Monday, February 24, 2014

إحتقانات العاملين وأرباب المعاشات.. ما المخرج؟ (3/3) بقلم : أحمد السيد النجار

آليات تمويل إصلاح نظام الأجور وتفادى التضخم
يعتبر ارتفاع الأجور بصورة شاملة فى الاقتصاد، إنذارا بارتفاع الأسعار التى تلتهم جزءاً مهماً من زيادة الأجور. وهذا التلازم يتطلب اتخاذ إجراءات صارمة لتفادى ارتفاع معدل التضخم عند تنفيذ أى عملية شاملة لإصلاح الأجور. ولعل الجانب الأهم من تفادى حدوث التضخم عند إصلاح نظام الأجور، وهو تنفيذ ذلك الإصلاح من خلال عمليات إعادة توزيع للدخل، دون اللجوء للإصدار النقدى الجديد، مع توفير آليات حقيقية لحماية المستهلك ولمنع الارتفاعات غير المنطقية فى أسعار السلع والخدمات من خلال تغيير قانون حماية المستهلك ليشمل الحماية من الاستغلال السعرى ومن مخالفة المواصفات، وتغيير قانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار ليصبح أكثر قوة وردعا للمارسات الاحتكارية التى تؤدى لارتفاع أسعار السلع والخدمات بدون مبرر حقيقي. ويمكن تركيز الآليات الرئيسية لتمويل رفع الحد الأدنى للأجر وتغيير نظام الأجور كلية على النحو التالي..
تحقيق العدالة فى توزيع مخصصات الأجور وما فى حكمها بين العاملين فى الجهاز الحكومى والقطاع العام وقطاع الأعمال العام والهيئات الاقتصادية العامة، من خلال جعل أعلى دخل شامل لا يزيد على 15- 20 مثل أدنى أجر شامل مما سيوفر جزءا كبيرا من الأموال المطلوبة لرفع الحد الأدني، وإصلاح نظام الأجور. لكن الحكومة وعددا من الأحزاب، اختارت أن يكون الحد الأقصى 35 مثل الحد الأدني. والأهم هو أن يتم تطبيقه بصورة شاملة وصارمة.
إنهاء فوضى «المستشارين» ومن تجاوزوا سن المعاش لتوفير مخصصاتهم الضخمة التى تذهب بشكل غير عادل لفئة محدودة من القيادات العليا التى يتم إبقاؤها غالبا لأسباب تتعلق بالمحسوبية، بحيث يمكن استخدامها فى إصلاح نظام الأجور عموما، حيث ستوفر جزءا كبيرا من متطلبات إصلاحه.

إلغاء دعم الطاقة المقدم لشركات الأسمنت والأسمدة والحديد والألومنيوم والسيراميك وغيرها من الشركات الرأسمالية الكبيرة المحلية والأجنبية والتى تبيع إنتاجها بأعلى من الأسعار العالمية. ولن يكون بمقدور تلك الشركات رفع أسعارها حتى لو تم إلغاء دعم الطاقة المقدم لها كليا، لأنها لو رفعت الأسعار يمكن لمصر أن تستورد من الخارج بأسعار أرخص. وتحويل قمائن الطوب والمخابز وسيارات النقل والميكروباص للعمل بالغاز بدلا من السولار، وتمويل هذا التحويل بقروض ميسرة مما سيوفر الجانب الأكبر من الدعم الذى ينفق على السولار. وقد بلغت مخصصات دعم الطاقة نحو 100 مليار جنيه فى ميزانية 2013 / 2014، تم رفعها بعد ذلك إلى 128 مليار جنيه. ويذهب ربع هذا الدعم للفقراء والطبقة الوسطى على أقصى تقدير، بينما تذهب غالبيته الساحقة إلى الأثرياء والرأسمالية الكبيرة المحلية والأجنبية وما تملكه من وسائل للنقل.. وهذا الإجراء وحده يمكن أن يوفر ما يكفى لإصلاح نظام الأجور، ورفع حجم ومستوى الإنفاق العام على الصحة والتعليم.
تعديل قانون الضرائب الحالى لمراعاة قاعدة التصاعد وتعدد الشرائح الضريبية بصورة متناسبة مع الدخل، ورفع الشريحة العليا للضريبة على الدخل لمستويات مناظرة لتلك السائدة فى الدول النامية الجاذبة للاستثمارات مثل ماليزيا وتركيا والصين، وفرض ضرائب على المكاسب الرأسمالية فى البورصة وفوائد الودائع على غرار ما هو معمول به فى الدول الرأسمالية النامية والمتقدمة، وفرض ضرائب محدودة على التعاملات فى البورصة لتهدئة سخونة المضاربات، وفرض ضريبة على تحويل الأرباح من البورصة المصرية إلى الخارج، وفرض ضرائب على استخراج الثروات الناضبة كالنفط والغاز والذهب وخامات الأسمنت والجبس والفوسفات والتلك وغيرها من الخامات المعدنية والمحجرية. وسوف تستخدم الحصيلة المتوقعة من تطوير النظام الضريبى فى تمويل تطوير البنية الأساسية والخدمات الصحية والتعليمية وإصلاح نظام الأجور.
تطوير أداء وحدات القطاع العام والهيئات الاقتصادية ووضع قيادات مشهود لها بالكفاءة والنزاهة على رأسها، ووضع ضوابط صارمة لمنع الترهل والتسيب والفساد فيها، حتى يتحسن الأداء، وتتحول إلى تحقيق الأرباح بصورة تضمن أجورا محترمة للعاملين فيها، بل ويكون هناك فائض محول منها إلى الموازنة العامة للدولة يمكن استخدامه فى تمويل نظام الأجور الجديد بناء على تحسن حقيقى فى الإنتاج والإنتاجية.
مكافحة الغلاء غير المنطقى وأسبابه المختلفة، وعلى رأسها الاحتكار الإنتاجى والتجارى عموما والاستيرادى خصوصا، وهو ما يتطلب تغيير قانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار، ووضع قانون يحقق هذا الهدف فعلا، والعمل على تعزيز حماية المستهلكين وأجورهم الحقيقية وحقهم فى الحصول على سلع جيدة بأسعار معتدلة مرتبطة بسعر التكلفة أو الاستيراد، وذلك من خلال توفير الحكومة للسلع المحلية والمستوردة فى مجمعات حكومية تدار بشكل كفء ونزيه، وتخضع لرقابة شعبية عامة ومحلية صارمة، وتبيع السلع بأسعار معتدلة، بعيدا عن الأسعار الاستغلالية التى يفرضها المحتكرون فى مجال الإنتاج والتجارة، بما يضمن أن أى زيادة فى الأجور الإسمية سوف تؤدى إلى زيادة فى الأجور الحقيقية، وفى مستويات معيشة العاملين. كما أن قيام الدولة بدور المنتج والتاجر المرجح فى المجالات التى توجد فيها احتكارات إنتاجية أو تجارية، سيشكل أمرا حاسما فى مكافحة تلك الاحتكارات، وضمان تحرك الأسعار بشكل عادل.
بالنسبة للعاملين فى القطاع الخاص، فإن الالتزام بالحد الأدنى الجديد للأجر وبتسوية أوضاع العاملين القدامي، يمكن أن يتحقق من خلال قبول الرأسماليين بمعدلات ربح معتدلة، وهو لن يمثل أزمة حقيقية لمن يريد العمل على أساس علاقات عمل عادلة وأخلاقية. وللعلم فإن السلع الصينية اجتاحت الأسواق العالمية، من خلال قبول أرباب العمل بمعدلات ربح منخفضة مع بيع كميات كبيرة والحصول على أسواق أوسع، بما يحقق أحجاما كبيرة من الأرباح عن أعمال وصادرات ضخمة، وهو منهج يقوم على بناء السوق واستنهاض الطلب الفعال بما يخلق آلية للنمو المرتفع طويل الأجل.
ومن المؤكد أن الالتزام بنظام عادل للأجر سيشكل آلية لتحسين توزيع القيمة المضافة فى العملية الإنتاجية بين العاملين وأرباب العمل، بكل تأثيراتها الإيجابية على الطلب الفعال، وعلى حوافز النمو الاقتصادى المتواصل فى الاقتصاد، وأيضا على ضرورات الدفاع الاجتماعى والسلام والاستقرار فى المجتمع.

No comments: