Friday, March 14, 2014

المستشار محمد محمد خليل يكتب : الشباب


نشر بجريده عقيدتي يوم 11-3-2014
الشباب مفجر النهضة,وقائد الأمة,به يبدأ المستقبل,وتتحقق الأمنيات,وتزداد شعلة الحركة الفاعلة,والمؤثرة فى الأوطان...على مدى تاريخ الإنسانية كان للشباب الدور الأكبر والأهم.....من ينسى إسكندر الأكبر الذى ارتقى العرش فى العشرين من عمره,وانتقل فى سن الثلاثين,هذا القائد العظيم فتح بلاد الشرق كلها,واجتاح بجيوشه ممالك شتى,وسيطر سيطرةً كاملةً على بلاد الفرس والهند وأفغانستان وسوريا,ومصر والعراق,وتحقق له بعض ذلك.
كما أن رمسيس الثانى تولى رئاسة البلاد فى مصر القديمة وهو فى الثامنة عشر من عمره,وانتصر فى معارك عدة فى العراق والشام.
وعندما قامت الثورة الفرنسية عام 1789 كان نابليون ضابطاً عظيماً فى سن الخامسة والعشرين,واستطاع أن يحقق انتصاراتٍ عظيمة ضد النمساويين وهو فى التاسعة والعشرين من عمره, وتمنى أن يحقق حلمه بإنشاء إمبراطورية فى الشرق وهو فى الحادية والثلاثين من عمره.
وقادة ثورة 23 يوليو ليسوا عنا ببعيد, فإن معظم الضباط الذين قاموا بها لا يتعدى واحدٌ منهم سن الرابعة والثلاثين ,عدا قائد الثورة العظيم اللواء محمد نجيب,الذى انحاز إلى فكر الشباب وآمن به,وحمل على عاتقه مسئولية التصدى للقيادة,معرضاً نفسه للخطر إيماناً منه بضرورة التغيير للنهوض بالبلاد.....وفى أيامنا هذه كان الشباب هو مفجر ثورة 25 يناير وقائدها ووقودها,ولولا همة الشباب وحماسه وإصراره على التغيير لما نجحت هذه الثورة,ولا حدث تغيير بخلع القيادة السابقة التى أخضعت الوطن لترهل أفكارها وفساد تصرفاتها مدة ثلاثين عاماً حرمت مصر من كل عوامل النهوض,وأسس التقدم الاقتصادى والبشرى,وساد انهيار التعليم وشيوع الفقر فى جموع الشعب,واستغلال طبقة المقربين من الحكام لخيرات البلاد,والسيطرة على اقتصادها لصالحهم دون باقى الشعب......ولكن الشباب كان واضح الرؤى,ومستشرف المستقبل,ورأى ضرورة الثورة والتغيير للقضاء على المفاسد واستغلال النفوذ.
فحاجة الأمة إلى الشباب تفوق كل عنصر من عناصر النهوض والتقدم,وإذا كان الشيوخ والكهول لديهم من الخبرة والمعرفة ما يؤهلهم للمشاركة فى بناء حياة الأمة ونهضتها فإنهم فى حاجة ماسة للشباب وتطلعه وبحثه عن المستقبل,فهو الطاقة الجبارة التى تدفع كل عناصر البناء,وهو الضياء الذى ينير الطريق إلى كل آفاق الحياة......عاشق الحرية ودرعها الواقى من استبداد الحكام وطغيان الظالمين.....وهو وحده القادر على الابتكار والاندفاع إلى تحقيق آمال الأمة وتخطى العقبات,مهما كانت صعبة والتغلب عليها مهما كانت وعرة.ولنا فى تاريخ الإسلام مصباح ونموذج......الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينتصر إلا بالشباب ولم تنجح الدعوة الإسلامية إلا بالشباب وحماسه فى الإيمان بالدين الجديد,وبصبره وجلده فى كافة الأزمات التى مرت بها الدعوة.....ويوم أن آمن أبو بكر الصديق بسيدنا رسول الله كان فى الثامنة والثلاثين من عمره وكان عمر بن الخطاب فى السادسة والعشرين,كل من قرأ تاريخ الإسلام يعرف فضل عمر وجرأته فى سبيل الدعوة الإسلامية,وهو أول من تجرأ بالمجاهرة بالإسلام فى مكة دون أن يجرأ أحد من قريش على مواجهته كما تُعرف إمكانياته العقلية فى إدارة شؤون البلاد كوزير للرسول صلى الله عليه وسلم فى المدينة,وبالشباب انتصر المسلمون فى غزوة بدر,وغيرها من الغزوات,وكان سيدنا على بن أبى طالب فى الثامنة والعشرين من عمره حين تصدى لعمرو بن ود الذى اقتحم الخندق بحصانه متحدياً من يتصدى له فينادى الرسول على (على) ليتحداه ولكن عمراً استصغره إلا أن علياً أجهز عليه بضربة واحدة أنهت حياة هذا الجبار كما كان على لم يتجاوز الثلاثين حين ناداه الرسول صلى الله عليه وسلم ليعطيه الراية فى فتح خيبر فيتحقق الفتح والنصر للمسلمين على اليهود فى تلك الموقعة الهامة.

عرف الرسول صلى الله عليه وسلم أهمية الشباب فاعتمد عليه فى القضاء على الأعداء يوم أسند الراية إلى أسامة بن زيد لمواجهة الأعداء فى شمال الجزيرة العربية,وكان سنه لا تتعدى العشرين وانفذ تلك المهمة من بعده خليفة رسول الله أبو بكر الصديق رغم اعتراض بعض الصحابة ومنهم عمر بن الخطاب....
الشباب هو القادر على تغيير الحياة,والعبور بها إلى بر التقدم وآفاق المستقبل,هو النغم الجميل والروح الخلاقة,والنور الكاشف لكل أمانى الأمة والسير بها فى طريق الحياة المفعمة بالمثل العليا,هو القادر على البذل والعطاء,والاستهانة بكل صعب وعائق,هو الفكر والخيال والإلهام والأحلام,هو يصوغ الحياة ويرفع شأن الناس,هو دائماً المنقذ من كل ضلال ومفجر الروح الوطنية فى الأمة.....
لا ننسى الزعيم مصطفى كامل خطيب الأمة وثائرها,الذى توفى وهو لا يتعدى الرابعة والثلاثين.....
تاريخنا ملئ بالأمثلة الرائعة لدور الشباب أحاط ببعض منها الأستاذ فتحى رضوان فى كتابه الرائع"نصف قرن بين السياسة الأدب"وأحب أن أذكر بشخصيتين هامتين فى تاريخنا القديم والحديث أحدهما فى الفكر الروحى والآخر فى النشاط التقدمى,الأول هو إخناتون الملك المصرى القديم الذى فطن إلى الوحدانية,وحرر العقول والفنون وهام فى آفاق الروحانيات وعزف أشعاره وأناشيده فى أجمل ما يكون ليثبت أن الله واحد أحد وفعل كل ذلك وهو لم يبلغ الثامنة عشر وواجه الكهنة وسخر منهم ومن معتقداتهم مدافعاً عن الوحدانية قبل أن تعرف البشرية ذلك بآلاف السنين.
والآخر هو محمد على الذى تولى حكم مصر بترشيح من المصريين وهو لم يتجاوز العشرينات من عمره,فنهض بالبلاد نهضة اقتصادية وتعليمية وعسكرية تفوق كل الهمم,ورغم ما يؤخذ عليه من أخطاء عدة إلا أن هذا الرجل كان صاحب فكر وصاحب رؤيا أشاد بها المعاصرون له من المنصفين فى أوروبا وأرسل البعثات المتوالية من الشباب إلى إيطاليا وفرنسا ليقف على كل ما قامت عليه النهضة الأوروبية ليلحق بركب الحضارة ويواكب عصر التقدم بالزراعة والصناعة والتعليم وتخير للبعثات الشباب حتى يكون أقدر على الاستيعاب وأشد حماساً فى طلب العلم واستيعاب عناصر الحضارة وتقدم الشعوب.
نعم..الشباب هو الوقود وهو الشعلة وهو الأمل وهو المستشرف للمستقبل دائماً ومصر غنية بشبابها الذى ينبغى أن يتحمل عبء السير فى طريق تحقيق أمنيات هذا الوطن.

المستشار/ محمد محمد خليل رئيس محكمة الإستنئاف.مفكر وأديب وشاعر.

No comments: