ملامح الإصلاح المطلوب لنظامى الأجور والمعاشات
الحقيقة أن أى عملية فعالة لإصلاح نظم العمل والأجور والمعاشات ينبغى أن تكون حزمة واحدة، حتى لو تم التنفيذ بشكل متدرج، حتى يمكن بناء قيم جديدة للعمل والالتزام والجدية تتوازى مع إصلاح الأجور. ويمكن تحقيق هذا الإصلاح الفعال بأدنى تكلفة ممكنة على النحو التالي:-
ربط إصلاح نظام الأجور بإصلاح نظام العمل ووضع قواعد صارمة للثواب والعقاب تعطى العاملين حقوقهم وتجبرهم فى الوقت ذاته على عدم القيام بأى شئ آخر على الإطلاق فى أثناء وقت العمل، ويمكن تخصيص ساعة للراحة لتناول الطعام والصلاة، على أن تكون هناك ساعة عمل بديلة عنها، حتى يكون الحديث عن إصلاح نظام الأجور أمراً مقبولاً. كما يمنع نهائيا ويجرم عمل الموظف العام لدى أى جهة خاصة منافسة لجهة عمله.
يوضع حد أدنى للدخل الشهرى الشامل للعامل يبلغ 6.5 جنيه فى الساعة بما يعادل 1560 جنيها شهريا لمن يعملون 8 ساعات فى اليوم، ونحو 1170 جنيها لمن يعملون 6 ساعات فى اليوم، ويُطبق على العاملين لدى الدولة والقطاع الخاص، وهو لا يشمل حصة العاملين فى أرباح آخر العام، إذا أسفرت أعمال المؤسسة العامة أو الخاصة عن تحقيق أرباح حقيقية. أما صرف «أرباح» للعاملين فى شركات خاسرة فى نشاطها الجاري، فإنه يدفع الشركة للمزيد من التدهور والاختلال المالى وربما الانهيار، وهو أعجوبة مالية لا يقبلها المنطق الاقتصادي.
يرتفع الحد الأدنى للأجر سنويا بصورة تلقائية بنفس نسبة ارتفاع الأسعار (معدل التضخم) على الأقل، للحفاظ على قدرته الشرائية. أما أجر العاملين فعليا فيرتفع سنويا بنسبة مساوية لمعدل التضخم، وبنسبة أخرى كمقابل للخبرة والأقدمية. ويتم عمل تسويات لأجور كل العاملين القدامى بناء على الحد الأدنى الجديد للأجر.
يوضع حد أقصى للأجر وما فى حكمها للعاملين لدى الدولة فى الجهاز الحكومى والقطاع العام والهيئات الاقتصادية. وقد حددت الحكومة هذا الحد الأقصى بـ 35 مثل الحد الأدنى للأجر الشامل، لكنها لم تطبقه بصورة شاملة على كل العاملين لدى الدولة رغم ضرورته لتقليل الفوارق بين الطبقات وتكريس قيمة العدل. ويوضع حد أقصى للأجر يمكنه أن يوفر الجزء الأكبر من احتياجات إصلاح نظام الأجور.
ربط الحد الأدنى للأجر بالحد الأدنى للمعاش وجدولة رد الدولة لأموال التأمينات المتراكمة كديون عليها، مع إدارتها واستثمارها من خلال مجلس أمناء استثمار تقوم النقابات المهنية والعمالية وأرباب المعاشات والدولة باختيار أعضائه مع رقابة صارمة للدولة على هؤلاء الأمناء لحماية أموال التأمينات، وحقوق أرباب المعاشات. ووضع خطة لتعويض أرباب المعاشات عما نهبته الحكومات المتعاقبة من أموالهم على مدى عشرات السنين عندما كانت تأخذ أموال التأمينات بفائدة متدنية للغاية، بالمقارنة مع أسعار الفائدة السائدة فى السوق.
وتشير البيانات إلى أن إجمالى أصول أموال التأمينات يبلغ 539.5 مليار جنيه فى الوقت الراهن، منها 235.7 مليار جنيه عبارة عن صكوك مديونية على الحكومة، ويتم دفع فائدة عنها تدور حول مستوى 8.5% فى الوقت الراهن ، ونحو 161.8 مليار جنيه مديونية حكومية لا يتم دفع أى عوائد عليها، ونحو 68.7 مليار جنيه ديون على بنك الاستثمار القومي. والباقى أى 73.4 مليار جنيه تستثمره الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى مباشرة. ومع اتفاق وزارتى المالية والتضامن والهيئة القومية للتأمين الاجتماعى على أصل الدين الحكومي، يبقى التفاوض حول آليات تحديد العائد عليه منذ عام 2006 وحتى الآن. وهذه القضية تستحق أن نتناولها بشكل مستقل فى مقال قادم نظرا لأهميتها الكبيرة، وارتباطها بمصالح كل من يعملون بأجر، وكل من خرجوا منهم إلى المعاش.
توحيد الأجور الأساسية فى الجهاز الحكومى والهيئات الاقتصادية والقطاع العام وفقا للتوصيف المهنى والوظيفي، بدلا من التفاوت الرهيب وغير العادل فى دخول العاملين فى مهنة واحدة حسب الجهة الحكومية التى تقوم بتشغيلهم.
إنهاء الأبواب الخلفية التى تتضخم عبرها بعض الدخول لتصبح أسطورية، مثل الصناديق الخاصة التى أنشأتها الوزارات والمحافظات والهيئات والجامعات لتخزين الفوائض، وحصيلة الغرامات والمخالفات والرسوم والإتاوات، ويتم الصرف منها على الحفلات والدعاية ومكافآت كبار المسئولين، بلوائح خاصة بدلا من إعادتها لوزارة المالية. كما أن بعض أعضاء الأجهزة الأمنية والمحاسبية الذين يشرفون على رقابة القطاع الاقتصادى مثل قطاع البترول والكهرباء والجمارك والجوازات يحصلون على دخول من تلك الجهات، وهى دخول غير منطقية، فضلا عن أنها توجد تعارض مصالح يؤدى إلى ضعف أو انعدام فعالية دورهم الرقابي.
إلغاء الكادرات الخاصة نهائيا، خاصة أنها أوجدت حالة من العشوائية والظلم والتمييز، ومادام قد تم وضع نظام عادل للأجور يكفل حياة كريمة للعامل وأسرته، فلن تكون هناك حاجة لهذه الكادرات، ويُكتفى فقط بتحريك الفوارق بين حاملى الدرجات العلمية، وتحريك بدل طبيعة العمل ليتراوح بين ربع ونصف الأجر الأساسى بصورة متباينة بين المهن المختلفة تبعا للمخاطر المحيطة بها.
No comments:
Post a Comment