Monday, December 8, 2014

كوارث عصر مبارك التى ينبغى محاسبته عليها




أحمد السيد النجار
كانت ثورة 25 يناير العظيمة وهماً، مهما علت أصوات صحف وقنوات الفاسدين وتجار الموت، بل هى أعظم ثورات مصر فى العصر الحديث والتى تفجرت فيها طاقات شعب عظيم ضد الاستبداد والظلم والفساد والفشل أيا كان حظها من النجاح أو الفشل أو التآمر عليها من كل من حاولوا سد الأفق أمام تطور وانطلاق مصر.

 وما كان النظام الاستبدادى الذى ثار عليه الشعب محميا سوى بجهاز بوليسى مارس الاعتقال والتعذيب والتشويه والتنكيل بخلق الله. وما حاول نظام الاستبداد المباركى قمع الثورة إلا بالغاز والرصاص وإراقة الدماء، وما كانت شهادة اللواء عمر سليمان الرجل الثانى فى النظام وأكثر عناصره انضباطا عن علم مبارك بكل رصاصة أطلقت على المتظاهرين وعن دور العادلى إدعاء أو باطلا، ولو كان كذلك لاعترض على ما نشرته صحيفة قومية كبيرة على لسانه عام 2011. وما كانت ثلاثة عقود من الفساد وإهدار ما بنته الأجيال والحكومات السابقة فى صفقات الخصخصة الفاسدة بصورة مروعة سوى تركيز للطبيعة الحقيقية لنظام مبارك الذى تحول تدريجيا إلى نظام للفساد سحق وجرف مصر ودفعها للخلف فى الترتيب الإقليمى والعالمي. وما كان الظلم الاجتماعى الذى خلف حقولا من البؤس والفقر والعشوائيات والمهمشين وأبناء الشوارع إدعاءً على نظام مبارك. وما كان الترهل والتدنى المزرى للادخار والاستثمار وما تبعهما من تزايد مروع فى أعداد العاطلين الذين يعانون الحرمان من كسب عيشهم بكرامة سوى بعض من تجليات كارثة حكم مبارك وسطوة حاشية الشر التى أحاطت به كحلقة من النار.

وما كان الفساد السافر والفج فى منح أراضى التنمية الزراعية والصناعية بأسعار هزلية للمحاسيب وعتاة الفاسدين، والسماح لهم بكل أشكال «التسقيع» والإتجار، وبكل أشكال مخالفة الأغراض التى خصصت الأرض من أجلها للتربح الفاسد على حساب مصر وشعبها بدءا من جمعية صحراء الأهرام التى كان مبارك نفسه يرأسها فى وقت من الأوقات والتى كانت من المفترض ان تستخدم الأرض لأغراض زراعية ثم تحولت إلى الإسكان دون أن تحصل الدولة على أى فوارق سعرية. وفى نفس السياق تم منح المقربين من «رجال أعمال» نظام مبارك غالبية أراضى طريق القاهرة-الإسكندرية الصحراوي، وأراضى توشكى والعوينات، وأراضى شمال غرب خليج السويس، وأراضى المدن الجديدة، وأراضى الحزام الأخضر حول مدينة 6 أكتوبر وغيرها من الأراضى والمناطق بلا معايير وبالتخصيص بأوامر مباشرة وبأسعار بالغة التدني، وبدون إلزامهم بالتنمية الزراعية أو الصناعية فى وقت محدد، وبدون معاقبتهم على تغيير الاستخدام بالذات من التنمية الزراعية إلى التنمية العقارية، رغم أنهم كونوا من ذلك التغيير جبالا من الثروات منهوبة من حقوق الشعب والدولة.

وعلى سبيل المثال تم منح أراضى التنمية الزراعية بـ 200 جنيه للفدان (الفدان 4200 متر مربع) بالتقسيط على آجال زمنية طويلة على طريق القاهرة-الإسكندرية الصحراوي. وتم تحويلها لمنتجعات سكنية فاخرة يصل سعر المتر المربع من الأرض الفضاء فيها إلى نحو ألف جنيه، ويصل سعر متر المبانى إلى أكثر من أربعة آلاف جنيه. وهذا يعنى أن الفدان الذى تم شراؤه من الدولة بـ 200 جنيه يصل سعره كأرض فضاء إلى 4,2 مليون جنيه، ويصل سعره كمبان إلى 16,8 مليون جنيه. وكل ذلك يمثل واحدة من العلامات الكبرى على الفساد المروع وتسفيه قيم الحكم فى عهد مبارك. وما كان إهدار الغاز الذى تم بيعه للكيان الصهيونى وأسبانيا بأقل من ربع سعره فى الأسواق العالمية، إلا علامة أخرى على الفساد وإهدار المال العام والترهل وانعدام المسئولية عند نظام مبارك. وما كان إهدار الموارد الطبيعية المعدنية وعلى رأسها الذهب إلا حلقة أخرى من إهدار المال العام، حيث تحصل شركة سنتامين الأسترالية لملاكها السعوديين على 97% من إيرادات الذهب المنتج من منجم السكرى إلى أن تستكمل ما تقول أنها أنفقته لتطوير المنجم، ثم تحصل على نصف ما تسخرجه بعد ذلك. وما كان استمرار إهدار الثروة المحجرية فى صورة صادرات خام كليا بأبخس الأثمان، وفى صورة أسعار هزلية كليا لاستخراجها وفقا لقانون وأسعار تم تحديدها عام 1956، إلا حلقة أخرى فى إهدار المال العام وتدمير حقوق الجيال القادمة فى الموارد الطبيعية لمصر. وعلى سبيل المثال ظلت أسعار طن الحجر الجيرى قرشين، وطن الطفلة قرشين، وطن الجرانيت عشرين قرشا. وصحيح أنه كانت هناك رسوم أخرى تحصلها الإدارات المحلية وبعض الجهات السيادية لكنها كلها كانت هزلية ولا علاقة لها بقيمة الموارد الطبيعية التى يتم إهدارها. وما كانت حرائق القطارات وغرق العبارات وأكياس الدم الفاسد والأغذية والحبوب المسرطنة وتحويل مصر إلى مستودع عملاق لأمراض الكبد والكلى والسرطان والضغط والسكر سوى تركيز مر كالعلقم لطبيعة النظام الفاشل والفاسد فى عهد مبارك.

وما جاء الحكم على مبارك ورموز نظامه الفاسد نافيا لجرائم عصره، وإنما يتعلق الأمر بالإجراءات، ولن أقول بالانحيازات السياسية رغم أنها واردة فكلنا بشر. وهذا الأمر يفتح الباب للمحاكمة السياسية التى يستحقها مبارك ونظامه، والذى ما كان له أن يُحاكم بقوانينه وبأدلة تجمعها أجهزة نظامه، بل كان يستحق محاكمات ثورية منذ سقوطه بصورة لا تتيح التحايل على كل ما ارتكبه هو ونظامه بحق مصر وشعبها العظيم قبل الثورة وفى أثنائها.

والحقيقية أن مصر فى عصره «السعيد» شكلت مسرحا تتوافر فيه كل العوامل التى تساعد على انتشار الفساد وجموحه. ووفقا للنماذج النظرية فإن الفساد ينتشر ويتعاظم فى الدول غير الديمقراطية التى تضعف أو تغيب فيها الشفافية والإفصاح عن المعلومات الخاصة بالدولة والمال العام والنشاطات الاقتصادية العامة، والتى تضعف أو تغيب فيها المساءلة الحقيقية والفعالة للمسئولين فى الدولة وإداراتها وهيئاتها الاقتصادية وقطاعها العام. كما ينتشر الفساد فى البلدان التى يوجد فيها ازدواج للسيطرة على السلطة والثروة. كذلك فإن الفساد ينتشر فى البلدان التى تتسم بانخفاض الدخول الرسمية لموظفى الدولة وإداراتها وهيئاتها الاقتصادية إلى مستويات لا تضمن لهم حياة كريمة كما هو الحال فى مصر بما يدفعهم دفعا إلى استغلال وظائفهم فى تحقيق دخول غير مشروعة تساعدهم على مواجهة متطلبات الحياة بالنسبة لصغار الموظفين ولتكوين ثروات كبيرة بالنسبة للقيادات الإدارية. كما أن منح موظفى الدولة صلاحيات منح أو منع التراخيص والوثائق الرسمية وفى تقدير وتحصيل الضرائب دون رقابة صارمة عليهم كما هو الحال فى مصر، يؤدى لتصاعد الفساد خاصة فى ظل غياب قوانين رادعة للفساد. كذلك فإن ضعف استقلالية الأجهزة الرقابية فى عهد مبارك بتبعيتها المباشرة للسلطة التنفيذية متمثلة فى الرئيس (الجهاز المركزى للمحاسبات)، والحكومة ممثلة فى وزارة العدل (جهاز الكسب غير المشروع)، ورئيس الوزراء (الرقابة الإدارية)، أضعف جهود الرقابة، وجعل حتى الأعمال الإيجابية لتلك الأجهزة تظل حبيسة أدراج السلطة التنفيذية. وكان الفساد فى الصحف القومية الذى تعملق فى عهد مبارك علامة فارقة فى هذا الشأن، حيث كانت التقارير الرقابية وبالذات من الجهاز المركزى للمحاسبات تشير إلى وجود ذلك الفساد، لكن نظام مبارك لم يسمح بمحاكمة حقيقية وناجزة للفاسدين. وإذا كانت الكثير من الصحف القومية والخاصة قد أفردت صفحات حول الفساد فى منح الأراضى بأسعار هزلية بصورة مروعة، وفى «تسقيعها» وتغيير استخدامها للتربح على حساب الدولة والشعب، فإننى سأورد بعضا من الفساد ويمكن استعراض بعض قضايا الفساد فى عهد مبارك لندرك هول التربح والتخريب الاقتصادى الذى أوقعه نظامه بحق مصر وشعبها

الفساد..الغول الذى تعملق وتجسد فى عقد توشكى
كان القانون الصادر عام 1951 يمنع ملكية الأجانب للأراضى الزراعية فى مصر، وهو ما تعزز فى ظل حكم الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، بحيث أصبحت أرض مصر ملكا خالصا لأبناء شعبها لا يشاركهم فيها أحد. لكن مبارك تجاوز كل ذلك وفتح ملكية الأراضى الزراعية وغير الزراعية للأجانب وبصورة فاسدة ومضيعة للحقوق والأصول والأموال العامة.

وفى سبتمبر 1998 وقعت الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية التابعة لوزارة الزراعة برئاسة الدكتور محمود أبو سديرة، عقدا مع شركة «المملكة للتنمية الزراعية» ويملكها الوليد بن طلال بشأن الاتفاق على تخصيص وبيع 100 ألف فدان بمشروع توشكى لشركته بسعر 50 (خمسين) جنيها للفدان، بإجمالى ثمن قدره 5 ملايين جنيه سُدد 20% منها عند التوقيع، رغم أن نصيب كل فدان من البنية الأساسية فى مشروع توشكى يبلغ 11 ألف جنيه تم تمويلها من المال العام العائد لشعب مصر، أى نحو 220 مثل السعر الذى بيعت به الأرض لبن طلال.

وفيما يتعلق بسعر بيع المياه لشركة بن طلال فإنه يبلغ أربعة (4) قروش لكل متر مكعب من الخمسة آلاف متر الأولى التى يستهلكها كل فدان، أى تكون تكلفة المياه لكل فدان نحو 200 جنيه طوال العام. ويرتفع سعر المتر المكعب إلى خمسة (5) قروش لكل متر مكعب من الألف السادسة التى يستهلكها الفدان، وبذا تصبح تكلفة المياه للفدان الذى يستهلك ستة آلاف متر مكعب نحو 250 جنيها. أما إذا تجاوز استهلاك الفدان هذه الكميات، فإن سعر المياه التى تزيد على ستة آلاف متر مكعب للفدان يصبح ستة (6) قروش لكل متر مكعب. وبالمقابل يحصل الفلاحون المصريون على المياه بشق الأنفس، وتأتى أسبوعين ويتم قطعها أسبوعين. ويسمح العقد لبن طلال بزراعة أى نوع من المحاصيل دون موافقة رسمية مسبقة من مصر، ويعطيه الحق فى استيراد أى نوع من البذور وفصائل النباتات وسلالات الحيوانات دون موافقة رسمية مسبقة، ودون خضوع لأى قيود تتعلق بالحجر الصحي. كما أنه معفى من جميع الضرائب والرسوم والأتعاب لمدة 20 عاما، تبدأ بعد بدء إنتاج 10 آلاف فدان من الأرض المخصصة للشركة، أى أنها لم تبدأ بعد. ويسرى هذا الإعفاء على المقاولين الذين يستخدمهم بن طلال فى تنفيذ المشروع وعلى العاملين لديه. ويحق له استقدام عمالة أجنبية والحصول لها بدون تأخير أو تقييد على تصاريح عمل غير مقيدة لمدة 3 سنوات يتم تجديدها بصورة دائمة لنفس الفترة دون تأخير. ويتضمن العقد أيضا أن تحصل شركة بن طلال على الكهرباء بتكلفة مساوية لأقل المعدلات المدفوعة من قبل أى مستخدمين فى مصر من مصريين أو أجانب. وهذا يعنى أنه سيظل يحصل على الكهرباء بأدنى سعر مدعوم. كما أنه حر فى وضع جدول تنفيذ المشروع بناء على إرادته المطلقة والوحيدة. ويحق له تصريف مياه الصرف الزراعى أو أى مياه جارية فى منخفض توشكى، أو أى منخفض آخر من اختياره، على أن تقوم الحكومة المصرية بحمايته وعدم تحميله أى مسئولية فى هذا الشأن. ويخضع العقد للتحكيم الدولي.

ورغم تعديل العقد بعد ثورة يناير العظيمة،فإنه ما زال يحتفظ بـ 25 ألف فدان، منها 10 آلاف فدان تُصبح ملكية له، و 15 ألف فدان بنظام حق الانتفاع لمدة 3 سنوات، يتم تمليكها له إذا زرعها فى تلك المدة. وهذه التسوية خفضت حجم فساد العقد الأصلى لكنها لم تقض عليه، لأن قيمة الـ 25 ألف فدان التى حصل عليها المذكور، تساوى ما يتراوح بين 1.5و2 مليار جنيه مصري.

ومن فيض الفساد فى عصر مبارك سنعرض بعض صفقات الخصخصة التى خضعت مصر من خلالها للرأسمالية العالمية وضيعت استقلالها الاقتصادى فى سياق منظومة كاملة من سياسات التبعية الاقتصادية، وذلك لتذكرة من نسى ومن لا يعلم بما أوقعه نظام مبارك بمصر من كوارث...

صفقة بيبسى كولا :
قيم مكتب الخبرة الأمريكى «كوبر أند ليراند» أصول شركة بيبسى كولا بنحو 76 مليون جنيه مصرى، وبعد مفاوضات طويلة تم بيع الشركة إلى شركة «الكان» المصرية محمد نصير وشركة بيبسى كولا العالمية وشركة بقشان السعودية، وتم توقيع عقد البيع فى أبريل 1994 بقيمة 157.6 مليون جنيه مصرى

وفى عام 1999 أعلنت شركة بيبسى كولا أنها اشترت حصة تبلغ 77% من الشركة المصرية لتعبئة الزجاجات (بيبسى كولا المصرية) وبلغ حجم الصفقة 400 مليون دولار (جريدة الأهرام ، 5/2/1999.)، أى نحو 1350 مليون جنيه مصرى بأسعار صرف الجنيه فى ذلك العام، أى أن قيمة الشركة كلها كانت نحو 1740 مليون جنيه، وهى التى تم بيعها بـ 157,6 مليون جنيه قبل أربعة أعوام كان معدل التضخم فيها متدنيا للغاية. وقد تعرضت هذه الصفقة لانتقادات حادة حيث أعلن الرئيس السابق لمجلس إدارة الشركة المصرية لتعبئة الزجاجات (شركة بيبسى كولا المصرية) أن مصنعى المنيا وبورسعيد قدرا بمبلغ 150 مليون جنيه ، فكيف تباع 8 مصانع بها 18 خطا إنتاجيا وأسطول لسيارات التوزيع بسعر مصنعين فقط !

وفضلا عن التحفظات بشأن سعر المصانع وخطوط الإنتاج وأسطول السيارات ، فإن تقييم سعر الأرض المملوكة للشركة كان مثيرا للجدل، إذ إن سعر التقييم لم يضع فى الاعتبار احتمالات استخدام تلك الأرض فى أغراض غير بناء المصانع أو المخازن، مثل بناء العقارات أو غيره، علما بأنه ليس هناك نص يلزم الشركة بعدم استخدام الأرض فى أغراض أخرى بعد أن مر أكثر من خمس سنوات على بيع الشركة من القطاع العام للقطاع الخاص. وتملك الشركة أراضى فى شارع مصطفى كامل بالإسكندرية وسعرها كأرض بناء وقت بيعها يوازى نصف الثمن الذى بيعت به الشركة كلها، كما تملك الشركة أرضا فى شارع الهرم بالقاهرة وإذا قدرت قيمة هذه الأراضى وفقا لأسعار السوق للاراضى التى تستخدم للبناء فإنها تفوق إجمالى سعر بيع الشركة من القطاع العام إلى القطاع الخاص.

 فندق الميريديان :
يقع فندق الميريديان فى أقصى الطرف الشمالى لجزيرة المنيل ويبدو كشبه جزيرة فى النيل فى موقع فريد وشديد التميز، وتبلغ مساحته 21 ألف متر مربع كانت تملكها محافظة القاهرة. وعندما عرض الفندق للبيع عام 1993 كان سعر المتر فى هذا الموقع لا يقل عن 30 ألف جنيه أى أن قيمة الأرض وحدها كانت تساوى 630 مليون جنيه مصرى أى أكثر من 185 مليون دولار بأسعار ذلك العام.

وقد تم بيع ذلك الفندق إلى مشتر سعودى بمبلغ 75 مليون دولار. أى بنحو 40% من قيمة الأرض وحدها !! وللعلم فإن السعر الذى بيع به الفندق لا يتجاوز قيمة الأرباح الصافية للفندق فى أربع سنوات.

وهذه الصفقة مثلها مثل غيرها من صفقات بيع الفنادق مثل شيراتون القاهرة (135 مليون دولار) ، شيراتون الغردقة (16 مليون دولار) ، هى نماذج للبيع بلا مبرر وللفساد فى تقييم سعر الأصل العام ولإهدار المال العام أو أموال الشعب فى النهاية.

خصخصة البنك المصري الأمريكى وبنك الإسكندرية
عند عرض حصة المال العام فى بنك مثل البنك المصرى الأمريكى للبيع، فإنه من المفترض أن يقوم الملاك بإظهار مزايا بضاعتهم وهى هنا البنك المصرى الأمريكي، لكن كل ما صدر عن محافظ البنك المركزى وقتها، وعن رئيس بنك الإسكندرية، لا يمكن أن يوضع إلا فى إطار التقليل من قيمة وشأن البنك المطروح للبيع. فقد أكدا أن قيمة البنك فى البورصة عندما بدأت عملية تقييمه تمهيدا لبيعه كانت تقل كثيرا عن السعر الذى عرض لشرائه بما يعنى أن هذا الأخير هو سعر بالغ الارتفاع.

وإذا كان الأمر الطبيعى أن يأتى المشترى إلى البائع، فإن رئيس بنك الإسكندرية سافر إلى باريس عدة مرات لإنهاء صفقة البيع بدلا من التفاوض مع مندوب بنك كاليون، وبرر هذا الأمر بأن التفاوض مع كل مجلس إدارة البنك الفرنسى أفضل من التفاوض مع المندوب. وهذا الأمر يضفى بعض الشبهات التى لم تكن لها أى ضرورة، وكان من الأفضل البعد عنها.

وكان سعر سهم البنك فى البورصة فى الستة أشهر الأخيرة من عام 2005 يتراوح بين 70و 56 جنيها. وفى 4/1/2006، صدر إعلان مشترك من البنك المركزى وعلى رأسه د. فاروق العقدة، ووزارة الاستثمار وكان على رأسها محمود محيى الدين، وبنك الاسكندرية، يشير إلى أن سعر سهم البنك المصرى الأمريكى لا يزيد على 45 جنيها، وهو إعلان فاسد شكل ضغطا على المستثمرين فى البورصة لتخفيض سعر السهم إلى ذلك المستوى بمساعدة شركات سمسرة متواطئة، حتى يتسنى لوزير الاستثمار بيع البنك بذلك السعر المتدنى للسهم، بدعوى أن هذا هو سعره فى البورصة. وبالفعل تم الإعلان عن بيع البنك المصرى الأمريكى إلى بنك كاليون بسعر 45 جنيها للسهم، مع استحواذ المشترى على أرباح العام الأخير وهى 5 جنيهات للسهم، مما يعنى أن السعر الحقيقى لبيع البنك هو 40 جنيها فقط للسهم. وهذا الفارق بين سعر بيع سهم البنك فى صفقة «كاليون» وبين سعره فى البورصة وقت البيع، يعنى أن صغار المستثمرين الحائزين لنحو 28.2% من أسهم البنك قد خسروا الفارق بين سعر سهم البنك فى البورصة قبل الإعلان عن صفقة البيع (56 جنيها) وبين السعر المعروض لبيع البنك فى صفقة كاليون (45 جنيها). كما يعنى أيضا أن حصة المال العام فى البنك المصرى الأمريكى قد خسرت نحو 320 مليون جنيه بسبب هذا الفارق طبقا لهذه الصفقة. وللعلم فإن القانون 95 لسنة 1992 الخاص بسوق المال نص على وجوب إتمام عملية البيع بمتوسط أسعار الإقفال خلال الأسبوع السابق على الإخطار أو السعر الوارد فى العرض أيهما أعلى.

أما الصدمة الكبيرة فى هذه الصفقة فقد تمثلت فى أن وزيرين فى الحكومة المصرية وقتها هما أحمد المغربى وزير الإسكان والمجتمعات العمرانية الجديدة، ومحمد منصور وزير النقل هما من قام بشراء البنك بالاشتراك مع كريدى أجريكول فرنسا «كاليون»، وكانت حصتهما من صفقة الشراء 25% مقابل 75% لبنك كاليون. وفى نفس السياق شكلت صفقة بيع 80% من بنك الإسكندرية لبنك إيطالي، قفزة نوعية فى عملية الخصخصة. وقد تم بيع حصة الأغلبية فى بنك الإسكندرية بقيمة 1.6 مليار دولار أى نحو 9.1 مليار جنيه، رغم أن البنك قد أنفق عليه لإعادة هيكلته نحو 7 مليارات جنيه بالتمام والكمال.

خصخصة شركة طنطا للكتان
تقع شركة طنطا للكتان فى ميت حبيش البحرية فى طنطا على أول طريق طنطا-ميت غمر المتفرع من طريق القاهرة-الإسكندرية الزراعى وعلى بعد 50 مترا منه، على مساحة 74 فدانا أى نحو 310 آلاف متر مربع، عبارة عن سبعة مصانع لمختلف منتجات الكتان وزيوته الذى يسد حاجة السوق المحلية من تلك المنتجات ويقوم بتصدير بعض منتجاته للخارج، كما تملك الشركة مخازن وسيارات ركوب ونقل وغيرها من الأصول، فضلا عن الآلات والمعدات والاسم التجارى والشهرة. ولأن سعر الأرض فى تلك المنطقة بالغ الارتفاع، فإن سعر الأرض المملوكة للشركة وفقا لتلك الأسعار يبلغ أكثر من ألف (1000) مليون جنيه. وفى مثل هذه الحالة فإنه حتى لو قررت الحكومة بيع الشركة العامة للقطاع الخاص المصرى أو الأجنبي، فإن المنطق يفرض بيع آلات ومعدات الشركة واسمها التجارى وشهرتها وتعاقداتها، مع نقلها إلى أقرب منطقة صناعية جديدة فى المدن الجديدة مع توفير مساكن للعاملين فيها بأسعار التكلفة، والإبقاء على الأرض فى حوزة الدولة سواء لبيعها بسعر السوق كأرض للتنمية العقارية أو استخدام الحصيلة فى بناء مشروعات إنتاجية جديدة وتقديم تعويضات عادلة للعمال الذين لن ينتقلوا مع الشركة إلى مقرها الجديد وسيفضلون تسوية معاشاتهم نتيجة ظروفهم الخاصة، أو عدم بيع تلك الأرض واستغلالها فى مشروعات خدمية صحية أو تعليمية لمصلحة الشعب الذى هو المالك الأصلى للقطاع العام.

وقد باعت وزارة الاستثمار فى عهد د. محمود محيى الدين شركة طنطا للكتان والزيوت بكل ما فى حوزتها من أراض وآلات ومعدات وسيارات ومختلف الأصول والاسم التجارى والشهرة بمبلغ 83 مليون جنيه فقط، دفع المشترى السعودى 40% منها كدفعة تعاقد، وباقى الثمن على ثلاث دفعات. أى أن ثمن بيع الشركة بكل ما تملكه يبلغ نحو 8% من قيمة الأرض التى تملكها الشركة!!

هذا بعض من ميراث الفساد والتدمير والكوارث التى ألحقها نظام مبارك بمصر وشعبها ويستحق عن هذا الميراث محاكمة سياسية وثورية لم تتم إلى الآن.

No comments: