Monday, December 22, 2014

الحلو والمر فى الحصاد الاقتصادى لعام 2014


أحمد السيد النجار
أيام قليلة وتطوى صفحة عام 2014 بما يفتح الباب لجرد حصيلته الشاملة على جميع الأصعدة. وينقسم هذا العام إلى نصفين: الأول كان فى ظل رئاسة الرئيس المؤقت المستشار عدلى منصور، والثانى فى ظل رئاسة الرئيس المنتخب عبد الفتاح السيسي.
 كما أن حكومة د. حازم الببلاوى كانت فى الحكم فى الربع الأول من العام، بينما أكملت حكومة المهندس إبراهيم محلب باقى العام. وسوف يتم التركيز على الحصيلة الاقتصادية-الاجتماعية لعام 2014، باعتبار أن معالجة القضايا الاقتصادية والاجتماعية كانت موضع آمال الشعب المصرى منذ إزاحة حكم الإخوان قبل عام ونصف بكل ما انطوى عليه ذلك الحكم من فشل وتدن للكفاءة واستمرار للانحيازات الاجتماعية الظالمة لنظام الديكتاتور المخلوع مبارك.

وفى هذا التقييم للحصاد الاقتصادى والاجتماعى لعام 2014 سوف يتم عرض وتحليل البيانات الرسمية الصادرة عن الجهاز الاحصائى للدولة، والبيانات المنشورة فى التقارير الدورية للمؤسسات الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين وكلها مأخوذة من البيانات الرسمية المصرية...

تطورات إيجابية للأجور والتحويلات والضرائب والمشروعات الصغيرة
شهد عام 2014 بدء تطبيق الحد الأدنى للدخل الشامل للعاملين لدى الدولة والمحدد بـ 1200 جنيه شهريا. وبغض النظر عن مدى شمول تطبيقه فى قطاعات الدولة المختلفة، فإنه لم يطبق على العاملين فى القطاع الخاص وهم الغالبية الساحقة من قوة العمل المصرية أو أكثر من ثلاثة أرباعها. ونظرا لأن الحد الأدنى للأجر هو حد مطلق وشامل فى أى اقتصاد، فإن ما حدث فى مصر هو إجراء جزئي، وليس إصلاحا شاملا لقضية الحد الأدنى للأجر. وينبغى أن يتم تحديد واضح للحد الأدنى للأجر الأساسى لكل العاملين فى الدولة والقطاع الخاص، وأن يتم النص فى قانون جديد للأجور على تغير الحد الأدنى للأجر سنويا بنفس نسبة معدل التضخم لضمان عدم تآكل قدرته الشرائية.
كما أن هذا الإصلاح الجزئى لنظام الأجور لم يقترن بأى شكل من أشكال إصلاح نظام العمل بالذات فى الجهاز الحكومى الذى يضم أكثر من ستة ملايين موظف. فما زال التسيب وتضييع وقت العمل فى تناول الطعام والنميمة والوضوء والصلاة، وما زال تدنى الكفاءة وعدم احترام الجمهور هو السائد فى هذا الجهاز. وكان من المفترض أن يقترن أى إصلاح لنظام الأجور بوضع ضوابط صارمة فى العمل وخدمة الجمهور. ومن بين تلك الضوابط أن يتم تخصيص ساعة لتناول الطعام والصلاة، وإضافة ساعة عمل بدلا منها، لإنهاء سوء استخدام موظفى الدولة لمسألة تناول الطعام والصلاة فى تضييع وقت العمل بصورة ابتزازية.

وفى إطار الإصلاح الجزئى لنظام الأجور تم فرض حد أقصى للأجر بالنسبة للعاملين لدى الدولة. وتم تحديده بـ 35 مثل الحد الأدنى البالغ 1200 جنيه شهريا، أى 42 ألف جنيه شهريا. وهذا الإجراء هو أحد إجراءات تقليل الفوارق بين الطبقات وتحقيق العدالة الاجتماعية، ومن المهم التأكيد على ضرورة تطبيق قرار الحد الأقصى للأجر على كل العاملين لدى الدولة من القضاء، وهيئة قناة السويس، والهيئة العامة للبترول وكل شركاتها، والبنوك العامة، والأجهزة الأمنية، والجيش، والصحف القومية.
وإذا كانت الأجور قد تحسنت فى السنوات الماضية، وتم وضع حدين أدنى وأقصى لدخول العاملين لدى الدولة فى عام 2014، فإن هناك ضرورة لوضع توصيف مهنى ووظيفى يتم على أساسه تحديد الأجور بعدالة للقائمين بنفس الوظيفة لدى الدولة أيا كانت الوزارات التى يعملون بها، بدلا من التفاوت الهائل بينهم فى الوقت الراهن.

أما بالنسبة للتطورات فى نظام التحويلات الاجتماعية فإنه فى إطار الموازنة العامة للدولة للعام المالى 2014/2015، رصدت الحكومة 10.7 مليار جنيه لمعاش الضمان الاجتماعى، مقارنة بنحو 3.2 مليار جنيه فى موازنة العام المالى 2013/2014 التى أعدها الرئيس المعزول والتى كان يستفيد منها 1.6 مليون أسرة. وهذا يعنى أن الحكومة الحالية قد رفعته بنسبة 234%، أو بأكثر من 3.3 مرة من قيمته فى العام الماضي. وهذا الارتفاع الضخم سيمكن الدولة من زيادة عدد المستفيدين من معاش الضمان الاجتماعى ليغطى عددا أكبر من الفقراء فقرا مدقعا. كما سيمكنها من زيادة مخصصات الفرد فى هذا المعاش لتحسين مستوى معيشة من يتلقونه.

أما بالنسبة للنظام الضريبى فقد أبقت حكومتا ما بعد الموجة الثورية فى 30 يونيو 2013 (حكومة الببلاوي، وحكومة محلب) على حد الإعفاء من ضريبة الدخل الذى قررته حكومة الرئيس المعزول د.محمد مرسى وهو الإعفاء الضريبى لمن يبلغ دخلهم السنوى 12 ألف جنيه. وإذا كان الحد الأدنى للأجر قد تم تحديده عند 1200 جنيه شهريا أى نحو 14400 جنيه سنويا، فإن ذلك يعنى أن كل العاملين لدى الدولة سيخضعون للضريبة بمن فيهم الفقراء ممن يتلقون الحد الأدنى للأجر الذين سيدفعون ضريبة قدرها 10% على دخولهم التى تزيد على 12 ألف جنيه سنويا. وللعلم فإن حد الإعفاء الضريبى الشامل عام 2005 والبالغ 9 آلاف جنيه يعادل فى قدرته الشرائية نحو 20 ألف جنيه من جنيهات عام 2014.

أما بالنسبة للضرائب التى تم فرضها على صافى الأرباح فى البورصة بنسبة 10%، مع ترحيل أى خسائر لمدة ثلاثة أعوام لخصمها من صافى الأرباح الذى ستفرض عليه الضريبة، فإنه إجراء مهم لتحقيق العدالة الضريبية والاجتماعية وتعمل به الدول الرأسمالية النامية والمتقدمة بمعدلات متفاوتة كلها أعلى من المعدل الذى أقرته مصر.
وتشير البيانات الدولية إلى أن الضرائب على المكاسب الرأسمالية المتكاملة فى عام 2011 بلغت نحو 50.8% فى الولايات المتحدة، وبلغت نحو 59.8%، 56.5%، 54.9%، 46,7% فى كل من إيطاليا والدنمارك، وفرنسا، وبريطانيا بالترتيب. وبلغت الضريبة نفسها نحو 43.9% فى البرازيل، ونحو 33.2% فى الهند، ونحو 25% فى الصين.
أما بالنسبة للضريبة على الدخل فقد تمت إضافة شريحة جديدة نسبتها 30% على من يزيد دخله على مليون جنيه بقرار من رئيس الجمهورية بقانون رقم 44 لسنة 2014. وهذا الإجراء مؤقت ومدته ثلاثة أعوام. وهذا المعدل الجديد أدنى كثيرا من المعدلات المفروضة فى الدول الرأسمالية المتقدمة والنامية والجاذبة للاستثمار فى كل قارات العالم. وكان هذا الإجراء وما هو أكثر منه ـ أى إضافة شريحة أخرى نسبتها 35% لمن يزيد دخله على 3 ملايين جنيه ـ هو أحد المطالب المهمة لتحقيق العدالة الضريبية والاجتماعية وللاقتراب من المعدلات العالمية للضريبة على الشريحة العليا من الدخل.

ولايجب الالتفات إلى من يرددون مزاعم تأثير تلك الضريبة سلبيا على الاستثمارات الأجنبية التى تتدفق لمصر، لأن تلك الاستثمارات تدفع ضرائب أعلى فى كل الدول الرأسمالية النامية والمتقدمة الجاذبة للاستثمارات الأجنبية كما نشرنا على هذه الصفحة بالبيانات عدة مرات.
لكن إصلاح النظام الضريبى لابد أن يترافق مع تطور هائل فى الخدمات العامة المتداعية فى الصحة والتعليم والأمن والنقل والاتصالات والبنية الأساسية من طرق ومحطات للمياه والصرف..إلخ. فزيادة الأعباء الضريبية وتوزيعها بشكل عادل يتسق مع المقدرة التكليفية للممولين أى دافعى الضرائب، لابد أن يقابله تقديم الدولة لخدمات عامة راقية تُشعر المواطنين بجدوى ما يدفعونه من ضرائب فى تحسين نوعية حياتهم وفى رقى بلادهم.

 وعلى صعيد مساندة المشروعات الصغيرة والعمل على خلق فرص جديدة للعمل لتمكين من سيحصلون عليها من كسب عيشهم بكرامة، أعلنت الحكومة مؤخرا أنه تم الانتهاء من إجراءات إنشاء الشركة القابضة لتشغيل الشباب تحت مسمى «أيادى لتشغيل الشباب»، وستبدأ العمل نهاية شهر ديسمبر المقبل. وأنه سيتم إنشاء شركات فرعية مماثلة فى المحافظات، وذلك لتوفير نصف مليون فرصة عمل سنويًا للشباب فى مجال المشروعات الصغيرة والمتوسطة فى جميع المجالات التنموية فى المحافظات، والتى تتناسب مع الموارد البيئية المتوافرة فى كل محافظة. وأن الشركة القابضة ستقوم بفتح أسواق محلية وإقليمية وعالمية لتسويق منتجات مشروعات الشباب فى مختلف المجالات.

تجدر الإشارة إلى أننى كتبت فى الأهرام فى العديد من المقالات والكراسات الاستراتيجية والكتب بشكل متواصل منذ نحو 15 عاما وحتى الآن عن ضرورة رفع مخصصات معاش الضمان الاجتماعي، وفرض ضرائب على المكاسب الرأسمالية وإصلاح النظام الضريبى عموما، وإصلاح نظام الأجور ووضع حد أدنى للأجور لكل العاملين، وحد أقصى للأجور للعاملين لدى الدولة، وتكوين حضانة قومية للمشروعات الصغيرة لتوفير التمويل الميسر للشباب وإرشادهم للعمل فى مجالات تعتمد على المواد البيئية المتوافرة فى محافظاتهم ومساعدتهم على تسويق إنتاجهم داخليا وخارجيا، لضمان استمرارية مشروعاتهم وفرص العمل التى تتضمنها. لذا فإنه من الطبيعى أن تجد هذه التطورات تقديرا كبيرا حتى لو كانت فى حاجة للاستكمال، لأنها ببساطة تعنى أن الدولة تتفاعل بشكل إيجابى مع دعوات الإصلاح الاقتصادي-الاجتماعي. وفيما يلى نعرض لأهم المؤشرات المعبرة عن مستوى الأداء الاقتصادي-الاجتماعى فى عام 2014.

استمرار تباطؤ النمو والاستثمار وجمود البطالة
تشير بيانات صندوق النقد الدولى المأخوذة من البيانات الرسمية المصرية المقدمة للصندوق، إلى أن معدل النمو الحقيقى للناتج المحلى الإجمالى قد بلغ 2.1% عام 2013، مقارنة بنحو 2.2% عام 2012، ونحو 1,8% عام 2011. وتشير التقديرات إلى أن المعدل المذكور سيبلغ نحو 2.2% فى العام 2014
(IMF, World Economic Outlook, October 2014, p. 189.).
وهذا يعنى أن الأداء الاقتصادى لم يشهد فارقا يذكر فى الأعوام الثلاثة الأخيرة.
لكن توقعات صندوق النقد الدولى للنمو الاقتصادى فى مصر (معدل نمو الناتج المحلى الإجمالي) فى عام 2015 تشير إلى أنه سيبلغ نحو 3,5%، وهو ما يعنى بدء الخروج من دائرة التباطؤ الاقتصادى الجهنمية التى يراوح الاقتصاد المصرى فيها منذ عام 2011 وحتى الآن.ومن المفهوم أن الربع الثالث من عام 2013 هو الأسوأ من زاوية الأداء الاقتصادى بما أثر على رقم النمو لعام 2013 فى مجمله. وقد شهد ذلك الربع حالة من الاضطراب الكبير الذى أدت إليه تداعيات الموجة الثورية الهائلة فى 30 يونيو 2013 وعزل د. محمد مرسى من الرئاسة وفض اعتصام جماعته المتطرفة بعد إزاحتها عن الحكم وما تلا ذلك من أحداث عنف واضطرابات.

ومع تحسن الوضع الأمنى ببطء بعد ذلك وتراجع وتيرة احتجاجات جماعة الإخوان وأنصارها حدث تحسن بطىء أيضا فى البيئة الملائمة للنمو الاقتصادي. كما حصلت الحكومة المصرية فى النصف الثانى من عام 2013 على 11 مليار دولار من المساعدات العربية (6 مليارات قروضا والباقى منح عينية «4 مليارات دولار فى صورة وقود» ونقدية «مليار دولار». كما قامت بسحب 60.8 مليار جنيه كمقابل للوديعة الدولارية التى قدمتها دول الخليج كدعم على ضوء مشاركة مصر فى حرب الخليج عام 1991.). وتلك المساعدات كان من المفترض لو أُحسن توظيفها أن تسهم فى استنهاض النمو الاقتصادى بصورة أقوى فى عهد حكومة د. حازم الببلاوي.
ويمكن القول إن معدلات النمو الحقيقى للناتج المحلى الإجمالى وفقا للبيانات الرسمية خلال السنوات من 2011 وحتى الآن، تشير إلى حالة البطء الاقتصادى والمراوحة على حافة الركود، والركود الفعلى فى بعض القطاعات. واللافت للنظر أن قطاعى الزراعة والصناعة التحويلية قد استمرا فى النمو القريب من معدلاتهما العادية، بينما تركز البطء والركود العميق فى القطاعات الفرعية من قطاع الخدمات. وقد تعرض قطاع السياحة بالذات لتدهور كبير فى إيراداته وحصيلة مصر من النقد الأجنبى المتأتى منه. وتشير البيانات الحكومية إلى تدهور الإيرادات السياحية لمصر من 11591 مليون دولار عام 2009/2010، إلى 10589 مليون دولار عام 2010/2011، إلى 9419 مليون دولار عام 2011/2012، وتماسكت عند مستوى 9752 مليون دولار عام 2012/2013، ثم تراجعت بشدة إلى 5073 مليون دولار فى العام المالى 2013/2014
(راجع: البنك المركزى المصري، النشرة الإحصائية الشهرية، أكتوبر 2014، صـ 91، 92).

وكان طبيعيا فى ظل بطء النمو الاقتصادى أن يرتفع معدل البطالة لمستويات نوعية جديدة وفقا للبيانات الرسمية نفسها. ووفقا لتلك البيانات ارتفع معدل البطالة من 9% عام 2010، إلى 12% عام 2011، إلى 12,7% عام 2012، إلى 13.2% عام 2013. واستمر ذلك المعدل يدور عند هذا المستوى فى عام 2014، وفقا للبيانات الرسمية. ووفقا لتلك البيانات فإن هذا المعدل يعنى وجود نحو 3.7 مليون عاطل لا يمكنهم كسب عيشهم بكرامة، ولا توجد أى آلية حكومية لمساعدتهم على مواجهة البطالة.
ومن المؤكد أن وجود هؤلاء العاطلين كعالة على أسرهم يؤدى إلى تقليل متوسط نصيب الفرد من الدخل فى تلك الأسر، ويدفع البعض منها إلى هوة الفقر. ولأن خلق فرص العمل يأتى من خلال بناء استثمارات جديدة أو التوسع فى استثمارات قائمة، فإن معدل الاستثمار يعد مؤشرا حاسما على قدرة أى بلد على خلق فرص جديدة للعمل. كما أن نوعية الاستثمارات نفسها ومدى كثافة رأس المال أو العمل فيها يحددان قدرتها على خلق فرص العمل.

وتشير البيانات الرسمية إلى أن إجمالى الاستثمار المحلى شاملا المخزون قد بلغ 17.1% من الناتج المحلى الإجمالى عام 2010/2011، وانخفض إلى 16,4% عام 2011/2012، وواصل الانخفاض إلى 14,2% عام 2012/ 2013، وتراجع مرة أخرى إلى 14% عام 2013/2014. (راجع البنك المركزى المصري، النشرة الإحصائية الشهرية، أكتوبر 2014، صـ 18، 19)
وهذا المستوى لمعدل الاستثمار سواء فى عهد حكومة الرئيس المعزول د.محمد مرسي، أو الرئيس المؤقت المستشار عدلى منصور، أو فى الوقت الحالى لا يمكن أن يحقق نموا قويا أو حتى متوسطا، بل أبقى الاقتصاد محدود النمو وعلى حافة الركود. كذلك فإن هذا المعدل المتدنى للاستثمار لا يمكنه أن يكون فعالا فى خلق الوظائف الكافية لتقليص حجم ومعدل البطالة، وبالتالى فإن المنطقى أن يكون حجم ومعدل البطالة قد تزايدا خلال العام المالى 2013/2014.
ورغم عدم وجود بيانات أو تقديرات عن النصف الثانى من عام 2014 وهى ضمن فترة حكم الرئيس السيسي، فإن استمرار تدنى معدل الاستثمار وتراجع معدل الاستثمارات الحكومية وفقا للموازنة العامة للدولة 2014/2015، يعنى أن محفزات النمو وخلق الوظائف ما زالت فى وضع جامد وتحتاج للكثير من العمل والجهد، ويعنى أيضا أن مؤشرات النمو والبطالة لن تشهد تحسنا قويا فى عام 2014/2015. وإن كان من الضرورى الإشارة إلى أن هناك جهدا عاما لزيادة الاستثمارات من خلال مشروع التفريعة الجديدة لقناة السويس، وهو جهد إيجابى لكنه جزئى وغير كاف لإحداث تحريك فعال للنمو ولخلق الوظائف فى مرحلته الأولى على الأقل.كما أن الشركة القابضة لتشغيل الشباب يمكن أن تساعد فى هذا الشان لو تمت إدارتها بكفاءة ومرونة وفعالية. وللعلم فإن متوسط معدل الاستثمار العالمى يدور حول مستوى 21% من الناتج العالمي، بينما يدور المعدل حول 24% من الناتج فى دول الدخل المتوسط المنخفض، ونحو 29% فى دول الدخل المتوسط، ونحو 40% فى دول شرق آسيا والمحيط الهادئ، ونحو 32% فى دول جنوب آسيا، ونحو 48% فى الصين.
ورغم تدنى معدل الاستثمار فى مصر، إلا أن معدل الادخار أدنى منه بكثير، وهو ما يعنى أن تمويل الاستثمارات المحدودة فى مصر يتطلب تمويلا خارجيا ضخما بالاقتراض أو بأى صورة من صور التمويل والاستثمار المباشر وغير المباشر.

وتشير البيانات الرسمية إلى أن معدل الادخار المحلى بلغ 13% من الناتج المحلى الإجمالى عام 2010/2011، وتراجع إلى 8% عام 2011/2012، وتراجع مجددا إلى 7.5% عام 2012/2013، ثم انخفض لمستوى مفزع اقتصاديا إلى 5.2% عام 2013/2014. (راجع: البنك المركزى المصرين النشرة الإحصائية الشهرية، أكتوبر 2014، صـ 18، 19.) ولا يتعلق الأمر بفقر أو غنى الدولة بقدر ما يتعلق بثقافة الادخار والاستثمار والاستهلاك فى الدولة. وتشير البيانات الدولية إلى أن متوسط معدل الادخار العالمى بلغ 21.6% من الناتج العالمي. وبلغ معدل الادخار الكلى فى دول الدخل المنخفض (الفقيرة) عام 2012 نحو 23.8% من الناتج المحلى الإجمالى فى تلك البلدان. وبلغ المعدل 30.9% فى دول الدخل المتوسط، ونحو 46% فى دول شرق آسيا والمحيط الهادئ، ونحو 19,8% فى دول إفريقيا جنوب الصحراء.
(World Bank, World Development Indicators 2014, p. 64.)
وهذه المؤشرات تؤكد بشكل قاطع أن تدنى معدل الادخار فى مصر ناجم عن سيادة ثقافة استهلاكية لا تقيم اى اعتبار للاحتشاد الآنى من أجل بناء مستقبل أفضل كثيرا من خلال الادخار وتمويل الاستثمار.

عجز الموازنة.. تحسن محدود وتعملق للديون
على صعيد التوازن الداخلى يشير مشروع الموازنة العامة للدولة الذى تم إقراره إلى أن الإيرادات العامة بلغت 548.6 مليار جنيه، وبلغت المصروفات العامة 789.4 مليار جنيه. وبلغ العجز النقدى 240.8 مليار جنيه، بينما بلغ صافى حيازة الأصول المالية 827 مليون جنيه، بما يعنى أن العجز الكلى قد بلغ نحو 240 مليار جنيه تعادل 10% من الناتج المحلى الإجمالى عام 2014/2015، مقارنة بنحو 243.2 مليار جنيه عام 2013/2014 تعادل 12% من الناتج المحلى الإجمالى البالغ 2033 مليار جنيه.
ورغم التخفيض فى عجز الموازنة العامة للدولة للعام المالى 2014/2015 عن العجز المتحقق فى العام المالى الماضي، وعن العجز الأولى الذى اقترحته وزارة المالية فى الموازنة قبل تعديلها بطلب من الرئيس، فإن مستواه يظل هائلا، ويشكل تهديدا لاستدامة الموازنة العامة للدولة.
تجدر الإشارة إلى أن إيرادات الموازنة العامة للدولة للعام المالى 2013/2014 قد تضمنت منحا خارجية قدرها 117 مليار جنيه، بينما تضمنت موازنة العام المالى 2014/2015 منحا قدرها 23,5 مليار جنيه فقط. ولو استبعدنا أثر المنح والموارد الاستثنائية الطارئة، فإن الإيرادات العامة للدولة فى العام المالى 2014/2015 ستصبح أعلى بنسبة 35% من نظيرتها فى العام المالى 2013/2014.
وهذا يعنى أن الموازنة العامة للدولة للعام 2014/ 2015، أفضل كثيرا من سابقتها فى الاعتماد على الذات لتمويل الإنفاق العام.

وتشير بيانات الموازنة العامة للدولة للعام المالى 2014/2015 إلى أن الجزء الأهم من مصادر الإيرادات العامة للدولة هو الاقتراض. ووفقا لبيانات الموازنة فإن قيمة الاقتراض المخطط تبلغ نحو 456 مليار جنيه فى الموازنة الجديدة، مقارنة بنحو 300 مليار جنيه فى الموازنة الخاصة بالعام المالى 2013/2014. وهذا الاقتراض الهائل هو المعادل لقيمة العجز فى الموازنة العامة للدولة للعام المالى 2014/2015 والذى سيبلغ نحو 240 مليار جنيه، وسداد الديون السابقة التى ستبلغ 216 مليار جنيه. وهذا المستوى من الاقتراض كان من المفترض أن يكون أعلى كثيرا لولا التخفيض الذى حدث فى عجز الموازنة بعد رفض الرئيس لها عند عرضها عليه أول مرة. لكن حجم الاقتراض يبقى هائلا وغير مقبول من زاوية ضمان استدامة الموازنة العامة للدولة.
وللعلم فإن العجز المتراكم فى الموازنة العامة للدولة أوصل حجم الدين الخارجى إلى اكثر من 46 مليار دولار فى نهاية يونيو 2014، مقارنة بنحو 43,2 مليار دولار فى نهاية يونيو 2013، ونحو 34,4 مليار دولار فى نهاية يونيو 2012. كما أوصل الدين الداخلى إلى 1816 مليار جنيه فى نهاية يونيو 2014، بزيادة نحو 289 مليار جنيه عن قيمته فى نهاية يونيو 2013، وهى نفس الزيادة فى قيمة ذلك الدين خلال العام المالى 2012/2013. وارتفعت مخصصات سداد الديون إلى 216 مليار جنيه، ومخصصات مدفوعات الفائدة إلى 199 مليار جنيه فى موازنة عام 2014،2015، مقارنة بنحو 114 مليار جنيه لسداد الديون ونحو 182 مدفوعات الفائدة فى موازنة عام 2013/2014.


ويمكن القول إجمالا أن الاقتصاد المصرى قد شهد تحسنا مؤثرا حتى وإن كان غير كاف فى نظم الأجور والتحويلات الاجتماعية والضرائب ودعم المشروعات الصغيرة وتأسيس المشروعات القومية الكبيرة القادرة على خلق روافد جديدة للنمو والتشغيل مستقبلا. كما شهد تراجعا محدودا لعجز الموازنة العامة للدولة لكنه ما زال فى منطقة الخطر، وشهد جمودا فى النمو والاستثمار والبطالة. لكن المؤشرات المستقبلية الخاصة بعام 2015 تشير إلى أنه سيحدث تحسن ملحوظ فى معدل النمو وبالتالى فى خلق الوظائف ومكافحة البطالة بما يبعد مصر عن حالة التباطؤ والمراوحة قريبا من الركود التى تعانى منها منذ أربعة أعوام.

No comments: