد السياسى الرسمى إلّا أن ظهوره كان نادراً حتى إنه لا يذكر له خلال تلك الفترة سوى تصريحه البائس فى قناة ABC الأمريكية أن المصريين غير مؤهلين لممارسة الديمقراطية، وكذلك بيانه التعس الخاص بتنحى المخلوع..
 عدا ذلك فقد لف الصمت معظم مواقفه وتحركاته حتى عند تعرضه للاغتيال فى الطريق العام فى قلب مصر الجديدة عقب حلفه اليمين الدستورية يوم ٢٩ يناير.. فى هذا الحادث أسدل الستار على دافع الجريمة وأسماء الجناة الذين راجت أنباء أنهم قتلوا فى الحال جميعاً.

تقدم عمر سليمان بأوراقه قبل ساعات قليلة من إغلاق باب الترشح، وهكذا فليس أمام الناخبين سوى أسابيع قليلة ليتعرفوا فيها على المرشح القديم الجديد، لكن عمر سليمان سيظل مرشحاً سرياً وصندوقاً مغلقاً، والأرجح أنه لن يعرّض نفسه للمحاورين ذوى الأنياب فى محطات التليفزيون الخاصة، وربما يقصر ظهوره على برنامج سابق التجهيز فى التليفزيون الرسمى مشابه لتلك البرامج التى كان الترزية الحكوميون يفصلونها لجمال مبارك.. ولن تكون النتيجة مختلفة بحال، فالوجه المكفهر هو نفس الوجه المكفهر الذى يشى باستعلاء منفر وعواطف مثلجة.. كما أنه من المستبعد تماما أن يحتك عمر سليمان بالجماهير على نطاق واسع ليسمع صوتها أو يشرح لها برنامجه، ذلك أنه لم يعرف يوما هذه الجماهير من ناحية، ولا يؤمن بدورها من ناحية أخرى، بل هو فى واقع الأمر يحتقرها.
 سواء كان لعمر سليمان برنامج للحكم أم لم يكن فنحن لا حاجة لنا به فى كل حال.. نحن نعرف البرنامج جيداً.. هو ذلك الذى حكم به مبارك ٣٠ سنة.. هذا هو المغزى الخطير والتحدى الحقيقى فى ترشحه، أنه إعادة بعث لعصر مبارك، هذا إذا كان عصره انتهى حقا.. ونتيجته إذا تولى الحكم ستكون نفس النتيجة.. ستنفجر الثورة من جديد ولن يضمن السلامة أحد هذه المرة.. وقد لا تكون الخاتمة مختلفة أيضا إذا حكم مصر خيرت الشاطر.. اللافت أنهما رغم تباينات ظاهرة إلّا أنهما يتماثلان إلى حد التطابق فى جوانب عديدة..
 رجال أشباح أتوا من الظلام الدامس، عاشوا عمرهم فى مؤسسات سرية لا تعرف الأضواء، يجمعهما منهج محافظ وسحنة جامدة ذات ملامح قاسية لا تعرف الابتسام، ومدرسة قمعية باطشة لا تعرف ديمقراطية أو شورى، وينتمى كلاهما إلى شريحة المجتمع الموسرة التى يصعب معرفة مصادر ثرواتها بالتحديد.

كلاهما خطر على البلد.. واحد منهما - هو أو قرينه مرسى - سيلوى عنق مصر لتمتثل لحكم آيات الله فى جماعة الإخوان التى ستكون قد استأثرت بالبرلمان وبالدستور وبالحكومة وبالرئاسة، والآخر ـ هو أو قرينه شفيق - سيلوى عنقها لتأتمر بأمر العسكر الذين قادونا إلى هذه الهاوية.. مصر المستقبل تنادى أبناءها حتى لا يحكمها الماضى، يحولها إلى حكم دينى أو إلى دولة عسكرية.

No comments: