Wednesday, September 7, 2011

طبيعة الأزمة المالية العالمية 2009 وأسبابها الجوهرية


طبيعة الأزمة المالية العالمية 2009 وأسبابها الجوهرية

يقتضي الفهم الدقيق للأزمة العالمية الراهنة التي ضربت قلب النظام الرأسمالي العالمي، والآخذة في الامتداد إلي كل أعضائه وأطرافه، أن توضع هذه الأزمة في السياق التاريخي المناسب، أي في سياق التطور العام للنظام الرأسمالي منذ نشأته. وفي هذا الصدد من المفيد ذكر سبع نقاط، وذلك علي النحو التالي:

1- الأزمات نتاج بنيوي للرأسمالية
إن الأزمات ليست شيئاً طارئاً أو استثنائياً في حياة الرأسمالية فمن طبيعة الاقتصاد الرأسمالي توليد الأزمات. ولذا فإن الأزمة الحالية ليست هي أول أزمة تصيب النظام الرأسمالي، وقد لا تكون آخر أزمة يتعرض لها. ذلك أن جذور الأزمات كامنة في بنية الرأسمالية، أي أنها كامنة في خصائص الأسواق الحرة وخصائص المنظم الرأسمالي وسعيه الدائب لتحقيق أقصي ربح. وهذه الأزمات هي النتاج الطبيعي لما يعتمل في النظام الرأسمالي من تناقضات، أبرزها التناقض بين العمل ورأس المال، والتناقض بين قوي الإنتاج وعلاقات الإنتاج، والتناقض بين البنية التحتية للنظام وبنيته الفوقية. وفي الزمن الحديث أضيف لهذه التناقضات تناقض جديد، ألا وهو التناقض بين القطاع المالي والقطاع الحقيقي للاقتصاد الرأسمالي، أي التناقض بين عمليات التمويل وعمليات الإنتاج المادي. ولهذا التناقض صلة مباشرة وقوية بالأزمة الراهنة علي ما سيأتي بيانه.
إن من السمات الرئيسية للاقتصاد الرأسمالي تقلب أحواله بين انتعاش ثم ازدهار من جهة، وبين انكماش ثم ركود ثم كساد من جهة أخري.ومن المعتاد اعتبار أن الحالات الأخيرة هي التي تعبر عن وقوع النظام في أزمة. وربما تكون حدة التقلبات الدورية للنظام الرأسمالي قد خفت مع شيوع تطبيق السياسات الكنزية في أعقاب الكساد الكبير في أواخر العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين، أي شيوع سياسات تدخل الدولة في الاقتصاد الرأسمالي لضبط حركة الأسواق والتعويض عن فشلها في استعادة التوازن، ولسد الثغرات التي تنشأ عن النظرة الفردية للنشاط الاقتصادي وغياب النظرة المجتمعية. إلا أنه مع التراجع عن هذه السياسات منذ أواخر السبعينات من القرن العشرين، وكذلك التراجع عن مفهوم دولة الرعاية (أو دولة الرفاهية بحسب التعبير الشائع) الذي ظهر بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، وحلول فلسفة الليبرالية الاقتصادية الجديدة وبروز ظاهرة العولمة، عادت هذه التقلبات للظهور بشكل أكثر حدة، وتكررت الأزمات علي فترات متقاربة مع اشتداد وطأتها.
وتشير الدراسات المتاحة إلي أن الاقتصاد الأمريكي قد تعرض منذ أواخر أربعينيات القرن العشرين إلي عشر أزمات انكماش أو ركود، بمعدل أزمة كل ست سنوات، وكانت الأزمة تستغرق نحو عشرة شهور في المتوسط. ومن أسوأ هذه الأزمات أزمة 1973 -1975 وأزمة 1981- 1982 التي استمرت كل منهما ستة عشر شهراً. وإذا أضفنا إلي هذه الأزمات ما يتعرض له باقي النظام الرأسمالي من أزمات، كأزمة نظام النقد الأوربي في 1992 وأزمة المكسيك في 1994 -1995 والأزمة الآسيوية في 1997 والأزمة الروسية والأزمة البرازيلية في 1998 -1999، وأزمة الأرجنتين في 2001، لاتضح لنا مدي انكشاف وهشاشة النظام الرأسمالي، أي شدة تعرضه للوقوع في الأزمات الاقتصادية. أما الأزمات المالية عموماً، والمصرفية خصوصاً، فهي أكثر تكرراً. وقد أحصت دراسة حديثة لصندوق النقد الدولي 124 أزمة مصرفية حادة (يطلق عليها: أزمة منظومية ) خلال 37 سنة من 1970 حتي 2007.
الأزمة الراهنة إذن ليست إلا حلقة في سلسلة طويلة من الأزمات التي يولدها النظام الرأسمالي من داخله -ولا يتعرض لها من خارجه. ولذا فهي لم تكن أزمة مفاجئة ولا ظاهرة غريبة لمن درس تاريخ هذا النظام. وهذه حقيقة لاينكرها حتي أكثر أنصار الرأسمالية تشدداً. فهم يقررون أن "الرأسمالية قد ولدت الأزمات علي الدوام، وسوف تولد المزيد منها مستقبلاً". بعبارة أخري، لم يستطع النظام الرأسمالي، بالرغم من تقلبه بين الحرية والقيود، أن يقضي علي هذه الأزمات. ولذا فلم يعد من الوارد عند أنصار الرأسمالية استهداف منع وقوع الأزمات. بل الوارد فقط هو إدارة مثل هذه الأزمات عندما تقع إدارة ذكية. ومغزي هذا الاستنتاج هو أنه ليس من المتصور الخلاص من الأزمات مع الاحتفاظ بالخصائص الجوهرية للاقتصاد الرأسمالي. وبمفهوم المخالفة يصبح الاستنتاج المقابل هو أن الخلاص من الأزمات رهن بالتحول إلي نظام اقتصادي بديل ذي سمات مغايرة للنظام الرأسمالي، وهو -من وجهة نظري - النظام الاشتراكي.
2- الرأسمالية لا تصحح نفسها بنفسها

يشير تاريخ الرأسمالية إلي أنها إذا كانت قد استطاعت أن تجدد نفسها، إلا أنها لا تقدر علي تصحيح نفسها بنفسها. وغير صحيح أن الرأسمالية لاتقع في الخطأ نفسه مرتين، كما تقول الإيكونوميست. بل إن الشواهد التاريخية كثيرة علي أن الميل إلي التراكم والتوسع من السمات البارزة للأزمات، لاسيما في الاقتصادات المتقدمة. فالأزمات التي تبدو صغيرة عندما تقع، لاتلبث أن تتراكم آثارها بمرور الزمن لتنتج أزمة كبري بعد حين. والأزمة التي تنشأ في موقع معين من الاقتصاد لاتلبث أن تنتشر وتصيب مواقع أخري فيه، وذلك بحكم الترابطات بين مختلف المجالات واي المالية والاقتصادية.
إن الأزمة الحالية نشأت كأزمة تمويل عقاري نتيجة للإفراط في الإقراض مع عجز متزايد لدي المقترضين علي السداد. ولكنها سرعان ما تحولت إلي أزمة ائتمان، وسرعان ما تحولت أزمة الائتمان إلي أزمة مصارف وأزمة بورصات، وذلك مع تعثر البنوك وميل أسعار أسهمها للانخفاض، وانتقال العدوي إلي أسهم ومؤسسات مالية كثيرة. ومع اشتداد التعثر في عدد من المؤسسات المالية شاملة صناديق الاستثمار وشركات التأمين، دخلت الأزمة مرحلة جديدة بإشهار إفلاس بعض هذه المؤسسات، أو عقد صفقات لشراء الشركات القوية للشركات الأضعف، عادة بتدخل حكومي ومساهمات مالية حكومية. ومع اهتزاز البورصات واهتزاز الوضع المالي للمؤسسات المالية، امتدت الأزمة لي الإنتاجية. التي باتت محرومة من الائتمان الضروري لتشغيلها. وهكذا، بعد أن كانت الأزمة مجرد أزمة مالية، فإنها قد تحولت إلي أزمة اقتصادية شاملة تنذر بركود أو كساد اقتصادي ذي عواقب اقتصادية واجتماعية خطيرة، خاصة أن هذه الأزمة وقعت في وقت تباطأ فيه نمو الاقتصادين الأمريكي والعالمي.
