الحقيقة أن الرغبة في التخلص من اسماعيل كانت
كبيرة لدي الأوروبيين، فبعد افتتاح قناة السويس للملاحة و هي الشريان المائي الاستراتيجي
الذي يربط الدول الأوربية بمصادر المواد الخام في دول جنوب شرق آسيا، و بعد توسعات
اسماعيل في شرق أفريقيا و اصطدامه بأطماع الأوربيين هناك، فضلاً عن مشروعات اسماعيل
العملاقة في مصر و التي تحولها إلي دولة رائدة في المنطقة، كل هذا جعل الأوروبيين و
علي رأسهم انجلترا يبحثون عن الثغرات للتدخل في مصر ، و كانت أزمة الديون هي الثغرة
التي نفذوا منها.
بلغت ديون مصر عند وفاة سعيد باشا 11 مليون
و مائة و ستون ألفاً من الجنيهات. و عندما تولي إسماعيل الحكم واصل سياسة الاقتراض
للصرف علي مشاريعه الكبري الأمر الذي أقلق أصحاب الديون من البنوك الأوربية و المرابين
علي ديونهم ، و لجأوا إلي حكوماتهم للقيام بالإجراءات اللازمة تجاه الحكومة المصرية
لسداد الديون.
كانت انجلترا في مقدمة الدول التي استجابت لضغط
الدائنين و رأت في ذلك فرصة لتحقيق أطماعها السياسية في الاستيلاء علي مصر و التي كانت
لديها منذ أيام الحملة الفرنسية 1798 م و حملة فريزر 1807م و خاصةً بعد افتتاح قناة
السويس للملاحة. و من هنا استغلت انجلترا أصحاب الديون للتدخل باسمهم في شئون البلاد
لتحقيق الغرض النهائي و هو الاحتلال.
أضطر اسماعيل تحت ضغط الدول الدائنة و بالتنسيق
مع حكوماتهم إلي استقدام بعثة كييف 1875 م من بريطانيا للمعاونة في حل الأزمة المالية.
فدفع ذلك فرنسا إلي ارسال خبير باسمها هو المسيو فييه للمعاونة أيضاً حتي لا تنفرد
انجلترا بالأمر.
و استرضاء للدائنين طلب اسماعيل منهم وضع النظام
الذي يرتضونه، فقدم الجانب الفرنسي مشروع إنشاء صندوق الدين و توحيد الديون ، فصدر
مرسوم بإنشاء الصندوق في 2 مايو 1876 م و تحددت مهمته في أن يكون خزانة فرعية للخزانة
العامة تتولي استلام المبالغ المخصصة للديون من المصالح الحكومية مباشرة.
و تداعت مظاهر التدخل ففي 11 مايو 1876 م أصدر
الخديو مرسوماً بإنشاء مجلس أعلي للمالية من عشرة أعضاء نصفهم من الأجانب ، و في
18 نوفمبر من عام 1876 م أنشئت المراقبة الثنائية علي المالية المصرية لاثنين انجليزي
و فرنسي.
و بالرغم من وجود الرقابة الأجنبية سارت الأمور
من سيء إلي أسوأ، و اتهمت إدارة المراقبة المالية الخديو اسماعيل أنه يقيم العقبات
في سبيل انتظام الشئون المالية. و أقترح الرقيبان تأليف لجنة عليا أوروبية للتحقيق
في اسباب العجز في أبواب الإيرادات. و تم انشاء اللجنة في 27 يناير 1878 م ، و تلا
ذلك مرسوماً آخر في 30 مارس 1878م بتعميم اختصاص اللجنة ليشمل المالية بكل عناصرها.
و في النهاية ضغطت الحكومات الأوروبية علي السلطان
العثماني لعزل الخديو اسماعيل، و بالفعل أصدر السلطان العثماني عبد الحميد فرمان العزل
في يونية 1879 م ، و كان علي اسماعيل أن يغادر مصر إلي أي جهة يريدها فأختار إيطاليا.
بلغت ديون مصر عند عزل اسماعيل 126 مليون و
354 ألف و 360 جنيهاً.
و مكث اسماعيل في إيطاليا عدة سنوات قبل أن
ينجح في شراء سراي مطلة علي البوسفور في إستانبول، فأنتقل إليها هو و أبناؤه و منهم
الأمير أحمد فؤاد الذي سيصبح ملكاً علي مصر فيما بعد.
خلف إسماعيل ابنه الأكبر توفيق علي مسند الخديوية،
و بذلك أنقضت فترة مزدهرة من تاريخ مصر و بدأت فترة أخري كئيبة بدأت بالديون و أعقبها
الاحتلال الإنجليزي ثم الحرب العالمية الأولي و ما صاحبها من فرض الحماية البريطانية
علي مصر ثم الحرب العالمية الثانية و ما أعقبها من حرب فلسطين.
و
No comments:
Post a Comment