فى كل دول العالم تُدار الانتخابات بالعقول إلا فى مصر فهى تدار بالبطون.. يفضل المرشح أن يخاطب «بطن» الناخب بديلا عن مخاطبة عقله.. السادة المرشحون المنتظرون على مستوى الجمهورية فضّلوا أن يفتتحوا دعايتهم الانتخابية مبكرا بتوزيع اللحوم، فمنهم من وزّع «الضانى» ومنهم من وزّع «الكندوز».. فيا ترى من يفوز الضانى أم الكندوز؟.. فى مصر يفضل المرشحون أن يتقدموا إلى الناخب بقائمة طعام وليس ببرنامج عمل.. عندئذٍ تصبح الكنافة بديلا عن الثقافة، والملوخية بديلا عن الديمقراطية.. وإذا كانت الحكومة مصممة على تطبيق قانون الطوارئ، فإن بعض المرشحين فى مصر مصممون على تطبيق «قانون المطابخ».. والناخب المسكين تضيع حقوقه السياسية بين قانون الطوارئ وقانون المطابخ، فقد أصبح المهم هو عدد «العجول» التى يذبحها المرشح وليس عدد «العقول» التى يخاطبها.. إن نواب البطاطين وعلب الأدوية قد يقدمون «الكراسات» و«الملايات» لكنهم لا يقدمون «الاستجوابات»، وهم السبب الرئيسى فى ضياع الفارق بين «البطاطا» وطلبات الإحاطة.
أبى الحبيب..
أكتب لحضرتك من تحت سماء القاهرة الكبرى، وبالتحديد من تحت كوبرى غمرة، حيث أنام وتمر من فوقى العربات دون أن تؤذينى بفضل دعائك لى.. أشكرك يا أبى لأنك علمتنى الاستقامة، لأن زملائى عديمى الأخلاق اشتغلوا وكسبوا وربحوا وتزوجوا واشتروا عربات لكن أنا، وبفضل الاستقامة التى تعلمتها منك يا أبى الحبيب، سأموت قريبا من الجوع، فشكرا لك وللسيد مدير الأمن.. هل تتذكر يا أبى أمنيتك لى عندما تخرجت فى الكلية أن أكون فى مركز يسمح لى بقضاء حاجات الناس.. الحمد لله أمنيتك تحققت وأصبحت أعيش تحت الكوبرى وحضرتك عارف الباقى..
أبى الحبيب..
فرص العمل هنا متوفرة جدا لدرجة أن ابن الوزير بيشتغل تسع شغلات، أربعة الصبح وأربعة بعد الظهر وواحدة وهوّه نائم.. أرجوك أطمئن يا أبى، أنا أول أول أول إمبارح أكلت فى الجامع وميعادى معاهم يوم الخميس اللى بعد الجاى آخد منهم بلحة كجرعة منشطة.. المهم إنتم ناويين تأكلوا إمتى بقى؟..
إمبارح فى الوسعاية اللى قدام الكوبرى انعقد مؤتمر الحزب الكبير لوضع قواعد وأسس جديدة للتسول وتشجيع الشباب على السرقة.. أحد السادة المارة من أعضاء الحزب الحاكم الله يستره -يستر الرجل وليس الحزب- أخد منى هدومى ليغسلها، لأنها لا تتمشى مع الإصلاحات الجديدة وحركة المحافظين، ووعدنى أن تعود إلىّ عندما يصدر بها قرار من الحاكم العسكرى، توجهت إلى عضو مجلس الشعب -عمال- ليحل مشكلتى فطلب منى مئة جنيه استشارة.. فتوجهت إلى عضو مجلس الشعب -فئات- فعرض علىّ أن أسافر إلى تركيا كل أسبوع لأحضر له شنطة سودة سيسلمها لى عضو فى البرلمان التركى كل أسبوع.. أرجوك يا أبى لا تقلق علىّ لأن فيه كلام.. بأقول فيه كلام مجرد كلام.. إننى ممكن فى حركة التنقلات الجديدة، أتنقل كوبرى الجيزة.. مجرد كلام بيتقال وربنا يعمل اللى فيه الخير.. أنا أعلم يا أبى كم ضحيت من أجلنا وأعلم أنك بعت أرضنا علشان تشرب بيها حشيش.. لكن تضحياتك وتضحيات الحكومة من أجلى لن أنساها.
اسمى «جلال» وفى البيت «المخفى»..
وأنا أول مواطن يدخل قسم الشرطة ويخرج حيا..
وأنا المصرى الوحيد الذى كتبت فى إقرار ذمتى المالية أن عندى «حصوة» فأنا لا أمتلك «سلسلة مطاعم» بل فقط «سلسلة ظهرى» وسلسلة كتب.
وحضرت عشرات المؤتمرات الثقافية تحت شعار «دع مئة مطواة تتفتح» ونجوت منها..
وأعرف أن 90% من جسم الإنسان ماء، لكنه يستطيع أن يفعل الكثير بالعشرة فى المئة الباقية..
عندى بطاقة تموين حمرا خالية من الدهون، لأن البقال كل شهر يسرق الزيت، ولا أصرف معاشا بسبب عيب خلقى وأخوض معكم حرب الثلاث وجبات.. وأرتدى بيجاما مخططة ولعلها الشىء الوحيد المخطط فى هذا البلد العشوائى، وأى تغيير فى لون البيجاما أبلغ عنه فورا شرطة المصنفات..وأؤمن أن أعظم كاتب فى البلد هو «المأذون»، وأن مصر بخير ولا ينقصها إلا أكلة «جنبرى» على البحر..
وأحفظ برنامج السيد الرئيس فى درجة حرارة الغرفة، وأعرف أن الحياة بدأت بضربة جوية وسوف تنتهى بضربة أمنية، لذلك لا أحب الصراعات، والمرة الوحيدة التى تصارعت وتدافعت فيها فى الطابور ونجحت فى الحصول على خبز سحبوه منى بحجة أننى أتعاطى منشطات..
أعشق أخلاق زمان عندما كنت طفلا وأرى صاحب أبى ولو على بعد كيلومتر فأجرى وأعزم عليه بسيجارة..
الآن أصبحت القرى السياحية أكثر من القرى الزراعية.
No comments:
Post a Comment