بعد براءة مبارك فى قضية الغاز على هيئة قضايا
الدولة تغيير دفاعها فى قضايا التحكيم الذى استند إلى فساد فى العقد
ودلل على ذلك باتهام رئيس الجمهورية جنائيا!
القاضى أدان نظام مبارك سياسيا واتهمه بغشاوة
الرؤية للمستقبل والسباق بغير عدو للسلطة ووجود شلة من المنتفعين نهبت الثروات وبضعف
الصحة واندثار التعليم وسوء إدارة الحكم!
مبارك لم يحصل على البراءة فى قتل المتظاهرين
وقبول رشوة الفيللات الخمس من حســـين سالم
توقعات لنقض الحكم: النيابة حققت مع مبارك فى
وقائع مختلفة عن التىأحالت بها حبيب العادلى ومساعديه مما يعنىانعدام سقوط الأمر الضمنىبانقضاء
الدعوى جنائيا الذى أنقذ مبارك من العقوبة
محمد شعيب وهانى ضاحى تسابقا على إلغاء عقد
تصدير الغاز إلى إسرائيل وتسببا فى رفع 4 قضايا تحكيم ضد مصر تصل التعويضات المطلوبة
فيها إلى 8 مليارات دولار.. فهل نتركهما دون محاسبة على ذلك؟
تعمد المستشار محمود كامل الرشيدى رئيس محكمة
الإعادة فى قضية القرن إدانة مبارك سياسيا.. فوصف حكمه بالغطرسة.. وغشاوة الرؤية..
والسباق بغير عدو للهيمنة على السلطة.. والقتال على ثروات البلاد.. وتركها نهبا لشلة
منتفعين.. وإهدار الصحة.. واندثار التعليم.. وتجريف العقول لحساب شيخوخة مزمنة.. تيبست
وتشبثت ببطء القرار.. وشعب معذب فى الأرض.. مسحوق بصنوف المعاناة فى شتى نواحى الحياة.
لم يبد على وجه مبارك وهو يستمع لتلك الكلمات
اللكمات تعبير.. وكأن ملامحه جمدت فى مكانها.. محتفظة بشعر مصبوغ فى لون الفحم.. وبشرة
مشدودة تعاند الزمن.. مغطاة بنظارة سوداء مميزة بعلامة تجارية شهيرة.
لكن.. تلك الإدانة السياسية لم تصل إلى إدانة
جنائية.. فقد أخرجه القاضى الجليل من الاتهامات التى وجهت إليه.. وعاد إلى جناحه الخاص
فى مستشفى المعادى العسكرى سالما.. يحيى من شرفته جماعات جاءت لتهنئته.. ولفت النظر
أن بعضها متواضع الحال لم يدرك بعد أن الحالة السيئة التى عليها سببها سوء حكم مبارك
الذى جاء ليهتف بحياته.
إن الضحية أحيانا تهتف للجلاد.. وتخشى أن يستغنى
عنها.. فقد أدمنت إهاناته وضربات سياطه.. وسوء تصرفاته.. إنه مرض نفسى شهير يسمى متعة
جلد الذات تسجله بوفرة مصحات العلاج فى الدول الاستبدادية.
فى اتهامه بقتل المتظاهرين لم يحصل مبارك على
«براءة» كما هللت لها صحف وفضائيات تسرعت فى حديث «عشوائى» عن الحكم.. دون خبرة فى
المصطلحات القانونية.. وإنما نجا مبارك من الجريمة بسبب تأخر النيابة العامة فى توجيه
الاتهام إليه.. لينتهى القاضى إلى «عدم جواز نظر الدعوى الجنائية».
فى 23 مارس 2011 قدمت النيابة العامة وزير الداخلية
حبيب العادلى وستة من مساعديه إلى المحكمة بجناية الاشتراك والتحريض والمساعدة فى قتل
المتظاهرين عمدا مع سبق الإصرار وحملت القضية رقم (2011) قصر النيل.. لكنها.. لم تقدم
مبارك فى ذات التهمة فى نفس الوقت.. فاعتبرت هيئة المحكمة التى يرأسها المستشار محمود
الرشيدى عدم وجود مبارك فى القضية اعترافا «ضمنيا» من النيابة العامة بألا وجه لإقامة
الدعوى الجنائية ضده.. واستندت إلى ذلك فى عدم إدانته فى التهمة عندما وجهت إليه فى
25 مايو 2011 فى القضية رقم (3642) قصر النيل.
حسب أوراق الدعوى فإن 47 بلاغا قدمت إلى النيابة
العامة بعد 25 يناير تتهم رئيس الجمهورية ووزير الداخلية بقتل ذويهم عمدا مع سبق الإصرار
أو الشروع فى قتل مصابين نجوا من الموت.. لكن.. النيابة العامة اكتفت بتوجيه التهمة
إلى وزير الداخلية وستة من مساعديه.. ولم تلتفت إلى ذات الاتهام الموجه للرئيس.. وخلا
أمر الإحالة إلى محكمة الجنايات من اسمه.. لكنها.. عادت وأحالته بذات التهمة بعد نحو
شهرين.. دون وقائع مستجدة.. بل.. جاء أمر الإحالة فى هذه التهمة نقلا كربونيا متطابقا
لإمر الإحالة للجناية السابقة التى اتهم فيها جنرالات الداخلية «بما فيه من قيد ووصف»
وبذات أدلة الثبوت وشهادة الشهود.. ما يعنى عدم توجيه التهمة إليها ضمنيا.. ومن ثم
تنقضى الدعوى الجنائية ضده.
والمقصود.. أن اتهام مبارك بقتل المتظاهرين
سقط شكلا قبل بحثه موضوعا.. فيما يمكن وصفه بخطأ فى أمر الإحالة الجنائية.. حيث سقطت
التهمة عند باب المحكمة قبل طرقه والولوج منه إلى القاعة.
ولا شك أن القاضى المتمكن من عمله- مهما كانت
درجته- يبدأ بمراجعة الإجراءات قبل النظر فى التحقيقات والشهادات والمستندات.. فلو
وجد عوارا فى إجراء واحد لا يلتفت لما يلى من أوراق.. ويغلق الملف.. ويسرح المتهم.
لذلك.. نجد كثيرا من تجار المخدرات يخرجون من
التهمة كالشعرة من العجين ولو ضبطوا متلبسين بسبب خلل فى أمر التفتيش أو خلاف على الكميات
المضبوطة ولو بعدة جرامات.. وهى ثغرات يستغلها المحامون المحترفون دون تردد.. ويستغلها
بعض ضباط الشرطة فى إفساد القضايا.
لكن.. السؤال هنا: هل قُدمت للنيابة العامة
بلاغات جديدة بقتل متظاهرين بعد إحالة حبيب العادلى ومساعديه للمحاكمة تسمح باتهام
مبارك فى قضية فى وقائع مختلفة عن التى سجلت فى قرار الإحالة الأول؟ لو كانت الإجابة
بنعم فإن الدفع الذى استند إليه القاضى فى عدم إدانة الرئيس السابق يسقط.. ويسهل نقض
الحكم.
والأهم.. أن النيابة العامة قدمت حبيب العادلى
ومساعديه إلى المحكمة بعد التحقيق معهم ولم تقدم مبارك للمحاكمة فى نفس القضية لأنه
لم يحقق معه.. ولم يواجه بالاتهامات.. ولو كان قد حقق معه ولم يحل للمحاكمة تكون الدعوى
الجنائية قد انقضت بالفعل.. وعندما حقق معه وأحيل فإن الإحالة تصبح صحيحة.. والرأى
يتبناه متخصصون فى القضاء جرت مراجعتهم.. والفيصل هنا لمحكمة النقض.
كما أنهم يعتبرون ترك الحكم قبل النطق به لمن
كتب التبيان الذى وزعه القاضى قبل النطق به كشف له مما يهدد بنقضه!
والنائب العام هو الوحيد الذى يملك حق الطعن
على الحكم.. وعليه أن يقدم أسبابه خلال ستين يوما لتقبل العريضة شكلا قبل النظر فيها
موضوعا.. وقد قرر صباح الثلاثاء الماضى التقدم بالطعن فى انتظار كتابة الأسباب.
ولحظة صدرو الحكم كان النائب العام المستشار
هشام بركات فى دبى يحضر مؤتمراً لنواب عموم العالم (102 دولة) وكانت الدعوى قد وجهت
إليه بصفة مصر ضيف شرف.. لكنه.. رفض واعتذر عن عدم الحضور إلا إذا كانت بلاده عضوا
أصيلا ولها كلمة يلقيها بنفسه.. ونفذ ما طلب.. وكانت كلمته عن تدريب أعضاء النيابة
العامة مع قليل من السياسة.. على أن ذلك لم يمنعه من الأمر بتشكيل لجنة فى نيابة استئناف
القاهرة لدراسة أسباب الحكم التى تقع فى نحو 1600 صفحة لتحديد ثغرات الطعن عليه.
ولو استوفى الطعن شروطه فإن القضية ستنظر للمرة
الثالثة.. وفى هذه الحالة فإن محكمة النقض سيكون عليها التصدى لها.. ولن تعيدها إلى
دائرة جنايات أخرى.
إن محكمة النقض محكمة قانون.. مهمتها تقييم
الأحكام.. وتحديد أخطائها.. فلو اطمأنت إلى أن الحكم قابل للنقض ألغته واعادت القضية
إلى دائرة أخرى بنفس مستوى الدائرة التى حكمت.. فلو نقض حكم دائرة الإعادة نظرت محكمة
النقض القضية بنفسها.. ليصبح حكمها فيها باتا ونهائيا.
حدث ذلك فى قضية القرن.. فقد نظرتها دائرة المستشار
أحمد رفعت أول مرة وحكمت بسجن مبارك والعادلى 25 سنة فى قضية قتل المتظاهرين مستندة
فى حكمها على مبدأ الترك.. .. فقد ترك المتهمان المتظاهرين يلقون حتفهم وهما بحكم منصبيهما
مسئولان عن أرواحهم.
وأعيدت القضية إلى دائرة المستشار محمود الرشيدى
وارتفع عدد أوراقها من 15 ألفا إلى 60 ألف ورقة.. قرأها الرجل حسب تصريحاته الصحفية
سبع مرات باذلا مجهودا مضنيا ليس فقط لكثرة الملفات وإنما لتعرضه لمتاعب فى شبكية العين
والعمود الفقرى أيضا.
وفى الحكم الذى اصدرته محكمة الإعادة لم يحصل
مبارك وولداه علاء وجمال على براءة فى قضية الفيللات الخمس.. وإنما نجوا منها بسبب
التقادم.
كانت النيابة العامة قد وجهت إلى مبارك تهمة
قبول الفيللات الخمس عطية من حسين سالم فى منتجع الجولف فى شرم الشيخ مقابل تربيحه..
فيما يمكن توصيفه بالرشوة واستغلال النفوذ.
لكن.. محامى مبارك وولديه دفع بانقضاء الدعوى
الجنائية بمضى المدة.. فقد سجلت الفيللات فى الشهر العقارى بجنوب سيناء فى 14 أكتوبر
2000 فانقضت الدعوى الجنائية فى 15 أكتوبر 2010.
والمعروف قانونا أن مدة التقادم فى الجنحة ثلاث
سنوات وفى الجناية عشر سنوات.. إذا لم تنظر جريمة الفساد خلالها سقطت زمنيا.. وهو أمر
فى حاجة إلى إعادة نظر.. لا بد من تعديل تشريعى يجعل جريمة الفساد مثل جريمة التعذيب
لا تسقط بالتقادم.. فنهب وطن لا يقل خطورة عن ضرب مواطن.
وسقوط التهمة عن مبارك وولديه لا يعنى براءتهم
منها.. فحسب ما جاء فى حيثيات الحكم أن المحكمة استقر فى يقينها استخلاصا من الوقائع
المطروحة عليها أن حسين سالم قدم العطية لرئيس الجمهورية ونجليه فى غضون عامى 1997
و1998 وقبلوها وقتها «مع علمهم بأنها نظير استخدام حسين سالم لنفوذ مبارك».. والدليل
على ذلك ما ثبت بالمستندات من أن المساحة المشيدة عليها الفيللات الخمس جاءت ضمن مسطح
143942 مترا مربعا (فى منتجع الجولف) صدر قرار التخصيص لها فى 20 إبريل 1995 لشركة
حسين سالم من محافظة جنوب سيناء وجرى تسجيله بعد خمس سنوات.
وهنا يناشد القاضى المشرع بإعادة النظر فى قانون
الإجراءات الجنائية ليتاح للقضاء مد سلطانه على جميع صور الرشوة للموظف العام.
واستجاب رئيس الجمهورية للنداء.. وكلف لجنة
الإصلاح التشريعى بدراسة التعديلات التشريعية على قانون الإجراءات الجنائية التى أشارت
المحكمة إلى ضرورة إجرائها.. وإعداد تقرير عنه ورفعه إلى الرئيس.
والمؤكد أن حسين سالم بحكم علاقته بمبارك كان
إمبراطور شرم الشيخ.. ووصل تمجيده هناك إلى حد وضع اسمه على شارع رئيسى فى المدينة..
ضمن حدود منطقة خليج نعمة.
وبالتبعية.. نجا من تهمة الرشوة.. وهو هارب
فى إسبانيا.. لكنه.. لم ينج من تهمة تصدير الغاز إلى إسرائيل كما ادعى فى مداخلات تليفونية
مع برامج فضائية.. رقص فيها «عشرة بلدى» وهتف «تحيا مصر».
لقد قدم مبارك وحده فى القضية التى عرفت بقضية
القرن بتهمة تربيح حسين سالم الكثير فى قضية تصدير الغاز إلى إسرائيل.. ولم يقدم حسين
سالم معه.. ومن ثم لم تنظر المحكمة ما يخصه.. وبالطبع لم تبرئه.. خاصة أنه هناك قضية
أخرى مستقلة متهم فيها هو ووزير البترول الأسبق سامح فهمى لم يبت فيها بعد.. فلا هو
أخذ براءة.. ولا هو سيعود إلى مصر.. فهو متهم أيضا فى إسبانيا بارتكاب جريمة غسيل أموال..
ولن يسمح له بالمغادرة إلا بعد الفصل فيها سجنا أو تسريحا.
كانت النيابة العامة قد وجهت إلى مبارك تهمة
إسناد أمر بيع الغاز الطبيعى لحسين سالم لتصديره وبيعه لإسرائيل وتربيحه دون وجه حق
والإضرار العمدى بالمال العام.. لكن.. المحكمة منحته هذه المرة براءة صريحة واضحة.
استبعدت المحكمة شهادات ضباط فى الرقابة الإدارية
ومباحث الأموال العامة بدعوى أن ما جاء فيها مجرد تحريات لا دليل عليها.. واطمأنت إلى
شهادات ثلاثة من مديرى المخابرات العامة (عمر سليمان ومراد موافى ومحمد التهامى) بأن
مبارك لا صلة له بتصدير الغاز إلى إسرائيل.. وأن كل ما فعل هو تحفيز المفاوضات.. والتدخل
لرفع السعر.. بجانب أن المحكمة وجدت فى تقارير الخبراء ما يدعم ذلك.. فأخرجت مبارك
من التهمة.
وربما من ناحية الشكل وما تسطره الأوراق لا
يظهر مبارك فى الصورة.. لكن.. من يصدق أن أمرا بمثل هذه الخطورة غاب عن رئيس الدولة
المعروف عنه التدخل فى كل صغيرة وكبيرة.. كما أننى كنت أول من نشرت عقد تصدير الغاز
إلى إسرائيل فى عام 2008 وكشفت ما به من عورات ونواقص.. فهل لم يرفع للرئيس ما كتبت؟
بل أكثر من ذلك استدعانى عمر سليمان وقتها فى مكتبه بالمخابرات العامة وشرح لى الأهداف
السياسية وراء تصدير الغاز إلى إسرائيل.. وغير المقبول أن يوضحها لى ويخفيها عن الرئيس.
كما أنه من المؤكد أن حسين سالم كان يمتلك فى
شركة غاز الشرق سبعين فى المئة من أسهمها وباعها وربح فيها نحو 700 مليون جنيه بعد
أن ارتفع سعر السهم من دولار إلى تسعة دولارات.. فهل غاب عن مبارك ذلك؟
ولو كان السعر عادلا فهل كانت إجراء التخصيص
بالأمر المباشر قانونية؟
عموما فإن تلك الملاحظات ستكون تحت نظر المحكمة
التى تنظر القضية المتهم فيها حسين سالم وسامح فهمى وإن كانت تبرئة مبارك قد تساعدهما
فى الدفاع فى مواجهة الاتهام.
لكن.. فى الوقت نفسه ربما يؤثر حكم براءة مبارك
فى قضية الغاز على دفاع هيئة قضايا الدولة فى قضايا التحكيم المرفوعة ضد مصر فى الخارج..
فقد استند ذلك الدفاع إلى أن عقد تصدير الغاز إلى إسرائيل شابه فساد واضح تدلل عليه
القضايا المنظورة أمام القضاء والمتهم فيها مبارك شخصيا.. وببراءة مبارك يجب على هيئة
قضايا الدولة تجديد دفاعها بأسانيد أخرى.
هنا.. لا بد من التوقف عند المسئولين عن إيقاف
الغاز.. فقد تسبب قرارهم فى إرسال مصر إلى التحكيم الدولى.. وطلب تعويضات منها.. ربما
تزيد على نصف إحتياطى العملات الصعبة فى البنك المركزى.
لقد قال لى محمد شعيب رئيس الشركة القابضة للغاز
سابقاً إنه أخذ القرار بعد استشارة بيت خبرة أجنبى فى التعاقدات القانونية.. ونافسه
فى الترحيب بالقرار هانى ضاحى وزير النقل الحالى وكان مسئولا فى وزارة البترول وقت
القرار.
وخرج شعيب من منصبه الحكومى إلى منصب خاص فى
إحدى شركات أحمد هيكل بعد أن وضع مصر فى حرج التحكيم.. فهل نتركه دون تحقيق معه؟ أليس
من الضرورى أن يشرح لنا ملابسات القرار وكيفية اتخاذه؟
فى يناير 2012 عرض مراد موافى- وهو مدير للمخابرات
العامة - على سلفه عمر سليمان اقتراحا معروضا على رئيس الحكومة بإلغاء العقد.. فحذر
عمر سليمان من ذلك قائلا: «إن إلغاء العقد سيعرض مصر لقضايا تحكيم يمكن أن ترفعها الجهات
الإسرائيلية وعددها 11 جهة أخطرها شركة كهرباء إسرائيل الحكومية».
ومن جانبها نجحت شركة غاز الشرق فى إقناع الجانب
الإسرائيلى بتعليق العقد ثلاث سنوات بسبب ظروف الثورة التى تعيشها مصر بجانب ما يتعرض
له خط الغاز من عمليات تدمير متتالية.. وكان هناك اقتراح آخر قبل به الطرف الآخر وهو
أن تكتفى مصر بتصدير عشرة فى المئة من الكميات المتفق عليها.. لكن.. كانت هناك قوى
خفية تريد توريط البلاد فى مزيد من المتاعب المالية فلم تقبل بتلك الحلول.
وفى إبريل 2012 عرضت هيئة البترول على رئيس
الحكومة كمال الجنزورى فسخ العقد فلم يوافق أو يعترض واكتفى بالقول «لو فيه تعويضات
أنتم ستدفعونها».. وأنتم تعنى «هيئة البترول».. وكأنها جهة أجنبية غير مصرية.
ولا نعرف من الذى اقنع الحكومة بأن العقد يخلو
من التحكيم.. وكيف يمكن القبول بهذا الرأى دون مراجعة العقد.. خاصة أن العقد ينص بوضوح
على اللجوء إلى التحكيم عند الخلاف على تفسيره أو تعطيله.
وعندما قرر مجلس الشعب فى إبريل سحب السفير
الإسرائيلى وفسخ عقد الغاز أرسل الكونجرس الأمريكى خطابا إلى المشير حسين طنطاوى يذكره
فيه بأهمية العقد فى استقرار السلام وفى توقيع اتفاقية الكويز مع الولايات المتحدة،
ونصحه بعدم الفسخ مشيرا إلى وجود حلول بديلة.. لكن.. المرسل إليه لم يرد.. فكان ما
كان. وهناك حتى الآن 4 قضايا تحكيم تطالب بأربعة مليارات دولار.. ووحدها شركة كهرباء
إسرائيل تطالب بأربعة مليارات دولار أخرى.
إن الوطنية ليست كلمات حماسية يرددها البعض
من قبيل المزايدة ثم يذهب ليشاهد فيلم السهرة تاركا وراءه خرابا.. لذلك.. اطالب بمحاكمة
من تسبب فى تهديد مصر بدفع تعويضات التحكيم بما فعل.
وقدم المستشار محمود الرشيدى ما وصف بشهادات
الثناء لطاقم النيابة العامة الذى شاركه القضية.. وحسب ما سمعت من قضاة كبار أنها سابقة
لم تحدث من قبل.. لقد جرى العرف على تشجيع أعضاء النيابة المبتدئين إذا ما أجادوا فى
عملهم.. ولكن.. الثناء كان شفهيا فى غرف المداولة.. بعيدا عن الجلسات المفتوحة.. أما
هذه المرة فالثناء علنى ومسجل على ورقة وموقع باسم القاضى.
ويبدو الثناء غريبا ولافتا للنظر لأن القاضى
اعتبر النيابة العامة مقصرة واستفاد المتهمون- وعلى رأسهم مبارك- من ذلك التقصير بعدم
إدانتهم.. فكيف يكون الثناء لمقصر؟
والحقيقة أن النيابة العامة وهى تحقق فى بلاغات
قتل المتظاهرين لم تجد من يعاونها أو يساعدها أو يدعم اتهاماتها.. وكان ذلك متوقعا..
فقيادات الشرطة بعد يناير تحرجت من إدانة قيادات الشرطة قبل يناير.. وأخفيت الملفات
والسجلات والفيديوهات.. وأعدم بعضها.. فجاء أمر الإحالة ضعيفا.. وكان ما كان.
لقد كان فى أجهزة الدولة المختلفة ما يمكن وصفه
بطابور خامس ساند حكم مبارك ولم يشهد ضده أو ضد رجاله.. على خلاف ما حدث فى محكمة الإعادة
حيث جاءت عشرات الشهادات لصالحه.. بل.. أكثر من ذلك كان نظام الإخوان قد سقط فخرجت
قيادات الشرطة المتهمة تتحدث ساعات طويلة وتصف ما حدث فى يناير بالمؤامرة.. وربما كان
السؤال المهم: لو كان حكم الإخوان قائما هل كنا سنجد كل هذا الكم الهائل من المسئولين
السابقين والحاليين الذين شهدوا لصالح نظام هم فى الحقيقة جزء منه؟ هل كنا سنسمع أصوات
المتهمين وهم يدينون الثورة التى أطاحت بهم ويتهمونها بالمؤامرة؟ بالقطع كانوا سيلتزمون
الصمت كما فعلوا فيما قبل أثناء نظر القضية أول مرة.. إن تغير النظام السياسى أثر فى
القضية بطريقة غير مباشرة عبر الشهود الذين سارعوا بالذهاب إلى المحكمة وبعضهم من أعضاء
المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى أطاح بمبارك وتخلص منه؟
وتكشف أوراق القضية أن وزير الداخلية حبيب العادلى
الذى كان يسجل همسات المصريين عبر أجهزة التنصت التى كانت فى مكتبه وأشرف عليها اللواء
مرتضى إبراهيم، لم يهتم بتسجيل ما يدور فى اجتماعاته بقيادات الشرطة فى أوقات الأزمات
الأمنية الحادة.. فلم نعرف حقيقة ما جرى فى تلك الاجتماعات إلا من خلال شهود لهم مصلحة
فى تبرئة وزيرهم وقياداتهم.
لقد عقد العادلى اجتماعين مع مساعديه المتهمين
معه.. أولهما فى مقر أمن الدولة فى مدينة 6 أكتوبر لبحث كيفية مواجهة تظاهرات يناير..
والثانى عقد بمكتب الوزير فى لاظوغلى.. وبالطبع شهد رجال الوزير بأنهم كانوا يتعاملون
برقة مع المتظاهرين.. وربما كانوا سيوزعون عليهم البان كيك والباتون ساليه وزجاجات
المياه الغازية التى فسرت فيما بعد خطأ على أنها قنابل غازية.. هل هناك سخرية موجعة
أكثر من ذلك؟
كيف تدار الدولة بمزاج موظفيها؟ كيف تهدر الحقيقة
وتموت دون أن نعرفها؟ لم لا تكون هناك سجلات يصعب تدميرها.. تكشف لنا فى الوقت المناسب
عن كل ما يحدث؟
عملت النيابة العامة فى ظروف مقيدة لحركتها..
لم يساعدها أحد.. بل.. أكثر من ذلك اقترح النائب العام وقتها المستشار عبدالمجيد محمود
على المشير حسين طنطاوى الذى كان يحكم البلاد ويديرها أن يباشر القضاء العسكرى القضية..
خاصة أنها تتعرض لجهة نظامية (الشرطة).. بما فيها قطاع الأمن المركزى الذى يختار أفراده
من بين المجندين إجباريا.. لكن.. المشير حسين طنطاوى رفض.. وإن اختار فى الوقت نفسه
عدة قضايا لينظرها القضاء العسكرى دون أن يكشف عن أسبابه.. منها قضية تخص سمير فرج
محافظ الأقصر وقت ثورة يناير وكان مديرا للشئون المعنوية فيما قبل.. وقضية تخص جمال
عبدالعزير سكرتير مبارك.. وقضية تخص حاتم الجبلى وزير الصحة فى حكومة الدكتور أحمد
نظيف.
وكرر المستشار عبدالمجيد محمود عرضه على عمر
سليمان فوجد نفس الإجابة.. فلم يكن أمامه سوى أن تباشر النيابة العامة القضايا بكل
القيود التى كبلتها.. وربما توقعت النتيجة التى انتهت إليها.
وكان المشير حسين طنطاوى قد ذهب إلى زيارة مبارك
قبل أن يقف بين يدى الله فى الحج هذا العام.. ووجه الرئيس الأسبق لوما له على ما فعل
به.. لأنه -على حد قوله- تنحى عن السلطة بإرادته.. فما الداعى لسجنه هو وولديه.. فلم
يكن أمام طنطاوى سوى إلقاء ما حدث على النائب العام وقتها عبدالمجيد محمود.
وحدث أن طلب وزير الخارجية السعودى سعود الفيصل
من طنطاوى السماح لمبارك بالسفر إلى الرياض والإقامة فى القصر التاريخى للملك فيصل
فعرض عليه المشير أن يسافر إلى شرم الشيخ ليأخذ موافقة مبارك.. ورفض مبارك فى البداية..
لكن.. بعد ثلاثة أيام من الاتصالات المباشرة وغير المباشرة وافق على السفر إلى السعودية..
وعاد سعود الفيصل بالموافقة إلى طنطاوى.. لكن.. طنطاوى استشار عددا من الشخصيات العامة
ومنهم الدكتور يحيى الجمل فأفتوا بالرفض.. واستجاب لرأيهم.
وبعد أن أصبح مبارك محبوسا احتياطيا على ذمة
القضايا التى قدم فيها طلب المشير من عبدالمجيد محمود السماح لمبارك بالسفر للعلاج
فى الخارج.. لكن.. النائب العام الأسبق رفض الطلب لعدم قانونيته.
ولم يكن طنطاوى وحده الذى زار مبارك.. زاره
أيضا أعضاء من المجلس الأعلى للقوات المسلحة سبق أن ساهموا فى التخلص منه بقسم على
المصحف بأن الجيش لو نزل لن يعود إلى ثكناته قبل تغيير النظام.. وقد استقبلهم مبارك
بعد أن شهدوا لصالحه فى القضية.. فقدموا السبت لينتظرهم الأحد.. ويعفو عنهم الاثنين..
ويتواصل معهم من الثلاثاء إلى الجمعة.. وكأن ما حدث مسرحية مدبرة شارك فيها أبطال لا
يعرفون أصول الوقوف على خشبة المسرح القومى.
هل ندموا على ما فعلوا؟ هل وجدوا فيه النموذج
المناسب لنظام حكم صنعهم؟ هل كفروا بالثورة التى ساندوها؟
عموما ودون تفصيلات ولا ذكر شخصيات فإن على
النظام القائم فى مصر أن يطهر البلاد من أعوان مبارك الذين أخفى بعضهم أدلة إدانته
وشهد البعض الآخر لصالحه.. فانقذوه من حبل المشنقة. ولو كان القاضى قد طالب برعاية
أسر الشهداء والمصابين فإن الرئيس استجاب لطلبه وفوض رئيس الحكومة فى التنفيذ.
لكن.. تبقى الأزمة المتزايدة بين نظام يونيو
وقطاعات عريضة من شباب يناير.. أزمة تسبب فيها نظام مبارك الذى لم يكتف بما سبب من
خراب وإنما يصر على المزيد منه.. فقد قسم المصريين إلى إسلاميين وليبراليين وثوار ومرتدين
ولا يزال يدعم بطابور خامس خفى هذا الانقسام.. متصورا أنه سيعود إلى الحكم ولو بماكياج
جديد.
إن الفلول ليسوا اقل خطورة من الإخوان.. كلهم
مجرمون ولو لم يحكم القضاء بإدانتهم.. فإدانة الشعوب لا تموت.
No comments:
Post a Comment