Sunday, October 23, 2011

الفرق بين بيان الضباط الأحرارالذى بدأ بالعبارة الشهيرة «بنى وطنى» و بيان مبارك الذى تلاه عمر سليمان بادئا بعبارة «قرر السيد الرئيس»

قبل نقضاء 72 ساعة من حركة الضباط الأحرار كان الملك فاروق خارج البلاد، وفى 22 ديسمبر صدر قرار بإسقاط الجنسية المصرية عنه، تطبيقا لقانون الغدر، وبدأت الاحتياطات الأولى تتخذ لإعمال العدالة، من أول القرارات التى اتخذها الضباط الأحرار من منع مغادرة البلاد إلا بإذن خاص حتى لا يهرب المطلوبون للعدالة، كان ذلك يوم 29 يوليو، وفى اليوم التالى صدرت قائمة بأسماء الممنوعين من مغادرة البلاد، وفى اليوم السابق كان قد تم الإفراج عن المعتقلين السابقين من مدنيين وعسكريين، وتم فى الوقت نفسه اعتقال بعض رجال الملك مثل كريم ثابت مستشار الملك الصحفى، وإلياس أندراوس مستشاره الاقتصادى،
سبق ذلك الإجراء تحطيم جهاز مراقبة التليفونات الذى كان يستخدم فى التجسس لصالح القلم السياسى والقسم المخصوص.. وقبل نهاية الأسبوع الأول كان قرار قد صدر بحل القسم المخصوص بوزارة الداخلية وإلغاء أقسام القلم السياسى بالمحافظات. فى اليوم التالى تشكلت محكمة خاصة لمحاكمة الوزراء تضم ثمانية من مستشارى محكمة النقض، تلا ذلك فى الرابع من أغسطس 1952 إصدار قانون تطهير الأداة الحكومية وإنشاء لجان لتطهير الوزارات، والمصالح العامة، والهيئات، والبحث والتحقيق فى الجرائم، والمخالفات التى وقعت فيها، كما صدر فى اليوم نفسه قانون الكسب غير المشروع والذى ألزم موظفى الدولة بتقديم إقرارات الذمة المالية، وتشكل مجلس لمحاكمة الموظفين المسؤولين عن المخالفات المالية، وبدأت التحقيقات فى مضاربات السلطة لصالح أصحاب النفوذ.. ومن ناحية أخرى صدر عفو شامل عما سمى جرائم العيب فى الذات الملكية، وفى السادس من أغسطس كان قد ألغى قانون حظر نشر أخبار القصر. هذه بعض الإجراءات الفورية التى اتخذها الضباط الأحرار فى أقل من أسبوعين فقط، لكن الأجهزة الأمنية التى حلها الضباط الأحرار فى الأسبوع الأول من سلطتهم حافظ عليها المجلس الأعلى حتى اقتحمها الثوار، وساعتها فقط صدر القرار بتغيير اسمها من أمن الدولة للأمن الوطنى دون المساس بالجلادين الذين ساموا الشعب سوء العذاب لعقود.. وتستمر جرائم شاهدها المصريون على شاشات التليفزين كأنها ألغاز وطلاسم عصية على العدالة مثل اصطياد القناصة للثوار، ودهس مصفحات الداخلية للمتظاهرين، وفتح السجون للمجرمين لترويع المواطنين، وحتى اغتيال ضباط الشرطة الذين رفضوا المشاركة فى الجريمة مثل محمد البطران، الذى يشتبه باغتيال الداخلية له.
فارق كبير بين الطريقة التى وصل بها الضباط الأحرار للحكم فى 1952 والطريقة التى آلت بها مقاليد الأمور فى مصر للمجلس الأعلى للقوات المسلحة فى 2011، فالجدل حول ما حدث فى يوليو ما زال دائرا يراه البعض ثورة، ويراه آخرون انقلابا عسكريا. بينما ما حدث فى 2011 يجمع العالم على أنه ثورة شعبية من أهم الثورات فى تاريخ العالم.. الضباط الأحرار الذين أطاحوا بالملك كان أكبرهم برتبة جنرال «لواء»، وكان القائد الفعلى مجرد بكباشى «مقدم»، وكانوا جميعا من صغار الضباط وأعمارهم فى أوائل الثلاثينيات. بينما المجلس الأعلى الذى نقل مبارك صلاحيته له بعد تخليه عن السلطة، لا يضم سوى كبار القادة. المجلس الأعلى سبق وصوله للسلطة ثورة الملايين واستشهاد المئات، بينما جاء الضباط الأحرار بهدوء أكثر، وعلى خلفية احتقان لم ينفجر، ورغم كل تلك الفروق وغيرها حظى الاثنان بنفس الحفاوة والتأييد من جموع المصريين والقوى السياسية. شرعية الضباط الأحرار حصلوا عليها عندما أشهروا سلاحهم فى وجه الملك، بينما شرعية المجلس الأعلى حصل عليها عندما التزم الحياد، وانعقدت الآمال على كل منهما فى التصدى لما عانى منه المصريون من استبداد وقهر وإفقار. فى 23 يوليو 2011 يمر على المجلس الأعلى للقوات المسلحة أكثر من 160 يوما فى اختبار السلطة، وهى ليست بالفترة الطويلة بالطبع، ولم يكن أحد ليتصور أن المجلس الأعلى يمتلك العصا السحرية التى يلبى بها كل مطالب المصريين بضربة واحدة. ما واجهه الضباط الأحرار بعد بيانهم، الذى بدأ بالعبارة الشهيرة «بنى وطنى»، كان يشبه إلى حد ما الذى واجهه المجلس الأعلى للقوات المسلحة، بعد بيان مبارك الذى تلاه عمر سليمان، بادئا بعبارة «قرر السيد الرئيس». كان الفساد مستشريا فى الواقع المصرى والاستبداد يعوق أى انفتاح سياسى وحفنة من الملاك يستحوذون على ثروات المجتمع فى حماية النفوذ السياسى، ورغم الفارق بين بلد تحتله القواعد العسكرية البريطانية وبلد يوصف بأنه حليف لواشنطن، فإن الوضعين طرحا قضية الاستقلال الوطنى بدرجات متفاوتة، كانت التركة ثقيلة فى المرتين والآمال كانت عظيمة أيضا والخصوم كانوا متربصين، واليوم بعد مرور ما يقرب من ستة أشهر على تولى المجلس الأعلى شؤون البلاد، لا يستطيع أحد الادعاء بأنها فترة طويلة كان يمكن أن ينجز فيها الكثير. مما يطمح إليه من خرجوا ثائرين فى وجه النظام المخلوع، ولكن يمكن أيضا النظر إلى ما أنجزه الضباط الأحرار فى الأشهر الستة الأولى من توليهم الأمر فى 1952 وحتى فى الأيام الأولى بعد 23 يوليو، خصوصا أن كلا منهما الضباط الأحرار والمجلس الأعلى قد جاءا إلى الحكم بلا راية سياسية محددة حزبية أو مذهبية، وكلاهما تحمل عبء أزمات صنعها نظام مخلوع، ولكن لم يتخذ كل منهما نفس الخطوات بنفس السرعة، سواء على صعيد السياسات الاقتصادية والاجتماعية، أو على صعيد السياسة الخارجية، أو على صعيد إعمال العدالة ومحاسبة النظام المخلوع.. نعم هى فترة قصيرة للغاية بالنسبة إلى أى نظام حكم حتى أكثرها ثورية. قصيرة بالقياس إلى حجم المهام والتركة الثقيلة، ولكنها كانت تبدو كافية للضباط الأحرار، ليعبروا بوضوح وحسم عن إرادتهم وتوجههم الحقيقى، وأيا كان الاختلاف حول وصف ما جرى فى يوليو 1952 وما آلت إليه الأحداث لاحقا، ورغم الموقف من بعض ما قام به الضباط الأحرار مثل محاكمة عمال كفر الدوار أمام القضاء العسكرى، وإعدام اثنين من قادة إضرابهم، فإن ما قاموا به فى الأيام الأولى بعد عزل الملك فاروق وطرده من البلاد بإرادة وانحياز واضحين، يؤكد أن ما يفتقر إليه المجلس الأعلى للقوات المسلحة اليوم وبعد أكثر من 9 أشهر مما قرره «السيد الرئيس» من تخليه عن منصبه، ليس المزيد من الوقت.


No comments: