الجزء لأول
حازم هلال May 29, 2012 ·
الأصدقاء الأعزاء.. هذه ليست محاولة لإقناعك بالتصويت مع أو ضد محمد مرسي أو أحمد شفيق. هذه محاولة للتفكير بصوت عالي. أنا من القلة التي لاتزال في حيرة. لقد خسر مرشحي المفضل (عبد المنعم أبو الفتوح)، و خرج أيضا من السباق من كانوا رقم 2 و 3 علي قائمتي البديلة (حمدين صباحي و عمرو موسي). و أصبحت الآن أمام إختيارين أحلاهما مر بالنسبة لي. و تشاركني في هذه الحيرة قلة قليلة.. فهناك حوالي خمسين بالمائة من الناخبين سيعيدون ببساطة انتخاب محمد مرسي أو أحمد شفيق مثلما فعلوا تماما في الجولة الأولي.. ثم أن هناك الكثيرون ممن اتخذوا قرارهم خلال ثواني معدودة بعد اعلان النتائج.. فمنهم من أعلن أنه سيعطي صوته لمحمد مرسي حتي لا يشارك في إعادة إنتاج النظام السابق، و منهم من أعلن –أو أسر في نفسه خوفا من التهكم- أنه سيعطي صوته لأحمد شفيق رفضا لجماعة الإخوان المسلمين، و استقر الباقي علي قرار المقاطعة (أو ابطال الصوت) لأنه يرفض الإختيارين. و تتبقي بعد ذلك قلة قليلة-أنا ضمنهم- ممن لم يستقروا علي رأي حتي الآن.. هذه القلة (وقد تكون في حدود ال5%) لها أهمية كبري هذه المرة.. لأنها ببساطة سترجح فوز أحد المعسكرين.
و قبل أن أبدأ مناقشة ما أراه من معايير موضوعية للإختيار بين مرسي و شفيق، سأبدأ في الجزء الأول بتفنيد ما لا أراه مناسبا من مقولات ترددت خلال هذا الأسبوع.. و اتخذها غيري أساسا لحسم موقفهم:
المقولة الأولي: لن أصوت في الإنتخابات: و يدعم هذا الرأي مقولات مثل "لن يفرض علي الإختيار بين الإستبداد الديني و الإستبداد الأمني. أنا ممتنع عن التصويت".. أو "كل المطروح مرفوض".. أو "سأكون ايجابي و أذهب و أبطل صوتي".. أو "أنا أخلاقيا لا يمكن أن أسامح من قتل الشهداء و من خانوا دمائهم".. "أو سأبطل صوتي حتي يعلم الرئيس القادم أنه بلا شرعية".. يردد الكثيرون هذه الآراء انطلاقا من مباديء أخلاقية أحترمها تماما.. و أعلم أيضا أن بينهم من يردد هذا الرأي خوفا من تهكم الآخرين إذا أعلنوا عن تأييدهم لمرسي أو شفيق.. و بالتالي يصبح اتخاذ موقف "المقاطعة" أسلم من تحمل الهجوم و السخرية.. "معقولة حتنتخب شفيق؟".. "بجد حتنتخب مرسي؟" .. ناهيك عن حملة الإبتزار الرائجة من نوعية "اللي حيتنتخب شفيق حعمله unfriend من علي الفيسبوك و ححتقره و حمسح نمرة تليفونه و لو قابلته في الشارع مش حسلم عليه!".. و نفس الكلام يقال بالعكس علي أساس إنك لو انتخبت الإخوان "تيقي جاهل وأهبل و مش فاهم و حتضيعنا"
أنا أرفض بشكل قاطع كل محاولات الإبتزاز المعنوي.. من حق كل شخص أن يفكر و أن يقرر دون ضغوط.. و هذا الجو "السام" الذي يحاول فرض الرأي بشكل ديماجوجي يمنع الهواء الذي نحتاج لتنفسه من أجل أن نتناقش علنا.. و نستفيد من أراء بعضنا البعض حتي نسترشد الموقف السليم.. خاصة لو كنا القلة القليلة الباقية التي سترجح إحدي الكفتين.. و لهذا السبب تحديدا – لأننا الكتلة المرجحة لفوز أحد المرشحين- أعتقد أننا يجب أن نأخذ موقف ايجابي و نختار واحد منهم..
و محدش يقولي "مش فارقة.. الإتنين أوحش من بعض".. لأ.. مصر في 2016 حاجة تحت حكم الإخوان.. و حاجة تانية خالص تحت حكم شفيق.. مش فارقة إزاي يعني؟! و الكلام بتاع (خللي الشعب بقه يختار و "يلبس إختياره" ) بيحسسني إن سعادتك مش عايش معانا و طالع علي كندا مثلا.. و بالمناسبة.. رغم أنني كنت من المطالبين و المتظاهرين لإعطاء المصريين في الخارج حق التصويت.. إلا أني هذه المرة أطالب بالعكس.. معلش المرة دي.. اللي حيشيل الشيلة و يلبس اختياره هو اللي يصوت.. مايجيليش عمي اللي عايش في هولاندا يختارلي و "ألبس أنا" و هو يبقي يجيلنا زيارات كل سنتيتن..!!
أنا أفهم مثلا أن نقيم حملة مقاطعة فتقل نسبة المشاركة إلي 20%-30% و بالتالي نكون قد أرسلنا رسالة جماعية بأننا لا نعطي شرعية لهذا و ذاك..و لكن ذلك لن يحدث.. دعونا نعترف أن الدعوة للمقاطعة أو إبطال الصوت لن تمثل فرقا سياسيا (أساسا فيه 400 ألف واحد أبطلوا صوتهم في الجولة الأولي من غير غالبا ما ياخدو بالهم).. ثم أن نسبة الإقبال في الجولة القادمة ربما تزيد عن الجولة الأولي (تخيل الحشد اللي بجد اللي حيعمله السلفيين و الإخوان و الأقباط و شبكة الحزب الوطني والداخلية وملاك الأراضي الزراعية و أصحاب المصانع في معركة حياة أو موت).. أعتقد –والله أعلم- أن نسبة المشاركة قد تزيد عن 50% نتيجة الإستقطاب الحاد و بالتالي لن يكون للمقاطعة "ثمن سياسي" لأن غيابنا أساسا "محدش حيحس بيه" ..
ممكن أن أفهم مثلا أن يعتصم سياسيا 2-3 مليون مواطن ممن انتخبوا أبو الفتوح وحمدين محاولين عرقلة جولة الإعادة (لا أوافق و لكن أتفهم أن هذا "فعل سياسي" له مردوده).. و لكن لا أفهم منطق أن هذه معركة "لا ناقة لي فيها و لا جمل" و بالتالي "حقعد في البيت".. لأ.. أنا ليا فيها ناقة وجمل و بلد بأكملها.. ليا فيها أهلي وبيتي و شغلي و مستقبل ابني.. أنا لا أفهم معني ألا أذهب و أترك غيري يختار بالنيابة عني..
تخيل مثلا أنك لا قدر الله إحتجت أن تعطي ابنك دواءا فورا.. و لم تجد في الصيدلية إلا دوائين كليهما من شركتين لا تشتهران بالجودة.. الدواءان فعلا قد يكونان رديئي الصنع.. هل ستبذل أقصي جهدك من أجل أن تدقق في المقارنة ثم تختار.. أم ستقول للصيدلي "مش عايز اختار" و تخرج من الصيدلية و تطلب من أول من تقابله في الشارع "ممكن تدخل الصيدلية بدالي و تختار الدوا اللي ابني حياخده؟!"..
أنا قررت المشاركة. و لم أقرر أي دواء سآخذه. أعلم أن كليهما مرير. و حزني أني أعلم أن أفضل منه كان متوفر و لكنه للأسف غير موجود الآن. و لذلك سأجتهد و سأفكر و سأتناقش مع غيري حتي أصل إالي القرار الأقل ضررا. أتفهم أن ضمير البعض سيعاني و هو يملأ إستمارة أمام الصندوق مانحا صوته لشفيق أو لمرسي.. و لكن ضميري سيكون مرتاحا لأني سأكون دافعا الضرر الأكبر من وجهة نظري علي الأقل.
المقولة الثانية: لن أنتخب الإخوان لأنهم خانوا الثورة + لن أنتخب شفيق لأن يده ملطخة بدماء الشهداء.. أنا أحترم من يردد هاتين المقولتين، وبالتالي يتخذ قراره وفقا لمباديء أخلاقية لا تقبل المساومة عنده. و بالتالي هو يعطي صوته الإنتخابي بشكل "عقابي" لمن يعتقد أنه خذله في الماضي. من أشهر ما يتردد تأييدا لهذا الرأي هو مقولة "خلافي مع الإخوان سياسي و لكن خلافي مع شفيق جنائي و بيني وبينه دم".. أو مقولة: "لقد خان الإخوان دماء الشهداء.. ماذا سنقول للشهداء عندما يعلموا أننا أعطينا صوتنا لمن قتلهم؟"
أقف أنا علي النقيض من هذا الرأي. فأنا أعتقد أن السؤال هو "من هو الأنسب للمستقبل؟" و لا يهمني من ماضي كل مرشح سوي ما يجعلني أستطيع توقع ما سيفعله في المستقبل.. بمعني أن السؤال عندي هو سؤال المستقبل فقط. رأيي أن قرار الإنتخاب لا يجب أن يكون عقابا لمن أخطأ أو جائزة لمن قام بالتضحيات، بل هو اختيار "الأنسب" للمرحلة القادمة.
يجب أن يدرك من أعطي صوته لأبو القتوح أو حمدين أن ال5 مليون الذين أعطوا أصواتهم لأحمد شفيق ليسوا فلول أو خرفان ساقها بقايا الحزب الوطني.. فلو قمنا بالإنتخابات في مايو 2011 (قبل عام) لما حصل أحمد شفيق علي ربع هذه الأصوات.. و لكنها أخطاؤنا نحن.. نعم ساهمت الإدارة السيئة للمجلس العسكري في كره ملايين المصريين لتوابع الثورة.. و لكن لنواجه أنفسنا.. لقد تعالي بعضنا علي غيرنا ووصمنا غيرنا بالجهل و العبودية و تعاملنا كأننا احنا اللي "فاهمين كل حاجة"..و رفضنا اليدمقراطية لما مجاتش علي هوانا.. و تسبب بعضنا في توترات و مواجهات لم يكن لها داعي.. و امتهن بعضنا الثورة من أجل الثورة.. حتي قل الداعمين لتيار التغيير بعد أن فقدوا أعمالهم و ضاقت أرزاقهم و لم يأمنوا في بيوتهم ووجدوا في أحمد شفيق الملجأ الأخير لعودة حياتهم إلي ما كانت عليه..
و يجب ندرك أيضا أن من أعطي صوته لمحمد مرسي مش جاهل و مضحوك عليه و اشتروا صوته بكيس رز و إزازة زيت و ضحكوا عليه بالدين.. هناك من يؤمن فعلا بقضية إحياء الشريعة..و هناك من مارس عليه النظام السابق أقسي درجات القهر لمجرد أنه مربي دقنه و ملتزم في الصلاة في الجامع.. و بلاش كلام خانوا الثورة و حنقول إيه لأم الشهيد اللي الإخوان باعوا دمه.. المتاجرة بدماء الشهداء وصلت بجد لدرجة غير مسبوقة من الإسفاف حتي أنني أذكر جيدا أحد رموز شباب الثورة و هو يدافع عن موقفه من استفتاء مارس 2011: "حنقول إيه للشهيد لما يعرف إننا قلنا نعم لتعديل لدستور؟!".. مش حتقله حاجة خالص لأنه أصلا مكانش نازل الميدان عشان الدستور أولا و لا الإنتخابات أولا.. و بعدين هو عشان الإخوان نزلوا معاك ميدان التحرير في يناير 2011 يبقوا لازم ينزلوا معاك كل ماتروح مشوار؟ المظاهرات فعل سياسي.. و مش لازم يكون الإخوان موافقين علي اعتصام وزارة الدفاع في يوليو 2011 أو أحداث مجلس الوزراء في ديسمبر 2011.. بلاش و النبي نجيب سيرة الشهداء في كل موقف سياسي و نزايد علي بعض.. لأن ده مايفرقش أي حاجة عن المتاجرة بالدين..
كفاية غرور و استعلاؤ و اقصاء.. ماينفعش أبدا نص الشعب يقعد يهاجم النص التاني علي ماضيه و يشتمه و يهينه و يحتقره.. نعمل ايه؟ نص البلد هنا و نص البلد هنا.. نحارب بعض لغاية مع حد يخلص علي التاني؟
دعوني أحاول أن أشرح الفكرة.. حاول أن تتخيل نفسك لدقيقة مواطنا لبنانيا.. حيث عشت مع عائلتك حربا أهلية استمرت من 1975 وحتي 1990.. علي مدي خمسة عشر عاما حاربت الطوائف بعضها بعضا.. .. انقسموا مسيحيين موارنة و شيعة ضد سنة وداخل الشيعة البعض مع حركة أمل والبعض من حزب الله .. و تحالف بعضهم ضد الآخرين مرحليا ثم انقلبوا علي هذه التحالفات و شاركوا مع أعدائهم ضد من كانوا حلفائهم بالأمس .. باختصار لم تسلم يد من دماء.. و قتل كل فصيل شهداء من كل فصيل آخر تقريبا... لو اتخذ اللبنانيون منطق "الثأر" معيارا للفصل بينهم لاستمرت الحرب إلي الآن.. و هي استمرت بالفعل إلي اللحظة التي رفعوا فيها شعار "لا غالب ولا مغلوب" وبدؤوا يتعاملون مع السياسة بمنطق بناء المستقبل..
و من نفس الزاوية يمكننا نقرأ التاريخ الحديث لأوروبا.. لو ظلت كل دولة أوروبية تفكر بمنطق الانتقام للحرب العالمية الثانية فقد فيها أكثر من 50 مليون شخص أرواحهم لما استطاعوا أن يجلسوا مرة أخري سويا لينشؤوا الإتحاد ألأوروبي و السوق الأوربية المشتركة..
و من الزواية الأخري.. فإن إنجازات أو تضحيات الماضي لا تكفي كسبب يحدد اختيارات المستقبل.. و لنأخذ الشعب البريطاني كمثال.. لقد تقدم وينستون تشرشل لقيادة أمة في أشد سنوات التاريخ البريطاني صعوبة من 1940 و حتي 1945.. و ألهم الملايين بقدرتهم علي التحدي.. وأنقذ المملكة المتحدة من هزيمة محققة أمام هتلر حتي تحقق النصر في 1945.. ثم تقدم لإنتخابات 1945 وهو في أوج شعبيته وانتصاره ومحل احترام كل مواطن من أول الملكة و حتي أصغر جندي بريطاني.. و لكنه سقط في الإنتخابات.. لأن المواطنين البريطانيين لم يرو فيه الشخص "الأنسب" لمرحلة ما بعد الحرب.
ما أريد أن أقوله في هذه النقطة مرة أخري أن انتخاب رئيس قادم هو اختيار تحكمه النظرة إلي المستقبل، و ليس جائزة أو انتقام عن ماضي. ولذلك، أنا لن أحاول مثلا الإنتقام من شفيق " و انتخب بالتالي مرسي. أو العكس.. فصوتي لن يكون لأحمد شفيق عقابا للإخوان.. إذا كنت أري مصر أسوأ في 2016 تحت حكم جماعة الإخوان المسلمين .. لو أعطيت صوت لشخص إنتقاما من شخص آخر (رغم أني أراه الأنسب) فأنا بذلك أنتقم من نفسي و من ابني و من بلدي قبل أن أنتقم من أحدهما.
: المقولة الثالثة : لن أنتخب شفيق حتي لا أعيد النظام السابق: و يدعم هذا الرأي مجموعة مقولات منها "من العار أن ننتخب مرشحا كان رئيس الوزراء وقت الثورة" و "شفيق سينتقم من الثوار فردا فردا" (علي شاكلة فيلم أمير الإنتقام لأنور وجدي) و "يعني احنا شعب قررنا نثور علي حسني مبارك.. فييجي يوم ما ننتخب نجيب عسكري تاني.. و طيار كمان؟!" و أن "شفيق حيرجع شبكة الفساد والمنتفعين ويرجع أمن الدولة و المعتقلات تاني".. كل هذا الكلام علي عيني و راسي.. و لكن مرة أخري.. دعونا نختبر هذه المقولات قبل أن نعتبرها من المسلمات .. فقد يكون فعلا أحمد شفيق يحمل نفس تفكير مبارك.. و لكنه قطعا لا توجد لديه الظروف التي منحت مبارك القدرة علي ممارسة الفساد.. فباديء ذي بدء.. لقد لقن هذا الشعب لحكامه درسا لن ينساه أي رئيس لمصر في ال200 سنة القادمين.. الرئيس القادم يعلم جيدا أنه قد يستيقظ من النوم صباحا فيجد مليون ثائر قدام قصر الرئاسة لن يتحركوا من مكانهم قبل أن يجلس في قفص المحاكمة في أكاديمية الشرطة.. هذه هي الضمانة الأولي.. أما الضمانة الثانية.. فهي أن هناك 500 نائب في البرلمان –أغلبيتهم من التيار الإسلامي- لن يتركوا له هفوة تمر دون محاسبة.. و لو أن جماعة الإخوان تردد هذه المخاوف الآن فعلينا أن نتذكر هذا الكلام في الإنتخابات المقبلة لأن في تلك الحالة لن نقوم بانتخابهم بما أنهم يعترفوا الآن أن نوابهم "ملهمش لازمة" و كلامهم عن هذه المخاوف يتضمن اعترافا ضمنيا بعدم أهمية وجود نواب لهم في البرلمان و عجزهم عن ممارسة دورهم الرقابي "لأن شفيق لو جه حيعمل اللي هو عايزه".. و ردي ساعتها "أمال الشعب جابكم البرلمان تعملوا ايه بالظبط ؟".. و أخيرا فكلنا نعلم أن الدستور القادم سيؤسس لنظام رئاسي-برلماني.. وبالتالي ستكون الحكومة مشكلة بالأساس من الأغلبية من التيار الإسلامي.. بمعني أنه في حالة انتخاب أحمد شفيق كرئيس لمصر، فلن تكون في قدرته أن يعيد النظام السابق أو شبكة فساده لأنه سيكون مقيدا بحكومة من أحزاب معارضه و محسابا أمام ببرلمان أغلبيته اسلامية و خائفا في نفس الوقت من شعب قادر علي اسقاطه هو و الحكومة و البرلمان.. هل ممكن في هذه الظروف أن نتخيل أن يعيد شفيق ببساطة-في حالة فوزه- النظام السابق؟ لا أعتقد
المقولة الرابعة: سأنتخب الأخوان حتي نستكمل أهداف الثورة: معلش. لنا هنا وقفة. نعم شارك الإخوان في الثورة.. سواء من يوم 25 أو 28 مش مشكلة.. و قدم العديد من شباب الإخوان أرواحهم من أجل نجاحها.. و لا ينكر دورهم فيها إلا جاحد.. ووقفة شبابهم الباسلة يوم و ليلة موقعة الجمل واستشهاد بعضهم هو موقف بطولي لا يمكن المزايدة عليه.. و لكن لنتذكر أن ما جمع الإخوان و اليسار و الييبراليين و الناس العادية في ميدان التحرير هو إجماعهم علي إسقاط مبارك.. و بعد ذلك تختلف رؤية المستقبل عند كل طرف عن الآخرين..
مشروع جماعة الإخوان واضح منذ أن أنشأها الإمام حسن البنا في 1928 كرد فعل علي سقوط الخلافة في اسطنبول عام 24.. و الهدف المتفق عليه هو بناء الفرد ثم المجتمع المسلم ثم الوصول للحكم و إقامة الحكومة الإسلامية حتي الوصول إلي مرحلة الدولة الإسلامية العالمية التي تصل إلي مرحلة "الأستاذية".. و أن الأداة لتحقيق ذلك هو "الجماعة".. لأنه "لا دين بلا جماعة، و لا جماعة بلا إمام، و لا إمام بلا طاعة" و أن الجماعة هي الأصل.. و هي أصل طبقا لرؤيتهم مستند إالي السنة النبوية.. و أن أي تطبيق تكتيكي "بلا أصل اسلامي" كإنشاء حزب أو الدخول في الإنتخابات هي اختيارات تحكمها الظروف و قد تتغير لأنها مجرد وسائل و ليست أصلا في حد ذاتها..الجماعة هي الأصل.. وطاعة الإمام (المرشد) واجبة. و لا يحق لفرد فيها أن يخالف الإمام و قرار الجماعة. هذه المهمة الإجمالية تمر بمراحل التعريف و التكوين و التنفيذ.
هذه هي عقيدة جماعة الإخوان المسلمين.. وتحمل أعضاؤها المعاناة و السجن و الظلم خلال عقود خلال الملكية و عهود عبد الناصر و السادات و مبارك من أجل تحقيق أهدافها.. وسواء اختلفت أو أتفقت مع منهجهم.. فلا بد أن تحترم صمودهم و استعدادهم لتقديم التضحية.. تخيل نفسك للحظة عضوا في جماعة الإخوان.. تتعرض أنت و أهلك للمضايقات الأمنية المستمرة و الإعتقالات.. قد تتفوق في دراستك و لكن تحرم من التعيين في الجامعة أو الترقي في عملك أو القبول في الكليات العسكرية أو السلك الدبلوماسي.. و إذا اخترت طريق التجارة فسيتم التضييق عليك في مجال رزقك.. و قد تلفق لك قضية و تسجن لسنوات بلا أي جريمة ارتكبتها.. كل هذا و أنت ثابت علي مبادئك قابلا التضحيات من أجل هدف أسمي.. ثم تحدث ثورة علي نظام يمثل عقبة أمام تحقيقك لأهدافك.. فتنضم إليها بالتأكيد و تنجح مع غيرك في إسقاط النظام. دعونا نكون واضحين تماما: ثورة 25 يناير بالنسبة لجماعة الإخوان هي مجرد فصل في تاريخ نضالهم نحو هدفهم الأسمي و جاءت الثورة كمتغير أسرع خطاهم نحو هذا الهدف. هل تتخيل أن يتنازل الإخوان عن هدفهم الذي تحملوا من أجله كافة أشكال الضغط علي مدي 80 عاما من أجل ارضاء غيرهم بعد أن يصلوا إلي نرحلة التنفيذ؟ مستحيل.
أن تقبل أو تختلف مع منهج الإخوان هو قرار شخصي لك.. و ليس هذا مجال مناقشة منهجهم أو أولياتهم. النقطة ببساطة، أنني لا أوافق علي فكرة " سأنتخب الأخوان حتي نستكمل أهداف الثورة".. جماعة الإخوان –حال توليها الحكم- ستتكمل أهداف جماعة الإخوان.. يتفقوا مع بعض أهداف الثورة نعم.. و خصوصا إسقاط نظام السابق بأكمله.. و لكن قد يختلفوا أو يتفقوا في باقي الأهداف التي الأهداف التي تراها أنت.. فالسؤال الذي يجب أن ترد عليه هو: هل أنت متفق مع أهداف جماعة الإخوان و بالتالي ستصوت لمحمد مرسي ضد شفيق؟
المقولة الخامسة: لن أنتخب الإخوان من أجل حماية حريات الأقباط: لا يقنعني هذا الشعار اطلاقا. أنا شخصيا لا أري خطورة علي الأقباط في حالة تولي الإخوان للحكم. و كل ما يتردد من كلام عن فرض الجزية أو اقصاء الأقباط من المشاركة تحت حكم الجماعة هو مجرد تخويف إعلامي لا يوجد ما يبرره علي أرض الواقع. فأولا..لم يعط النظام السابق المصريين الأقباط أي امتياز يذكروه بها (ولا المصريين المسلمين لو عايز الحق) .. حتي انتشرت نكتة تقول أن رجلا ذهب لحسني مبارك يسأله "هل من الممكن أن يصبح المسيحي وزيرا".. فأجاب بنعم طبعا و عندنا أمثلة.. ثم سأله "هل من الممكن أن يكون المسيحي رئيسا للوزاء".. فأجب "ممكن".. فسأله هل من الممكن أن يكون المسيحي رئيسا للجمهورية.. فانفعل مبارك قائلا: " ولا مسلم حتي يا ابن... ". فلنتذكر كيف تعامل النظام السابق مع حقوق المسيحيين في بناء الكنائس -أو حمايتها من العنف- أو توليهم للمناصب العليا في الدولة (أو حتي الوظائف العادية كعميد كلية) أو محاكمة من قتلوا أبنائهم.. لقد تعامل النظام السابق مع المشاكل الحقيقية لأقباط مصر بمنطق الخائف من رد فعل المتشددين المسلمين فمالت الكفة في غير صالح الأقباط.. هل يصبح هذل النظام إذا جديرا بالوقوف لجانبه في شكل استمراره عن طريق انتخاب أحمد شفيق؟
سيقول المختلفون مع هذا الرأي "و لكن الأقباط سيعانون أكثر في حالة تولي الإخوان".. و هذا تخوف مشروع و له وجاهته.. لكن دعونا ندرس هذه المقولة قبل أن نعتبرها حقيقة .. من قرأ برنامج "النهضة" لن يجد ما يربطه بالشريعة الإسلامية سوي تشجيع البنوك الإسلامية (موجودة الآن أصلا) و إحياء الوقف الشرعي (فكرة ممتازة مطبقة في أميركا أكثر من مصر) و تشجيع الزكاة و نشر مباديء بر الوالدين و ترسيخ قيم العفة والحياء في الإعلام وإعلانات الشوارع. هذا علي سبيل الحصر لا المثال.. و أتحدي أن يجد أي قاريء لبرنامج النهضة أي مثال إضافي له علاقة بالشريعة الإسلامية. ثم إن إدراك جماعة الإخوان لهذا التخوف داخليا –بل و آثاره عليهم خارجيا من الدول الغربية خصوصا الدول المقرضة- سيجعلهم دائما تحت ضغط محاولة الدفاع عن نفسهم بإثبات "حسن نواياهم".. و بالتالي سيضطروا في الحقيقة للمبالغة أنهم عكس ما يتردد عنهم.. و بالتالي سيكتسب الأقباط حقوق لم تكن في متناولهم أثناء عهد مبارك.. و علي العكس.. فإن تخوف مبارك وتردده الدائم في اعطاء حقوق الأقباط لهم خوفا من "الإسلاميين" سيتنهي تماما عندما يتولي "الإسلاميون" نفسهم الحكم.. لأنهم لن يخشوا من يزايد عليهم أصلا.. و بالتالي أنا أستبعد هذا التخوف من المعايير الموضوعية للإختيار.
المقولة السادسة: لن أعطي صوتي لشفيق.. و صوتي لمرسي بضمانات: يندرج هذا الرأي في نظري تحت بند "الكلام الفارغ".. و يندرج أيضا تحت بند الكلام "المايع" عندما يأخذ شخص موقفا غير راض عنه و لكنه يبرره لنفسه أنه موقف وسط.. وأنا أستغرب أن يأتي هذا الكلام علي لسان أي شخص سياسي. في البداية قوة أي فرد في المفاوضات هي قدرته أن يرفض الإتفاق و يذهب للخصم الآخر لو أعطاه ما رفضه الطرف الأول.. أما أن تعلن من البداية أنك لن تدعم شفيق ثم تذهب إلي الإخوان فأنت لا يوجد لديك ما تفاوض عليه أصلا.. أنا أفهم أن تذهب إلي أحمد شفيق و تطلب قائمة طلبات مقابل دعمه و تفعل نفس الشيء مع محمد مرسي.. و تدعم بعد ذلك من يوافق علي مطالبك.. أما أن تذهب فقط لمحمد مرسي و تعلن أنك لن تعطي صوتك أبدا لأحمد شفيق فأنت في موقف تفاوضي ضعيف جدا.
ثم أنني شخصيا لا أضمن أي تعهد تقوم به جماعة الإخوان و القصة معروفة منذ تعهدات"سننافس علي 30% من البرلمان" و "اللجنة التأسيسية للدستور ستقوم بتمثيل الجميع" و "لن نرشح رئيسا من الجماعة".. جماعة الإخوان لا تجد أي حرج في أن تغير مواقفها التكتيكية عندما تتغير الظروف.. أضمن منين أي تعهد جديد؟
ملخص الجزء الأول
حاولت في الجزء الأول أن أوصل ثلاثة أفكار.. هم باختصار:
1- يجب علينا أن نشارك حتي نختار الأنسب أو نطرد الأسوأ
2- أن قرار التصويت يجب أن يكون منطلقا من اختيار الأنسب للمستقبل و ليس انتقاما من الماضي
3- حاولت تفنيد بعض الأفكار المنتشرة الآن و التي أراها غير موضوعية و لا تصلح كمعايير للإختيار.
في الجزء الثاني إن شاء الله سأحاول طرح بعض المعايير للمناقشة.. أظن أنها محورية في المقارنة بين الإختيارين المريرين من منطلق الأنسب أو الأقل ضررا للمستقبل. و الله أعلم.
حازم هلال- 28 مايو 2012
No comments:
Post a Comment