3- من التحرير المالي إلي اقتصاد الكازينو
إن تأمل المرحلة الأحدث في تطور الرأسمالية العالمية -مرحلة العولمة الليبرالية عموماً، والعولمة المالية خصوصاً - يبين أن الأزمة الراهنة ليست إلا الحصاد المر لمحصول وضعت بذوره في التربة الرأسمالية في مطلع السبعينيات من القرن العشرين. فالبداية الحقيقية للمشاهد التي نراها الآن كانت مع التحول إلي تعويم العملات في 1971 عندما قررت الإدارة الأمريكية وقف قابلية الدولار للتحويل إلي ذهب، وذلك تحت وطأة العجز التجاري الضخم والتكاليف الباهظة لحرب فيتنام. فقد وضع هذا التحول حداً للنظام النقدي العالمي الذي رسمت معالمه في بريتون وودز عقب الحرب العالمية الثانية، والذي يقوم علي نظام أسعار الصرف الثابتة، ومن ثم لايتيح مجالاً واسعاً تقييد حركة انتقال رؤوس الأموال من بلد إلي آخر. وقد أدي نظام أسعار الصرف المعومة إلي فتح الباب أمام تحركات الأموال عبر الحدود. وكان لذلك تداعيات خطيرة، أهمها أنها فتحت الباب لعمليات مالية مستحدثة وأطلقت العنان لنمو قطاع مالي ضخم. وقد ازداد هذا القطاع تضخماً مع بروز فلسفة الليبرالية الاقتصادية الجديدة علي يد تاتشر وريجان واتسع نطاق تطبيقها في العالم في صورة الخصخصة وابتعاد الدولة عن التدخل في الأسواق، وإزالة القيود علي الائتمان وأسعار الفائدة، وكذلك إلغاء القيود علي أسعار الصرف وعلي تحركات الأموال عبر الحدود.ثم جاءت منظمة التجارة العالمية في مطلع التسعينيات لتعطي دفعة كبري لتحرير التجارة، ليس فقط في السلع، بل وفي الخدمات، بما في ذلك الخدمات المالية، وفي الاستثمار وحركات رؤوس الأموال عبر الحدود.. إلخ.
فمع تعويم العملات وجدت الشركات التي تقع عليها التزامات بعملة ما وتستحق لها إيرادات بعملة أخري، أنه يجب عليها التحوط ضد مخاطر التقلبات في أسعار الصرف. وظهر ابتكار مالي جديد وهو العقود المستقبلية في العملات، الذي يعتبر المقابل للعقود المستقبلية في السلع التي لجأ إليها المزارعون منذ أكثر من قرن للتحوط ضد تقلبات أسعار محاصيلهم. وما المشتقات التي يكثر الحديث عنها الآن سوي صور أحدث للعقود المستقبلية. فمضمون هذه العقود واحد، وذلك علي اختلاف صورها من عقود بيع بالهامش وخيارات ومبادلات وتوريق وغيرها، وهو الاتجار في المخاطر، وهدفها واحد وهو توزيع المخاطر والتحوط والتأمين ضد ما قد يترتب عليها من خسائر.
ومع تحرير أسعار الفائدة وإزالة القيود علي الائتمان، اتسع نطاق الإقراض، لاسيما الإقراض لشراء المنازل وكذلك لشراء السلع الاستهلاكية المعمرة وغير المعمرة، خاصة مع انتشار استعمال البطاقات الائتمانية. ومع اتساع سوق الائتمان ودخول أعداد كبيرة من الأفراد كمقترضين، ومع الإغراء الكبير للأرباح التي يمكن جنيها من جانب للبنوك وشركات التمويل العقاري وشركات إنتاج السلع والخدمات، حدث تساهل في منح القروض، ازدادت معه المخاطر، واتسع معه نطاق اللجوء إلي وسائل التحوط والتأمين ضد مخاطر عجز المقترضين عن سداد ديونهم. كما كان من نتائج هذه التطورات ازدياد مخاطر اتساع نطاق التعامل في هذه الوسائل التأمينية ذاتها. ذلك أن التعامل في المشتقات وما إليها يتجاوز المخاطرة إلي المقامرة، وقد تحول معه القطاع المالي في الدول المتقدمة وفي الأسواق الناشئة (لاسيما في آسيا ) إلي صالة كبيرة للقمار. ومن هنا الحديث عن طغيان ثقافة "اقتصاد الكازينو". فالتعامل في هذه الوسائل يقوم في الغالب علي بيع الشخص ما لايملك، أو شرائه شيئاً ما بدفع جزء ضئيل من قيمته، علي أمل تسوية المراكز المالية مستقبلاً إذا جاءت الرياح بما تشتهي السفن من ربح وفير.
ومما يسترعي الانتباه أن هذه العقود الغريبة لم تعد تنصب علي مخاطر الاتجار في السلع أو الأسهم أو السندات، بل انها امتدت إلي المخاطر المتعلقة بالديون العقارية وأنواع أخري كثيرة من الديون، والرهان علي تقلبات أسعار الصرف وأسعار الفائدة وتقلبات مؤشر البورصة، بل وعلي تقلبات مؤشر الطقس. ولما كان كل عقد من هذه العقود يحمل مخاطرة، فإنه يمكن أن يبني عليه عقد جديد للتحوط ضد مخاطر العقد الأصلي، وهذا العقد الجديد يمكن أن يقود إلي عقد جديد آخر، وهلم جرا. وهكذا يتضخم ما بدأ صغير الحجم، وتلد العملية المالية الصغيرة الواحدة عمليات مالية متعددة. وهذا التطور يصدق عليه تماماً القول الشعبي: "يعمل من الحبة قبة"!
4- بروز تناقض شديد بين القطاع المالي والقطاع الحقيقي
لقد ترتب علي هذا التضخم في القطاع المالي نشوء شبكة معقدة من المعاملات المالية بين كيانات مالية عملاقة من حيث الحجم، ومركبة من حيث النشاط، حيث إنها تمارس أنشطة شديدة التنوع وشديدة التداخل فيما بينها في آن واحد.وهذه الشبكة تضم أطرافاً كثيرة، أبرزها البورصات والبنوك التجارية وبنوك الاستثمار وشركات التأمين وصناديق الاستثمار وصناديق التقاعد وشركات السمسرة والتحوط ضد المخاطر ومؤسسات تقييم المخاطر وقياس الجدارة الائتمانية وإجراء التصنيف الائتماني للشركات وبيوت تقديم الاستشارات وإجراء الدراسات وشركات المحاسبة الكبري. ومما يزيد الأمور تعقيداً أن قسماً ضخماً من التعاملات يتم خارج الأسواق المنظمة، حيث يتم التفاوض عليها والاتجار فيها مباشرة بين أطرافها وذلك دون المرور علي البورصة أو أي وسيط مالي. وهذه هي السمة الغالبة علي عقود المشتقات لاسيما عقود المبادلات والخيارات.
ومن الجدير بالذكر أن التعامل في هذا النوع من المشتقات هو أكبر سوق للمشتقات. وهو بالطبع بعيد عن الإشراف والرقابة والضبط.وقد قدر بنك التسويات الدولية حجم التعامل في هذا السوق وحده بنحو 600تريليون دولار في ديسمبر 2007، وهو ما يصل إلي 11 ضعف الدخل العالمي (حوالي 45تريليون دولار) و15 ضعف دخل الدول الغنية (حوالي 39 تريليون دولار) في تلك السنة. ولعل هذا الرقم يوضح ما أشرنا إليه سابقاً من تضخم في القطاع المالي. فالواقع أن التوسع في القطاع المالي قد فاق كل حد معقول، بمعني أنه تجاوز الاحتياجات الواقعية للقطاع الحقيقي أو العيني من الاقتصاد (الإنتاج المادي) بمسافة بعيدة. والحق أن القطاع المالي قد انفصل عن القطاع العيني، وصار له وجود مستقل، يدور فيه المال دورات متعددة لا تخدم الإنتاج من قريب أو بعيد،وإنما تخدم أغراض المضاربين والمقامرين المتعطشين للأرباح الضخمة دون جهد، بل دون التنازل عن الكثير من أرصدتهم النقدية. وهو ما يدخل في باب الكسب الطفيلي. ومن هنا يظهر ما سبق ذكره أن الرأسمالية قد أضافت إلي تناقضاتها المعروفة تناقضا جديداً هو التناقض بين عالم المال وعالم الإنتاج. وهذا التناقض من أبرز أسباب الأزمة الراهنة.
5 -الأزمة أمريكية المنشأ.. عالمية المآل

مع دخول الرأسمالية حقبة العولمة، اشتد تحرير اقتصادات العالم وانفتاحها علي بعضها البعض وتزايد نفوذ الشركات متعدية الجنسيات في الكثير من الاقتصادات، ومع تضخم القطاع المالي وانفتاح البورصات في الكثير من دول العالم علي بعضها البعض، وتشابك المعاملات التجارية والمالية عبر الحدود، لم يعد من المتصور انحصار آثار أي أزمة في الاقتصاد الذي ولدها. بل إن عدوي الأزمة سرعان ما تنتشر وتصل إلي اقتصادات كثيرة في العالم. وهذا هو واقع الحال مع الأزمة الحالية التي بدأت في أمريكا وما لبثت أن امتدت إلي باقي دول العالم، وإن بدرجات متفاوتة الشدة.
لقد صار انتشار عدوي الأزمات أمراً محتوماً، وذلك بحكم التشابك الشديد بين أسواق المال وضخامة حجم الأموال التي تنتقل فيما بينها بسرعة فائقة بفضل التطورات المذهلة في دنيا التكنولوجيا والمعلوماتية، وبحكم غياب أو تقلص الحواجز التي كانت تحول دون تسرب الصدمات الاقتصادية من اقتصاد ما إلي بقية اقتصادات العالم، أو التي كانت تخفف من حدتها علي الأقل. وقد ازدادت احتمالات وقوع الأزمات وسرعة انتقالها عبر الحدود مع رواج الليبرالية الاقتصادية الجديدة، وما ترتب عليه من إطلاق العنان لحركة الأسواق والقطاع الخاص دون إشراف أو رقابة من الدولة، إلا فيما ندر. فبنوك الأعمال والاستثمار التي تقوم بعمليات شراء الديون والاتجار فيها من خلال التوريق لاتخضع في الولايات المتحدة لرقابة البنك المركزي الأمريكي (الاحتياطي الفيدرالي). كما أن بعض المصارف تخضع لقواعد السلامة والأمان المقررة في اتفاق بازل (2) بينما لايخضع لها البعض الآخر.
لقد تراخت إجراءات الضبط والرقابة المالية تحت تأثير الثقة المفرطة في اقتصاد السوق، والاعتقاد في قدرة الأسواق علي تصحيح نفسها بنفسها؛ وهو ما أثبتت الأحداث فساده. وسادت الأسواق عموماً وأسواق المال خصوصاً درجة غير مسبوقة من الانفلات والشطط الذي تجلي في الأزمة الأخيرة في أوضح صوره في سلوك المتعاملين في البورصات. وقد شجع علي هذا السلوك المنفلت السماح بما أشرنا إليه سلفاً من تعاملات خارج الأسواق المنظمة، أي في أسواق لا رقيب عليها ولا ضابط لها.كما شجع عليه أن قسماً ضخماً من المعاملات المالية الدولية صار يمارس من خلال المناطق الحرة المالية غير الخاضعة لأي سلطة إشرافية أو رقابية. كما أن أحجاماً كبيرة من التعاملات المالية تجري خارج موازنات المؤسسات المالية. ومن ثم بعيداً عن الرقابة، وهو ما يتعذر معه معرفة المراكز المالية الحقيقية لهذه المؤسسات

No comments: