Wednesday, October 26, 2011

جمال البنا يكتب :الكونفيدرالية هى الحل

 إن نجاح الثورة فى مصــر وليبيـا جعل المسرح مهيأ اليوم كما لم يتهيأ من قبل إن ليبيا الخارجة من حكم جثم على صدرها أربعين عاماً أهمل القذافى فيها إصلاح البلاد، وأنفق عوائد البترول على نزواته وترك وطنه جاهلاً، وكان يمكن لليبيا أن تكون من أكثر الشعوب تقدماً ورخاءً وازدهاراً.إن ليبيا اليوم تواجه مشاكل لا حصر لها، ولا أحد يقف معها إلا «الناتو» الذى دمر المرافق العامة والبيوت وهو يستعد ليرسل
مندوبى الشركات الكبرى لبناء ليبيا حتى يستصفى بترولها، لا تجد ليبيا من يقف بجانبها فى حين تلاصقها دولة ليست غريبة عنها، إنها تشاركها التاريخ والدين واللغة ولديها إمكانات ضخمة من الفنيين من مهندسين أو معلمين أو أطباء أو خبراء.. إلخ، فهل يتصور ألا نتقدم وأن يظل الوضع هكذا حتى تأتى الشركات عابرة القارات فتستخرج البترول وتحرم ليبيا؟! إن ما تريده ليبيا هو العنصر الإنسانى، وهذا العنصر الإنسانى متواجد فى مصر.
ولكن مصر لها مشاكلها.. فسكانها يتزايدون بنسبة كبيرة، حتى أصبح لديها فائض من السكان لا تدرى كيف تستغله، ولديها نقص فى البترول تضطر لاستكماله بدفع الثمن الدولى له.
كيف يمكن أن توجد دولة تشكو من زيادة السكان وأخرى تشكو من نقصه، دولة يتوفر فيها أفضل بترول ودولة معدومة البترول؟! وحدودهما متلاصقة كأنه لا حدود.
أفلا تملى علينا البداهة والمصلحة أن يتعاون الطرفان بحيث يتحقق لكل منهما ما يريد دون أن يخسر، بل لكى يكسب؟!
وفى السودان المجاور ملايين الفدادين من الأرض الخصبة تنتظر من يأتى فيجعلها سلة غذاء للشعوب، ولكن أين الرجال؟ أين المال؟ أين البترول؟ إن مصر التى لا تزرع سوى واحد على أربعين من أرضها والتى تتفتت الملكية الزراعية إلى فدان ونصف فدان، بينما يمكن لليبيا ومصر أن تحل مشاكلها، فما ينقص واحدة يفيض لدى الأخرى، بل أن يتوسطا للصلح فى دارفور وغيرها وبذلك تتخلص السودان من مشكلتها السياسية وتستقبل النهضة الاقتصادية.
ما الذى يحول دون أن يتحقق هذا؟ وتحل الدول الثلاث مشاكلها ما بينها، لأن فى الواحدة ما ينقص الأخرى؟
الحدود السياسية هى التى تفصل وهى التى لا تجعل أفرادها يتلاقون ولا التكامل الاقتصادى يتحقق.
من وضع هذه الحدود الظالمة؟ الاستعمار أم الحكام أم الشيطان؟ ولماذا نبقى عليها ونحرم أنفسنا طيبات هذا المثلث (مصر.. ليبيا.. السودان)؟
إن اتفاقية كونفدرالية بين هذه الدول تحل كل هذه المشكلات لتلك الدول الثلاث وتحفظ لكل واحدة استقلالها الذاتى وتحمى حدودها القومية ويكتمل استقلالها الاقتصادى ويرأسها كل دورة واحد منها.
قال شاعر يتهكم على العيس:
كالعيس فى البيداء يقتلها الظمأ               والماء فوق ظهورها محمـول
إننا لسنا أفضل من هذا «العيس».. فى حين أننا لو أقمنا دولتنا لعملت كل دول المنطقة المتفتتة الممزقة على التوحد، فنجد منطقة الخليج والسعودية واليمن فى دولة واحدة، ونجد سوريا والعراق فى دولة واحدة، ونجد تونس والجزائر والمغرب فى دولة واحدة، كل دولة تحتفظ باستقلالها وتحمى حدودها وتحقق لها التكامل الاقتصادى.
وتحقيق الاتحاد الكونفدرالى يحتفظ لكل دولة بشخصيتها واستقلالها الداخلى كاملاً، وموضوع المشاركة سيكون فى المجال السياسى وفى المجال الاقتصادى بما يحقق التكامل للدول الثلاث وتحقيق التنمية ورفع مستوى المعيشة، ويمكن أن يكون لكل دولة جوازها الخاص، على أن يكون من المباح السفر لمواطنى الدول الثلاث دون حاجة إلى تأشيرة، وكذلك تسعيرة تبادل البريد والمواصلات والاتصالات، وهذا كله يحقق مزايا الاستقلال الذاتى ومزايا المشاركة فى سد النقص فى دولة بفائض فى الدولة الأخرى.
وفيما أعلم فليس هناك من طريق للتقدم إلا هذا، لأن كل دولة فى المنطقة تعجز وحدها عن مجابهة تحديات الحداثة، واتحادها وحده هو الذى يحول دون أن يبتلعها «قرش» العولمة المتوحش الذى يحتفظ بخيراتها لنفسه، وليس لأى طرف آخر.

info@gamalalbanna.com

No comments: