Wednesday, July 23, 2014

الجنون العام طابع هذا الإنسان العاقل اللامعقول اللغز من كتاب / الشيطان يحكم الدكتور مصطفى محمود


ليس هناك أغرب من عادة شرب الدخان ..

أن يصرف رجل عاقل نقوده في إحراق بعض المخلفات و استنشاق دخانها اللاسع الخانق الكريه .يدخن و يسعل و يبصق .. ثم يعود فيبتلع الدخان و يسعل و يبصق .. و يقول بصوت أجش مشروخ إنه يشكو من برد مزمن ، و إنه لهذا السبب استبدل الدخان الإنجليزي بالدخان التركي !
ثم ينفث حلقات الدخان و هو يحملق في الفراغ و فمه مفتوح ، و قد وضع ساقاً على ساق ، و سبح بخياله في حالة انعدام وزن لا يفكر في شيء .. مشهد كاريكاتوري من مسرح لا معقول .

قصة بلهاء من خمس دقائق تبدأ بشطة عود كبريت ، ثم حركات استعراضية من رجل عجيب يأخذ أوضاعاً بهلوانية في كرسيه و يسترخي و يسرح و يشفط و ينفخ و يسعل و يبصق .

و نفهم من القصة أنه يدفع من قوته و قوت عياله في سبيل هذا الدخان ..
ثم يعود فيدفع مرة أخرى ليعالج نفسه من هذا السعال و الدخان ..
ثم يعود فيدفع مرة ثالثة لينظف أسنانه من أوساخ هذا الدخان ..

ثم يروي لنا أنه قرأ في المجلة عن تسبب التدخين في السرطان و في نفس الصفحة قرأ إعلانات عن فوائد التدخين .

فإذا سألته و ماذا ستفعل ؟

قال لك سأستبدل لفافة التبغ بالسيجار ، أو السيجار بالشيشة ، أو الشيشة بالجوزة !

و تراه يصوم عن الطعام و لا يستطيع أن يصوم عن السيجارة ..
و تراه يستمر في هذا الإنتحار الصغير كل يوم فيلقي بنقوده و صحته في البحر ، و يقف يتفرج على الإثنين يغرقان و هو يسعل و يبصق و يلهث ..

رجل مخبول تماماً ..

و لكن هذا المخبول هو كل الناس ..

كل الناس ينتحرون لسبب غير مفهوم ..

العملة الصعبة التي تنفق في استيراد التبغ و السيجار و المعسل في العالم كافية لحل مشاكل المجاعة و الفقر و الجهل و المرض ..

و الإنسان المجنون ابتكر وسائل انتحار أخرى .. غير التبغ ، مثل الأفيون ، و الحشيش ، و الكوكايين ، و الهيرويين ، و عقار الهلوسة و الخمور بأنواعها .. و لم يكتف بهذا فاخترع أسلحة القتل السريع الأكيد مثل الرصاصة ، و القنبلة ، و الغاز السام .

ثم عاد فابتكر الأعذار و المبررات الجاهزة للقتل .. مثل الصراع الطبقي و تغيير التاريخ ، و إنقاذ الحرية !

و الحرية ذاتها كانت دائماً هي المخدر الأكبر ..
المدخن يقول لك : أنا أدخن لأني حر .
و مدمن المخدرات يقول لك : أنا حر .
و الذي يطلق أول رصاصة يطلقها ليكون حراً
و دائماً الحرية هي أول ما تجهز عليه هذه الأسلحة ..
و دائماً الحرية هي الضحية ..
و الإنسان القاتل و المقتول هما الضحية ..
و الجنون العام هو الحقيقة ..






No comments: