أحمد السيد النجار
من بين عالم يبلغ عدد سكانه نحو 7150 مليون
نسمة هناك 0.7% هم أغنى سكان العالم ممن يملكون مليون دولار فأكثر. وهم يملكون ثروات
قيمتها 115.9 تريليون دولار تعادل 44% من الثروة العالمية، تاركين 56% من مجموع ثروات
العالم لنحو 99.3% من سكان العالم. ولو أخذنا شريحة أوسع من الأثرياء تشكل 8,6% من
أغنى سكان العالم سنجد أنهم يمتلكون ثروات قيمتها نحو 224.5 تريليون دولار تعادل
85.3% من ثروات العالم.
وعلى الجانب الآخر فإن 69.8% من أفقر سكان العالم
ممن تتراوح ثرواتهم بين صفر و 10 آلاف دولار، وهم لا يملكون سوى 7.6 تريليون دولار
تعادل نحو 2.9% من الثروة العالمية. وفى المساحة بين الأثرياء والفقراء، تقع فئة وسطى
تشكل 21.6% من سكان العالم ممن يملك كل منهم ما يتراوح بين عشرة آلاف ومائة ألف دولار.
وهذه الفئة تملك نحو 31.1 تريليون دولار تشكل نحو 11.8% من الثروة العالمية. ولو جمعنا
الفقراء والمتوسطين معا سيصبح مجموعهم 91.4% من سكان العالم لديهم 38.7 تريليون دولار
تشكل نحو 14.7% فقط من مجموع ثروات العالم.
إنه عالم ينطوى على سوء توزيع للثروات بصورة
مروعة كما يوضحه تقرير الثروات العالمى الصادر عن بنك الائتمان والاستثمار المصرفى
السويسرى
(Credit Suisse Investment Banking). وفى مثل هذا العالم الذى تغيب فيه قيم العدل والتكافل
والنهوض المشترك، من الطبيعى أن نتوقع تصاعد العنف الاجتماعى والجنائى والسياسى والطائفى
والعنصرى فى داخل البلدان المنقسمة طبقيا بحدة وغلاظة، وبين البلدان المختلفة فى مستويات
معيشتها وفى حصتها من الاستحواذ على ثروات العالم.
وداخل كل بلد تنتج الثروات المتراكمة من ناتج
العلم والعمل والاحتشاد الادخارى والاستثمارى لتسريع نمو الثروة المستقبلية على حساب
الاستهلاك فى الحاضر. كما تنتج الثروات أيضا من قدرة البعض على استغلال قوة العمل والاستئثار
بالموارد العامة فى تكوين جبال الأموال والثروات عبر السيطرة على الأصول والأراضى العامة
والاتجار فيها.
أما التباين فى الثروات بين البلدان فقد ولده
عصر الاستعمار والنهب واستغلال دول مهيمنة لبلدان وشعوب أخري، فضلا عن العمل والعلم
والتقدم التكنولوجى والاحتشاد الادخارى والاستثماري، وكذلك من خلال تقييم أسعار السلع
المختلفة بما يفضى بتقييم مبالغ فيه للسلع التى تنتجها الدول المهيمنة وشركاتها، مقارنة
بالدول النامية.
وقبل كل ذلك هناك استغلال الدول الكبرى فى الغرب
وبالذات الولايات المتحدة الأمريكية لوضعية عملتها كعملة احتياط دولية فى نهب دول أخرى
أو العالم بأسره.
والحقيقة أن صدور هذا التقرير مؤخرا يشكل مناسبة
لمتابعة التطور فى خريطة الاستحواذ على الثروات فى العالم. وهذه الخريطة تنقسم أفقيا
ورأسيا، فهناك دول فقيرة وأخرى متوسطة الدخل وثالثة غنية.
وداخل كل بلد هناك أثرياء وفقراء ومتوسطو الدخل.
وهناك فارق كبير بين حصة الدول من الناتج العالمى وحصتها من الثروات، لأن الناتج يكون
عن عام واحد، بينما تتكون الثروات كحصيلة لتراكم الأصول والممتلكات عبر سنوات طويلة
من وجود فائض من الدخل عن الحاجات الاستهلاكية الجارية يتم تكديسه فى صورة أصول وممتلكات.
وبداية لابد من الإشارة إلى أن تقديرات تقرير
الثروات العالمى هى تقديرات استدلالية وليست بيانات دقيقة كليا، حيث إن هناك ثروات
غير مشروعة تكونت فى الاقتصاد الأسود ومن الفساد، وهى بطبيعتها ثروات مخفية يصعب حصرها
ووضعها فى الحسبان.
وهناك سرية الحسابات وجزر الأوفشور للتهرب الضريبى
ولإخفاء الثروات المنهوبة من البلدان النامية. ومن المؤكد أن حساب الثروات التى تكونت
فى الاقتصاد الأسود والفساد سيزيد قتامة صورة الفوارق فى الدخل أكثر من القتامة التى
يرصدها التقرير.
كما أن قيمة الثروات الكامنة المتمثلة فى احتياطيات
الموارد الطبيعية لا يتم حسابها حتى ولو كانت مؤكدة ومُكتَشفة فعليا.
وإذا كانت الولايات المتحدة فى السابق متخمة
بالموارد الطبيعية التى شكلت منذ اغتصابها من السكان الأصليين أساساً لثرائها عبر استخدام
العلم والعمل والاستعباد الإجرامى لعشرات الملايين من الأفارقة فى استغلال تلك الثروة،
فإن الوضع يختلف تماما فى الوقت الراهن.
ويتم الاعتماد حاليا على الحصول على أسعار بالغة
الارتفاع للمكونات التقنية فى السلع عالية التقنية التى تحتكرها الولايات المتحدة.
وكذلك الأمر بالنسبة لمنظومات الأسلحة التى
تنتجها. كما يتم الاعتماد فى تحقيق الثراء الأمريكى حاليا على نزح الثروات الطبيعية
من العالم عبر عقود المشاركة فى الإنتاج فى قطاع النفط والغاز، وعقود استكشاف واستخراج
الموارد المعدنية.
لكن العنصر الأكثر أهمية فى هذا الثراء هو استغلال
وضعية الدولار كعملة احتياط دولية تهيمن على أكثر من 60% من سلة الاحتياطيات الرسمية
لكل دول العالم.
فاستنادا لهذه الوضعية أفرطت الولايات المتحدة
فى الإصدار النقدى بصورة لا علاقة لها بأى غطاء إنتاجى أو ذهبى منذ أن تم فك الارتباط
بين الدولار والذهب فى أغسطس عام 1971.
والواقع أن الولايات المتحدة بإفراطها فى إصدار
دولارات تهيم فى أسواق العالم حيث تسوى بها الدول معاملاتها، تشترى فى التحليل الأخير
سلع وخدمات العالم مقابل مجرد أوراق.
ولو تحولت مختلف دول العالم إلى تسوية التزاماتها
الدولية بعملاتها المحلية أو بسلة عملات غير الدولار بما يعيد جبال الدولارات الهائمة
فى الأسواق الأخرى إلى الولايات المتحدة، فإن ذلك سيؤدى لانفجار تضخم جامح وأسطورى
فى الولايات المتحدة، وسينتهى الأمر بكارثة اقتصادية أمريكية مدمرة ستمتد آثارها للكثير
من الدول وللاقتصاد العالمى عموما.
ولذا تقاوم الولايات المتحدة بضراوة أى محاولة
لإنهاء وضعية الدولار كعملة احتياط دولية.
لكن لو تم هذا التحول عن الدولار بصورة تدريجية
كما يجرى ببطء شديد فى الواقع حاليا، فإن الإمبراطورية الأمريكية ستفقد تدريجيا جزءا
مهما من موارد قوتها الاقتصادية وهو الجزء المزيف المبنى على نزح موارد الآخرين عبر
استغلال وضعية عملتها كعملة احتياط دولية.
وما ينطبق على الولايات المتحدة فى هذا الشأن
ينطبق على الدول الرأسمالية الكبرى بنسب متفاوتة. ومن الضرورى الإشارة إلى أن الإمبراطوريات
الاستعمارية القديمة وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا وأسبانيا وإيطاليا وبلجيكا وهولندا
كونت جزءا مهما من ثرائها التاريخى من ثروات ودماء أبناء الشعوب والدول التى خضعت لها.
أما اليابان فتبلغ ثروتها 23,2 تريليون دولار،
ولديها 2.73 مليون مليونير. ومن بين أغنى 10% من سكان العالم هناك 62.6 مليون ياباني.
ومن بين أغنى 1% فى العالم هناك 4 ملايين ياباني.
ويبلغ عدد المليونيرات نحو 2.4، 2، 1.9،
1.2، 1.1 مليون نسمة فى فرنسا وبريطانيا وألمانيا والصين وكندا بالترتيب. ويبلغ العدد
333 ألفا فى كوريا الجنوبية، و 225 ألفا فى البرازيل، و 182 ألفا فى الهند، و 172 ألفا
فى المكسيك، و 158 ألفا فى روسيا.
ويبلغ عدد المليونيرات فى المملكة العربية نحو
48 ألف شخص راشد، وتأتى خلفها دولة الإمارات العربية بنحو 46 ألف شخص راشد. لكن تركيا
هى التى تتصدر دول المنطقة فى هذا الشأن بنحو 79 ألف مليونير.
وتبلغ قيمة الثروات فى الصين وفرنسا وبريطانيا
وكندا والهند وسويسرا والبرازيل وروسيا بالترتيب نحو 21,4، 15.3، 14.2، 7.5، 3.2،
2.2 تريليون دولار.
ولو نظرنا للأثرياء فى كل العالم على أساس حجم
الدخل بغض النظر عن الدول التى ينتمون إليها سنجد أن من يملكون ثروة تتراوح بين 1 و
5 ملايين دولار يبلغ عددهم 30.8 مليون شخص راشد، ويدور مجموع ثرواتهم حول 77 تريليون
دولار لو أخذنا قيمة وسطية لحجم ثروة كل منهم.
ويبلغ عدد من يملكون ثروات تتراوح بين 5، و
10 ملايين دولار نحو 2,5 مليون راشد. ولو أخذنا قيمة وسطية لثروة كل منهم فإن ثرواتهم
يمكن أن تبلغ نحو 19 تريليون دولار.
ويبلغ من يملكون ثروات تتراوح قيمتها بين
10 ، و 50 مليون دولار نحو 1,4 مليون راشد. ولو أخذنا قيمة وسطية لثروة كل منهم فإن
مجموع ثرواتهم يمكن أن يبلغ نحو 42 تريليون دولار.
أما من يملكون ثروات تبلغ قيمتها أكثر من
50 مليون دولار فإن عددهم يبلغ 128 ألف شخص راشد، وهم حفنة صغيرة بالمقارنة مع مجموع
سكان العالم لا تزيد على 0,002% منهم، لكنهم يملكون جبالا من الثروات.
توزيع الناتج يؤسس لفوارق الثروات
إذا انتقلنا من الثروات المتراكمة إلى الناتج
القومى السنوى الذى تتكون الثروات من تراكم المدخرات والاستثمارات منه عاما بعد عام،
سنجد أنه فى الماضى القريب فى عام 2000، كانت قيمة الناتج العالمى المحسوب بالدولار
طبقا لأسعار الصرف السائدة نحو 31,3 تريليون دولار، وكان عدد سكان العالم نحو 6057
مليون نسمة. وبلغ نصيب الدول الفقيرة التى شكل سكانها 40,6% من سكان العالم آنذاك
(كانت الهند من بينها)، نحو 3,2% فقط من ذلك الناتج. وبلغ نصيب دول الدخل المتوسط التى
بلغ عدد سكانها 44,5% من سكان العالم نحو 17% فقط من ذلك الناتج. أى أن مجموع سكان
الدول الفقيرة والمتوسطة الدخل قد شكل 85,1% من سكان العالم، بينما بلغ نصيبهم من الناتج
العالمى نحو 20,2% فقط.
وبالمقابل بلغ نصيب الدول الغنية التى شكل سكانها
نحو 14,9% فقط من سكان العالم، نحو 79,8% من الناتج العالمى فى ذلك العام. وبلغ نصيب
الصين بسكانها الذين شكلوا نحو 20,8% من سكان العالم آنذاك، نحو 3,4% فقط من الناتج
العالمي.
وفى عام 2012 بلغ الناتج العالمى المحسوب بالدولار
بنفس الطريقة نحو 71,7 تريليون دولار موزعين على عدد سكان العالم الذى بلغ 7044 مليون
نسمة فى ذلك العام. وبلغ عدد سكان الدول الفقيرة والمتوسطة الدخل معا نحو 5744 مليون
نسمة تعادل 81,5% من عدد سكان العالم. وبلغت حصتهم من الناتج العالمى نحو 30,6%، أى
أن هذه الدول رفعت حصتها من الناتج العالمى بمقدار 10,4 نقطة مئوية. وبلغ الناتج الصينى
وحده نحو 10,8% من الناتج العالمى المحسوب بهذه الطريقة بزيادة 7,4 نقطة مئوية على
عام 2000.
وبالمقابل شكل عدد سكان الدول الغنية نحو
18,5% من عدد سكان العالم، وبلغت حصتهم من الناتج العالمى نحو 69,4%. أى فقدوا نحو
10,4 نقطة مئوية من حصتهم من الناتج العالمى مقارنة بعام 2000.
وهناك طريقة أخرى لحساب الناتج القومى للدول
ومجموع الناتج العالمى بالدولار وهى التى تقوم على تعادل القوى الشرائية بين الدولار
والعملات الأخري. ووفقا لهذه الطريقة فى الحساب بلغ الناتج العالمى عام 2012 نحو
86 تريليون دولار. وبلغ نصيب الدول الفقيرة والمتوسطة الدخل منه نحو 42%، بينما بلغ
نصيب الدول الغنية نحو 58% منه.
ويعتبر الفارق بين نصيب الدول الفقيرة والمتوسطة
الدخل والغنية من الناتج العالمى المحسوب بالدولار وفقا لهذه الطريقة، والناتج المحسوب
طبقا لأسعار الصرف السائدة، تعبيرا عن انحرافات تقييم أسعار العملات فى الأسواق عن
السعر المثالى القائم على تعادل القوى الشرائية بين العملات.
ونتيجة لأن عملات الدول النامية فى غالبيتها
الساحقة إن لم يكن كلها تقريبا مقدرة بأقل من قيمتها الحقيقية مقابل الدولار بسبب ضغوط
الرأسمالية العالمية ووكلائها المحليين فى هذا الاتجاه، فإن قيمة الناتج لتلك الدول
الفقيرة والمتوسطة الدخل تخسر نحو 10.6 نقطة مئوية من حصتها من الناتج العالمي.
ونتيجة لهذا الانخفاض فى تقدير قيمة عملات الدول
النامية عن قيمتها الحقيقية مقابل الدولار والعملات الحرة الرئيسية، فإن المستثمر الغربى
عموما والأمريكى خصوصا يمكنه أن يشترى بأمواله أصولا تتجاوز قيمتها الحقيقية، قيمة
تلك الأموال وقدرتها على شراء الأصول فى بلدها الأصلي.
كما أن السائح الغربى يمكنه بالعملات الغربية
وعلى رأسها الدولار أن يشترى سلعا وخدمات فى الدول النامية، أكبر كثيرا من تلك التى
يمكنه شراؤها فى بلده بنفس الكمية من النقود.
وفى حالة اتجاه أسعار صرف عملات الدول النامية
نحو مستويات تقترب من قيمتها الحقيقية فإن قدرة العملات الغربية على شراء السلع والخدمات
والأصول فى الدول النامية سوف تتراجع بحدة، وسوف يتغير ميزان توزيع الناتج والثروات
فى العالم. والحقيقة أن كسر الهيمنة الغربية على الاقتصاد العالمى سيشكل المفتاح لإعادة
توزيع الناتج والثروات فى العالم.
وقد نجحت الصين بامتياز فى شق هذا الطريق وسوف
يسير على دربها دول أخرى لإنهاء بقايا عصر الهيمنة عندما تمتلك شعوب الدول النامية
مصائرها وتنتصر لاستقلالها الوطنى وتعاملها فى العلاقات الاقتصادية الدولية على قواعد
العدالة والتكافؤ.
اختلال توزيع الثروة فى مصر والحاجة للإصلاح
وفى عام 2014 ارتفعت حصتهم من الثروة إلى
73,3% من إجمالى الثروة. وهذا يعنى أن سوء توزيع الثروة يتزايد حتى بعد الثورة، وأن
نمط الاستحواذ على الثروات وتقسيمها بصورة غير عادلة لم يتغير بعد.
وهذا الواقع يضع مسئولية جسيمة على الرئيس والبرلمان
القادم لوضع القواعد القانونية والسياسات الاقتصادية-الاجتماعية الكفيلة بمعالجة هذا
الأمر. وتصنف مصر بين الدول الأكثر سوءا فى توزيع الثروات مقتربة من النموذج الأمريكى
الذى يستحوذ فيه أغنى 10% من السكان على قرابة 75% من الثروة الأمريكية، والنموذج التركى
الذى يستحوذ فيه أغنى 10% من السكان على 77.7% من الثروة التركية.
وعلى أى حال فإن إصلاح اختلالات توزيع الثروة
يحتاج إلى تمكين الفقراء من توليد وحيازة الدخل عبر تشغيلهم أو دعم مشروعاتهم الصغيرة
والتعاونية، وإلى المزيد من إصلاح النظام الضريبى الذى يعتبر الآلية الرئيسية عادة
فى توزيع الدخل، وأيضا عبر إصلاح نظام الدعم والتحويلات ودعم الخدمات الصحية والتعليمية
العامة لمصلحة الفقراء ومحدودى الدخل.
No comments:
Post a Comment